“العمري” و”برقوق”.. شاهدان على عراقة الحضارة الإسلامية بغزة

 تمضي السنون وتمحو معها كل تفاصيل الحياة القديمة، إلا أن بعض الآثار والمعالم الحضارية والتراثية تبقى حاضرة على مدار عصور وأزمان مختلفة، ومن ذلك المسجد العمري الكبير، وقلعة برقوق في قطاع غزة، ومما لا شك فيه أن هذين المعْلَمين الأثريين شاهدان ودليلان قطعيان على مدى ارتباط ماضي الحضارة الإسلامية والتراثية بحاضرها، سيّما أنه تم تشييدهما في العصور القديمة منذ مئات السنين، ولا تزال آثارهما باقية حتى يومنا هذا.

 الجامع العمري: 

يُعتبر الجامع العمري الأكبر في قطاع غزة، ويقع في منطقة حي الدرج وسط مدينة غزة، وأُطلق عليه هذا الاسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطاب، وبالكبير لأنه أكبر مسجد في غزة، وتبلغ مساحته 4100 متر مربع، ومساحة فنائه 1190 متراً مربعاً.

يأخذ شكلاً معمارياً جميلاً متميزاً، يعود للعصر المملوكي والعثماني، لذلك يُعد أحد أقدم وأبرز المعالم الإسلامية والأثرية في قطاع غزة، إضافة إلى أنه يشتمل على موسوعة دينية ضخمة، وفق ما ذكرت الباحثة في علم الآثار بغزة هيام البيطار.

وقالت البيطار في تصريح لـ«المجتمع»: هُدم الجامع العمري فترة الاحتلال الصليبي لفلسطين عام 1149م، وتحول إلى كنيسة سُميت «القديس يوحنا».

وبيّنت البيطار أنه تم إعادة بناء «العمري»، وشهد ترميمات وتوسعات كبيرة في عصر المماليك، تمثلت في توسيع المصلى وإعادة بناء المئذنة مرة أخرى.

واستطردت البيطار أن الجامع في ذلك العهد كان كبيراً ويرتاده طلاب العلم والمثقفون؛ نظراً لاحتوائه على مكتبة كبيرة، وظل قائماً على هذا الوضع حتى العصر العثماني.

ولفتت إلى أن الجامع شهد مزيداً من التوسعة والإعمار، بعدما تولت مسؤوليته عائلة «آل رضوان» الغزية، حيث عملت على تشييده بشكل أجمل، بالتعاون مع وزارة الأوقاف آنذاك.

وذكرت الباحثة البيطار أنه خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914 و1918م، قصفت الطائرات الحربية البريطانية الجامع العمري؛ مما أدى إلى تدميره بشكل كامل، إلى أن جرى إعادة بنائه من المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين ما بين عامي 1926 – 1927م.

بدوره، قال رئيس لجنة الإعمار في المسجد العمري ساهر العلمي: تم إعادة ترميم المسجد حديثاً عام 2018م، واصفاً تلك التغييرات بـ«النقلة النوعية» التي أضافت الكثير من الجمال له.

وبيّن العلمي في تصريح لـ«المجتمع»، أن التوسعات جرت دون المساس بالبناء الأصلي القديم، حيث تمثلت بتوسيع الساحة الخارجية، وبناء مصلى خاص بالنساء.

قلعة برقوق:

وعن الشاهد الأثري الآخر «قلعة برقوق» الواقعة في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، التي يعود تاريخها إلى عام 1387م، حيث بناها الأمير يونس بن عبدالله النورزي، بناءً على طلب من السلطان برقوق أحد سلاطين مصر في العصر المملوكي، وفق ما تروي الباحثة البيطار.

وأوضحت البيطار أن القلعة كانت عبارة عن «خان»، وقد جرى بناؤه في تلك المنطقة، لتكون ممراً للقوافل التجارية من بلاد الشام إلى مصر، واستراحة المسافرين في الرحلات الطويلة.

وعن شكل الخان، ذكرت البيطار أنه كان مربعاً وطول كل ضلع من أضلاعه 88 متراً، وله بوابة خارجية، ويتألف من طابقين؛ السفلي عبارة عن حظائر للدواب والماشية، والعلوي فندق لإقامة التجار المسافرين.

وازدادت أهمية الخان في العصر العثماني، حيث تم تحويله إلى «قلعة»، وجرى تحصينه وتشييد أبراج للمراقبة لحمايته، سيّما أنه كان يمر من خلاله خزينة الأموال والبريد من إسطنبول إلى مصر، حسب باحثة الآثار الإسلامية هيام البيطار.

والخان حالياً شبه مهدم فيما عدا القسم الأمامي منه الذي يحتوي على الواجهة مع البوابة أو المدخل الرئيس والمسجد ومئذنته، وتقع هذه الواجهة في الجانب الغربي، ولا تزال الجدران وبعض الأبراج باقية، ومنها برج يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من القلعة.

Exit mobile version