احتجاجات الجزائر.. الكابوس الذي يؤرق ماكرون

برغم الصمت الظاهر والغريب الذي ميز موقف الإليزيه من الاحتجاجات الجزائرية التي دخلت أسبوعها الثالث معلنة رفض العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإن تسريبات أكدت أن الرئيس إيمانويل ماكرون وفريقه الحكومي منشغلون جداً بالملف الجزائري، حيث وُصف انهيار النظام في الجزائر بأنه “الكابوس الذي يقض مضجع ماكرون”.

وأقصى ما وصلت إليها تصريحات المسؤولين الفرنسيين -مثل وزير الخارجية جاك إيف لودريان- هو القول: إن ما يقع في الجزائر شأن داخلي، وإن فرنسا لا تتدخل في شؤون الآخرين.

يحدث ذلك بينما تستمر الحشود الغاضبة في الخروج للشوارع بالعاصمة ومدن أخرى، كان آخرها أمس بالجمعة الثالثة على التوالي تحت شعار “جمعة الكرامة” وبدت المظاهرات أكبر من مثيلاتها الجمعتين السابقتين برغم إيقاف السلطات وسائل النقل العامة، وقد رفع المواطنون شعارات مناهضة لفرنسا التي دام استعمارها لبلدهم 132 عاماً حيث يتهمون الطبقة الحاكمة بكونها تابعة لباريس.

وأعلنت الشرطة في بيان عن اعتقال 195 شخصاً وسط العاصمة أمس، وصفتهم “بالمنحرفين الذين كانوا يريدون القيام بأعمال تخريب”، وأضاف البيان أن 112 من أفراد الأمن أصيبوا بجروح خلال المظاهرات.

ونقلت لونوفيل أوبسرفاتور عن مسؤول فرنسي كبير تأكيده أن اضطراب الأوضاع الأمنية بالجزائر ودخولها دوامة عدم استقرار بعد وفاة بوتفليقة هو الكابوس الحقيقي الذي يقض مضجع ماكرون.

وسبق لوسائل الإعلام الفرنسية أن أكدت أن ماكرون استدعى السفير بالجزائر كزافي درينكورت لمناقشة ما يحدث هناك؛ لأن التخوف كبير من أن تطور الأحداث بشكل سلبي سيؤثر بشكل مباشر على باريس.

ويلخص المتابعون أسباب القلق الفرنسي الكبير من احتمال أن تنحو التطورات منحى سلبياً في ثلاث قضايا أساسية؛ أولها الخوف من تدفق المهاجرين، وثانيتها ارتفاع مخاطر الإرهاب ضد فرنسا وأوروبا بشكل عام، بالإضافة إلى تأثر المصالح الاقتصادية الفرنسية بشكل مباشر.

هجرة مضادة

وأكدت الصحف الفرنسية -التي تخصص مجالاً واسعاً لتغطية الاحتجاجات الجزائرية- أن باريس تتخوف من هجرة مئات الآلاف من الشباب إلى البلاد هرباً من عدم الاستقرار.

وفرنسا تتذكر ما حدث مع بداية العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي، حيث تدفق عليها آلاف المهاجرين من مختلف الفئات هرباً من المذابح التي كان يتعرض لها الجزائريون، وسط اضطرابات أمنية وصراعات مسلحة لا تنتهي بين الجيش والأجهزة الأمنية وبين المسلحين.

ويشكل المهاجرون الجزائريون الجالية الأولى في فرنسا، بينما يصل عدد مزدوجي الجنسية إلى أكثر من مليون شخص، وقد نظموا عدة وقفات احتجاجية تضامناً مع المطالبين بعدم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة.

الإرهاب

أمنياً، يوضح محللون أن الجزائر خط دفاع مهم ضد التنظيمات المسلحة النشطة بالصحراء الكبرى، وهي التي لها حدود مع كل من مالي والنيجر.

ومن شأن التعاون الأمني المهم بين فرنسا والجزائر ودول المنطقة أن يتأثر سلباً بدخول هذا البلد دوامة عدم الاستقرار.

مصالح اقتصادية

اقتصادياً، تبلغ التبادلات التجارية بين البلدين نحو خمسة مليارات يورو، وبحسب الإعلام الفرنسي، فبلاد ماكرون هي المستثمر والمشغل الأجنبي الأول بالجزائر، وتستورد 10% من الغاز الجزائري.

كما أن الجزائر تضم عدة مصانع فرنسية أحدها لشركة رينو، فضلاً عن أنها مستهلك كبير للقمح الفرنسي.

وتشير أرقام نشرت عام 2018 لوجود أكثر نحو 500 شركة فرنسية بالجزائر توفر أكثر من 40 ألف وظيفة مباشرة، ونحو 10 ألف وظيفة غير مباشرة.

كما أن حجم صادرت فرنسا إلى الجزائر يصل إلى 6.4 مليار يورو، بينما تبلغ نسبة الواردات إلى 4.4 مليار.

وتبلغ نسبة المتقاعدين الجزائريين المستفيدين من تعويضات التقاعد نظير اشتغالهم بفرنسا إلى 440 ألف شخص.

وإذا ما اضطربت أوضاع الجزائر الأمنية فلا شك أن المصالح الاقتصادية الفرنسية ستتأثر سلباً، لكن متابعين يؤكدون أن العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين متجذرة لدرجة أن أي تغييرات قد تأتي بها الاحتجاجات الجارية لن تؤثر على علاقاتهما المشتركة.

Exit mobile version