هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبه.
«هو إمام المسلمين، وقدوة الموحِّدين، وشيخ المؤمنين، والمعوَّل عليه في أحاديث سيد المرسلين، وحافظ نظام الدين، أبو عبدالله الجُعْفِي مولاهم، البخاري، صاحب «الجامع الصحيح» وساحب ذيلِ الفضل للمُستميح.
كان والده أبو الحسن بن إبراهيم من العلماء الورعين.
سمع مالك بن أنس، ورأى حمَّاد بن زيد، وصافح ابن المبارك.
وحدّث عن أبي معاوية، وجماعة.
روى عنه أحمد بن حفص، وقال: دخلتُ عليه عند موته، فقال: لا أعلم في جميع مالي درهماً من شبهة، قال أحمد بن حفص: فتصاغرَتْ إليّ نفسي عند ذلك.
ولد البخاري سنة خمس ومائتين، وحفظ تصانيف ابن المبارك، وحُبِّب إليه العلم، وأعانه ذكاؤه.
قال ابن عَدِيّ: سمعتُ الحسن بن الحسين البَزّار يقول: رأيتُ البخاريّ شيخاً نحيفاً، ليس بالطويل ولا بالقصير، عاش اثنتين وستين سنة، إلا ثلاثة عشر يوماً.
وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوَرَّاق: قلتُ للبخاري: كيف كان بدءُ أمرك؟
قال: أُلهِمت حفظ الحديث في المكتب ولي عشر سنين أو أقل، وخرجت من الكُتّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخليّ وغيره، فقال يوماً فيما يقرأ على الناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلتُ له: إن أبا الزبير لم يَرْوِ عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجعْ إلى الأصل. فدخل، ثم خرج، فقال لي: كيف يا غلامُ؟ قلت: هو الزبير بن عدي، عن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأصلحه، وقال: صدقت.. فقال للبخاريّ بعضُ أصحابه: ابن كم كنتَ؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة.
فلما طعنت في ست عشرة سنة، حفظت كتاب ابن المبارك ووَكيع، وعرفت كلام هؤلاء.
ثم خرجتُ مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججتُ رجع أخي بها، وتخلَّفتُ في طلب الحديث.
فلما طعنتُ في ثماني عشرة سنة، جعلتُ أصنِّف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلَهم، وذلك أيام عُبَيد الله بن موسى، وصنفت «كتاب التاريخ» إذ ذاك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، في الليالي المقمرة، وكَلَّ اسمٌ في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب.
وقال عبدالرحمن بن محمد البخاريّ: سمعتُ محمد بن إسماعيل، يقول: لقيتُ أكثر من ألف رجل مِن أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، وخُراسان، إلى أن قال: فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: «أن الدين قول وعمل، وأن القرآن كلام الله».
وقال محمد بن أبي حاتم: سمعته يقول: دخلت بغداد ثماني مرات، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل، فقال لي آخر ما ودَّعتُه: يا أبا عبدالله، تترك العلم والناس، وتصير إلى خُراسان! فأنا الآن أذكر قول أحمد.
وقال ابن عدي: حدثني محمد بن أحمد القومسي: سمعتُ محمد بن حَمْدويَه، يقول: سمعت محمد بن إسماعيل، يقول: أحفظُ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديت غير صحيح.
وقال إمام الأئمة ابن خُزَيمة: ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري.
وقال الترمذي: لم أرَ أحداً بالعراق، ولا بخُراسان، في معنى العِلَل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد أعلمَ من محمد بن إسماعيل.
وعن أحمد بن حنبل، قال: انتهى الحفظُ إلى أربعة من أهل خُراسان: أبو زُرعة، ومحمد بن إسماعيل، والدارمي، والحسن بن شجاع البَلْخي.
وقال محمد بن أبي حاتم الورّاق: كان أبو عبدالله إذا كنت معه في سفر، يجمعنا بيت واحد، إلا في القيْظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلةٍ واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القدَّاحة، فيُوري ناراً ويُسرِج، ثم يُخرج أحاديث، فيُعلِّم عليها، ثم يضع رأسَه، وكان يصلِّي وقتَ السحر ثلاثَ عشرة ركعة، وكان لا يُوقظني في كل ما يقوم، فقلت له: إنك تحمل على نفسك في كل هذا، ولا توقظني، قال: أنت شابٌّ، ولا أحبُّ أن أفسِد عليك نومَك.
وقال الفَرَبْرِيّ: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعتُ في الصحيح حديثاً إلا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليت ركعتين»(1).
سيرة عاطرة لإمام قدوة نواصل شيئاً منها في العدد القادم إن شاء الله تعالى.
العبر التربوية:
– للآباء تأثير إيجابي كبير على الأبناء إذا صلحوا ودعوا لذرياتهم بالتوفيق والإعانة.
– حرص البخاري على المال الطيب البعيد عن الشبهات، فهذا الحرص على الحلال سبب عظيم لبركة العلم.
– فضل طلب العلم في الصغر لا يخفى على المربين والمعلمين.
– الإتقان والجودة في حفظ الرجال والأسانيد.
– أهمية معرفة التاريخ في صياغة الفكر.
– العالم وطالب العلم لا يستغنيان عن المحافظة على العبادة وقيام الليل.
– رفق المربي بالمربَّى ومراعاته لحاجاته من الراحة والنوم.
– ثناء العلماء على الإمام البخاري لبركة اهتمامه بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
_______________
الهامش
(1) تاج الدين السبكي- طبقات الشافعية الكبرى ج2.