ديون تونس.. مخاطر الإفلاس ومناط الإنقاذ

– إسماعيل: مستقبل الاقتصاد التونسي غير مطمئن في ظل وجود بنك مركزي غير قادر على وقف النزيف وانزلاق الدينار

– جبنون: سنسدّد بداية من عام 2021 وحتى 2025 دفعات قروض بقيمة مليار دولار سنوياً

– قويعة: المشكلة ليست حجم الديون وإنما مصارفها ومدى قدرة الاقتصاد على امتصاصها

 

بلغت ديون تونس 93 مليار دينار، جعلت البلاد تعيش وضعية حرجة جداً، وفق الخبراء الاقتصاديين، وقال الخبير المالي ياسين إسماعيل في تصريحات لـ”المجتمع”: يشعر المفكرون الاقتصاديون في تونس بخطورة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد على مستوى المديونية للخارج، وطرح بعض الحلول.

مديونية ضخمة

ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، الصادق جبنون لـ”المجتمع”: إن نسبة الدين على تونس في حدود 73% من الناتج الداخلي الخام، وإذا ما قارنا الدين الخارجي وهو بالعملة الصعبة، إلى العملة التونسية نحصل على رقم 93 مليار دينار؛ أي 93% من الناتج الداخلي، وأشار جبنون إلى تقرير دائرة المحاسبات رقم (31) الذي سجل بأن تونس مطالبة بتسديد مليار دولار سنوياً إلى حدود عام 2055، وكان التقرير المشار إليه قد ذكر بأن تونس ستسدّد بداية من عام 2021 وحتى 2025 دفعات قروض بقيمة مليار دولار سنوياً، في حين أن المؤشرات الدولية تحذر من زيادة الدين على 60% فقط من الناتج الداخلي، ولاحظ انفلاتاً في التداين انطلاقاً من عام 2016.

وعاب جبنون توجيه القروض إلى ميزانية التصرف وزيادة الأجور، بالرغم من شرعية هذا المطلب نتيجة تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي بنسبة 80%، ولكن مع زيادة الأجور هناك تدهور مستمر للدينار التونسي أمام العمولات الأجنبية؛ مما يجعل الفائدة من زيادة الأجور تكاد تكون منعدمة؛ وبالتالي تلجأ لمزيد الاقتراض وارتفاع حجم الديون وخدمة الديون؛ وهو ما يزيد في تدهور التصنيف السيادي لتونس المنخفض أصلاً.

فيما قلل الخبير الاقتصادي رضا قويعة، من حجم الديون الخارجية على تونس التي ذكر بأنها 74% من الناتج المحلي، وقال قويعة: هناك دول بلغ حجم ديونها 120% من الناتج المحلي، بما في ذلك الدول المصنعة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، لكن المشكلة الأساسية والخطيرة هي ماذا نفعل بالديون؟ وأين نستثمر الديون التي نطلبها من الخارج، وهذا أهم عنصر في الموضوع.

وأجاب بأن تونس تتداين ليس للاستثمار في الإنتاج وتقوية نسق النمو ومضاعفة الإنتاج ولا لاستغلالها في القطاع الصناعي أو الزراعي أو حتى الخدماتي، وإنما لسد ثغرات الميزانية بمعنى للاستهلاك الإداري ولصندوق التعويض أي الاستهلاك اليومي وفي رفع الأجور، وهذا ما يجعل ثقل الديون كما يؤكد عبئاً كبيراً على الأجيال القادمة، وهناك مخاوف من عدم مقدرة ميزانيات الدولية في السنوات الثلاث القادمة على تحمل دفعات سداد الديون وفوائد الديون أو خدمات الديون، كما يقال، وذلك كله على حساب التنمية والبنية التحتية والنفقات العمومية للحكومة وهناك مكمن الخطر.

مخاطر الإفلاس

وأكد ياسين إسماعيل، من جانبه، أن المسار الحالي لوضعية الديون يمكن أن توصل إلى حد الإفلاس، وهو ما حذرت منه عديد التقارير، والجهات سواء الخبراء أو غيرهم، وأشار إلى أن نسبة الاستيراد والتوريد بلغت 80%، وهو ما يفيد بأن تونس تستهلك من الخارج أكثر مما تنتج وتصدّر، وفي غياب ثروات طبيعية يمكنها تغطية هذا الاختلال الفظيع بين الحاجيات والإمكانيات.

الاستهلاك والتوريد أكبر من الإنتاج والتصدير

وفي تعليقه على رقم 80% من حاجيات التونسيين مستوردة حسب قوله، ورده على سؤال بخصوص ترشيد التوريد، ذكر إسماعيل: قبل ترشيد التوريد لا بد من تفعيل دورة الإنتاج المحلي، والعمل على إنتاج ما نستورده بكميات قادرة على تلبية حاجة السوق المحلية، وذلك في جميع الميادين الصناعية وغيرها، القطاع الأولي الخاص بالاكتفاء الذاتي، من الخضر والغلال، والاستهلاك اليومي للمواطن التونسي من مختلف الحاجيات الصحية والغذائية وقطع الغيار ووسائل الإنتاج؛ لذلك لا بد من إنتاج وافر حتى تكون الأسعار في متناول الجميع، وتحسين المقدرة الشرائية للمواطنين.

وعاد ياسين للتأكيد على أن الوضعية حرجة جداً على المستوى العام، وعلى مستوى معاناة المواطن، نتيجة تداعيات أزمة الديون على مستوى المعيشة ولا سيما الطبقات الوسطى والدنيا والمسحوقة.

وحول خدمة الديون، نفى إسماعيل رقم 8 مليارات دينار، وأكد أن خدمة الديون أكثر من 10 مليارات، وعلق على الرقم بقوله: هذا رقم رهيب جداً، وأي انزلاق آخر في الدينار يمكن أن يؤدي إلى كارثة، وتصبح خدمة الديون في حدود 11 مليار دينار، خاصة وأن مديونية تونس إما بالدولار أو باليورو.

وبخصوص ما يقال حول وجود صعوبات في تسديد القروض، ومخاطر عدم القدرة على الحصول على قروض جديدة، قال إسماعيل: يعني ذلك أن تحصل حالة إفلاس، وأن يجوع الشعب، وتعجز الدولة عن التوريد، وهي التي تستهلك ما لا تنتج ومعظم حاجياتها تأتيها من وراء البحار، وإذا عجزت عن الاقتراض تعجز عن التوريد وبالتالي يجوع الشعب بداهة.

وأكد ياسين إسماعيل، بدوره، أن مستقبل الاقتصاد التونسي في ظل المديونية المرتفعة وضبابية الآفاق وغياب إستراتيجية للتجاوز إلى بر الأمان غير مطمئن، في ظل وجود بنك مركزي غير قادر على وقف النزيف وانزلاق الدينار إلى مستويات سحيقة ولا توجد عتبة يمكن أن يقف عندها، وفي ظل نسبة فائدة مديرية مشطة جداً وهي 7.25%، وإذا استمر كل ذلك تدخل تونس في مرحلة الإفلاس مباشرة، وكل مؤشرات تونس حمراء  في أقصى الحالات.

وحمّل إسماعيل النخب السياسية المسؤولية عما يجري من تدهور على مستوى إنقاذ المالية العمومية والاقتصاد الوطني، وخضوعها لما وصفه باللوبيات التي لا تخدم سوى مصالحها وتفرض على رجالات السياسة أجندتها، ولولا التجارة الموازية التي يحملونها بعض المسؤولية تعتبر هي المتنفس والرئة التي تساهم في بقاء تونس على قيد الحياة، ومن حسن حظ تونس أن 50% من اقتصادها يأتي من التجارة الموازية، وليس مسيراً من قبل من يديرون الشأن العام، حسب قوله.

اقتراحات لتجنب الكارثة

وشدّد على ضرورة استخلاص ديون رجال الأعمال للدولة التي مر على بعضها عدة عقود دون إرجاعها، وهذا يؤكد أن جميع السلطات تعمل لصالح اللوبيات على حساب الدولة الوطنية، وبيّن أن المطلوب هو تغيير محافظ البنك المركزي، وتعيين محافظ جديد يحافظ على سعر صرف الدينار، وأن يخفّض في سعر الفائدة المديرية إلى نسبة 3.25 دون تجاوز، وأن يفتح المجال لفتح حسابات بالعملة الصعبة، ويصبح للمودع بإخراج نسبة 50 أو 60% والبقية تصرف له بالعملة المحلية الدينار، وتغيير نظام مقيم وغير مقيم، وهو نظام عار ومعرة، وهو سبب اتهام تونس بتبييض الأموال أو الجنات الضريبية، وعبّر عن أسفه لأن الجبهة الشعبية عبر رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب المنجي الرحوي، عطّل ومنع اعتماد مشروع قانون في الغرض، وهو ما يعكس صراعاً سياسياً على حساب الدولة الوطنية والمواطنة ينم عن دناءة الهمة؛ وبالتالي فإن المعارضة باسم الجبهة الشعبية هي المسببة لمنع الأمنستي لمجلة الصرف يسمح للتونسي بفتح حسابين أحدهما بالعملة الصعبة، وهو ما يسمح بتوفير 700 يوم توريد، من خلال تنظيم الاقتصاد الموازي والعملة الأجنبية التي تدار خارج الإطار الرسمي وخارج الدورة الرسمية للبنك المركزي، وبهذا يتم إصلاح الأوضاع في البلاد وتتحول المؤشرات الحمراء إلى خضراء.

وطالب بمراجعة قائمة الواردات، وصناعة ما يمكن صناعته في تونس، ومضاعفة الإنتاج للتصدير بوضع إستراتيجية في الغرض، وإرجاع سعر صرف الدينار إلى ما قبل عام 2010، وجعل صرفه ثابتاً لا عائماً، وفتح العفو الأمنستي في مجلة الصرف محدداً بوقت، دون سؤال عن مصدر العملة الصعبة، في حال وضع العملة الأجنبية في البنك، وبذلك نحصل على تغطية على احتياطي بقيمة 500 يوم توريد، وبهذا ترتفع قيمة الدينار ونخرج من التضخم وكل المؤشرات الموردة من الخارج، ونتمكن من سداد جميع ديونناً، ونخرج من الحلقة المفرغة التي ندور فيها حالياً.

مؤشرات تحسن

فيما أشاد الصادق جبنون بالتحسن على صعيد الحوكمة وتصنيف الشفافية وفق المعايير الدولية، وطالب بتبسيط الإجراءات والتخفيض في الضرائب، وتوسيع القاعدة الضريبية، مع تطبيق القانون على المخالفين، فلا يمكن مطالبة الموظف بدفع عبء الجباية، في حين بعض رؤوس الأموال لا يدفعون الضرائب ولا يسددون الديون المستحقة للدولة، وهذا ما يعبر عنه بامتيازات الأقلية على حساب الأغلبية، ودعا إلى اعتماد فتح حسابات بالعملة الصعبة حتى نوفر المزيد منها في تونس وحتى لا تبقى أموال السياحة في الخارج.

Exit mobile version