في عام 2030م قد تنخفض موارد المياه المتجددة بنسبة 20%

 يقدم د. رضوان شكر الله، الأستاذ في جامعة ابن زهر بالمغرب، معطيات حول ندرة المياه في الدول العربية والإسلامية، وتأثير التغيرات المناخية على توزيع المياه في العالم.

ويشرح الخبير بالأمن المائي، في حوار مع “المجتمع”، كيف أن الاقتصاديات النامية تسير بسرعة إلى صناعة أكبر، ويتم ذلك في كثير من الحالات بدون التكنولوجيا الحديثة لتوفير المياه ومكافحة التلوث، ويبرز أنه بحلول عام 2030م من المتوقع أن تقلل آثار تغير المناخ من موارد المياه المتجددة بنسبة 20% إضافية بسبب انخفاض هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحار.

كيف يمكن تعريف «الأمن المائي» علمياً؟ 

– يتم تعريف الأمن المائي من قبل الأمم المتحدة على أنه قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات جودة مقبولة للمحافظة على سبل العيش ورفاه الإنسان والتنمية المستدامة؛ الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير الحماية ضد التلوث، والحفاظ على النظم الإيكولوجية في مناخ من السلام والاستقرار السياسي.

كيف تؤثر التغيرات المناخية على توزيع المياه في العالم؟

– من بين أخطر المشكلات في علوم الأرض والسياسة البيئية التي تواجه المجتمع التغيرات المحتملة في دورة مياه الأرض بسبب تغير المناخ.

وتتمثل العواقب الرئيسة لتغير المناخ فيما يتعلق بموارد المياه بالزيادة في درجات الحرارة، والتغيرات في أنماط سقوط الأمطار والغطاء الثلجي، فضلاً عن الزيادة المحتملة في تواتر الفيضانات والجفاف، واعتماداً على معطيات كل منطقة، سيكون لتغير المناخ تأثيرات مختلفة جداً على أنظمة المياه.

ويؤدي تغير المناخ إلى تكثيف هذه الدورة؛ لأنه كلما ازدادت درجة حرارة الهواء؛ تبخر المزيد من الماء في الهواء، ويمكن أن يحتوي الهواء الأكثر دفئاً على مزيد من بخار الماء، الذي يؤدي إلى عواصف مطيرة أكثر كثافة؛ مما يسبب مشكلات كبيرة مثل الفيضانات الشديدة في المجتمعات الساحلية حول العالم.

ويخلص التقرير الفني للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ والمياه إلى أنه على الرغم من الزيادة العالمية في معدل سقوط الأمطار، فإن العديد من المناطق تعاني من مشكلات الجفاف، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ونتيجة لذلك، يقدر التقرير بشأن التكيف مع تغير المناخ أن نحو مليار شخص في المناطق القاحلة قد يواجهون ندرة متزايدة في المياه. 

وأشار تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن التأثير المباشر لتغير المناخ ليس السبب الوحيد الذي يقلقنا بشأن ندرة المياه العذبة في المستقبل؛ ففي الواقع فإن الزيادة في عدد سكان العالم تؤدي إلى ارتفاع الطلب الزراعي؛ وبالتالي زيادة استخدام المياه لأغراض الري، وفي الوقت نفسه، فإن الازدهار المتزايد في بعض البلدان يعني أن المزيد من الناس لديهم أسلوب حياة أكثر كثافة في استخدام المياه، بما في ذلك ري الحدائق وتنظيف السيارات واستخدام الغسالات والحمام.

كما تسير الاقتصاديات النامية بسرعة إلى صناعة أكبر، ويتم ذلك في كثير من الحالات بدون التكنولوجيا الحديثة لتوفير المياه ومكافحة التلوث؛ لذلك يجب النظر في مخاوف تغير المناخ بالاقتران مع إدارة التلوث والطلب على المياه.

كشف تقرير للبنك الدولي عن ندرة في المياه بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، هل يمكن للحكومات المحلية مواجهة هذه الإشكالية؟

– تعد ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحد التحديات الرئيسة التي من المتوقع أن تزداد مع مرور الوقت بسبب العديد من العوامل، بما في ذلك النمو السكاني وانعدام الأمن الغذائي وتغير المناخ، ويعيش نحو 40% من سكان شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالفعل في ظروف ندرة المياه المطلقة، وما بين عامي 2005 و2015م انخفض معدل توافر المياه العذبة سنوياً للفرد في المنطقة بنحو 20%، من حوالي 990 إلى 800 م3.

ويأتي نصف الموارد المائية المتجددة في المنطقة العربية من خارج حدودها في غياب الاتفاقات القانونية لتنظيم تقاسم المياه، كما أن الاستغلال المفرط وتلوث الموارد المائية هما السبب في انخفاض كمية ونوعية المياه، وكذلك تدهور النظم البيئية.

وتؤدي الآثار الطويلة الأجل لتغير المناخ إلى تفاقم الوضع الناشئ عن ندرة المياه المزمنة، وبحلول عام 2030م من المتوقع أن تقلل آثار تغير المناخ من موارد المياه المتجددة بنسبة 20% إضافية؛ بسبب انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحار وزيادة عمليات الترسب في مياه البحر بطبقات المياه الجوفية الساحلية، وتستخدم غالبية موارد المياه في المنطقة لأغراض الزراعة (84%)، بينما تستهلك القطاعات البلدية والصناعية على التوالي حوالي 9% و7% من إجمالي استهلاك المياه.

وهناك حاجة ملحة للدعوة إلى الإدارة المتكاملة لموارد المياه، التي تقوم على المشاركة العامة والتعاون المشترك بين القطاعات، ولحل مشكلات المياه يجب أن يجلس الجميع لمناقشة الأمر؛ ففي كثير من الأحيان يتم اتخاذ القرارات بطريقة مجزأة أو دون الاستماع إلى المستخدمين، بالإضافة إلى ذلك هناك خيارات للمساعدة في حل مشكلات ندرة المياه مثل تحلية ومعالجة المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي.

كثيراً ما نسمع عن ضرورة اللجوء إلى «المياه غير التقليدية» كوسيلة لضمان الأمن المائي، ما هذه المياه؟ وكيف تساهم في هذا الأمر؟

– في مواجهة تزايد المنافسة بين القطاعات على المياه العذبة، تتحول العديد من مناطق ندرة المياه إلى مصادر مائية أخرى، مثل مياه الصرف الصحي المعالَجة، والمياه المالحة للاستخدام الزراعي وغيرها من مصادر المياه، ويتفق العديد من العلماء وصانعي السياسات وأعضاء الجمهور على مساهمة المياه غير التقليدية في الأمن الغذائي، ومن المسلّم به أن هذه المياه يجب أن تدار بشكل جيد لمراعاة الآثار البيئية والمشكلات الاجتماعية.

وقد تم تطوير عدد من التقنيات، بما في ذلك استخدام المياه التقليدية وغير التقليدية (مثل المياه المالحة، والمياه العادمة المعالَجة، والمياه الصناعية، ومياه البحر)، وأصبحت إعادة التدوير وإعادة استخدام المياه العادمة ذات أهمية متزايدة لسببين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هما:

أولاً: غالباً ما تكون مياه الصرف الصحي المعالَجة بشكل جيد مورداً مهماً من الموارد المائية، وغنية بالمواد المغذية لإنتاج المحاصيل.

ثانياً: من الصعب والمكلف بشكل متزايد تصريف مياه الصرف الصحي في المياه السطحية، حيث تصبح متطلبات المعالَجة أكثر صرامة لحماية بيئات الاستقبال مثل الأنهار ومصبات الأنهار والشواطئ.

وينبغي إدماج إعادة استخدام المياه المستعملة المعالجة في الزراعة بإستراتيجية شاملة لإدارة التربة والمياه تأخذ في الاعتبار إمدادات المياه، ونوع تكنولوجيا المعالجة، والاستخدام النهائي، والسياق الاجتماعي والاقتصادي.

وتعمل إعادة استخدام المياه العادمة المعالَجة على تحسين إنتاجية الزراعة في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكنها تتطلب حماية الصحة العامة، وتكنولوجيا العلاج المناسبة، والقبول العام والمشاركة.

ويمكن أن نقوم بتقييم الوضع الحالي فيما يتعلق باستخدام وأهمية المياه العادمة في الزراعة، والنظر عامة في الخيارات التكنولوجية والمؤسسية والسياسات التي يمكن أن تساعد في زيادة فوائدها وفرصها مع الحد من التأثيرات السلبية، المحتملة على الناس والبيئة.

يشهد المغرب بسبب موقعه الجغرافي أوضاعاً مناخية متباينة، وتتفاوت التساقطات المطرية على أراضيه باختلاف الأقاليم والمواسم، كيف يمكن أن يواجه ذلك؟

– يعد توافر المياه في المغرب قضية حاسمة، حيث يبلغ نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة في العديد من أحواض الأنهار بالمغرب أقل من 500 متر مكعب سنوياً، من أجل حل هذه الحالة الحرجة، تدعم العديد من مشاريع الإستراتيجية المغربية لأمن المياه الإدارة الفعالة للموارد المائية واستخدامها.

ويؤدي استمرار استخراج المياه الجوفية بمعدل غير مستدام إلى ندرة المياه على المستويين الوطني والإقليمي؛ فحالة حوض سوس ماسا جنوب المغرب مثلاً، يعاني بالفعل من عجز في المياه يزيد على 260 مليون متر مكعب في السنة، وأدى ذلك إلى أن تعتمد وكالة مستجمعات المياه على موارد المياه غير التقليدية، وخاصة في مجال تحلية المياه، لتلبية الاحتياجات المائية للقطاعات البلدية والصناعية والزراعية، ولإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، ولتكملة المياه الجوفية في القطاع الزراعي.

كيف يمكن للمواطن أن يساهم في تحقيق الأمن المائي؟

– يجب أن تقوم الحكومة وقطاع المياه بإجراء استثمارات كبرى في تقنيات التربية والتكوين بمجال توفير المياه، يصل آثارها مباشرة إلى المواطن وخاصة الناشئة، كما سيكون الاستثمار المستمر في التعليم والبحث العلمي عنصراً أساسياً في توفير المعرفة والمهارات والتكنولوجيا اللازمة لمعالجة ندرة المياه العذبة في المستقبل.

Exit mobile version