أعلام رحلوا في فبراير.. البنا والرشيد والزهاوي

يحتاج العلم إلى قلوب نقية ليتفاعل معها ويدفعها لإحداث تغيير جوهري بين الناس، وهكذا العلماء والمصلحون الذين فهموا معنى دينهم الحقيقي، واستفادوا مما علموا، وانطلقوا لإحداث التغيير الذي أرسى رسول الله صلى الله وسلم قواعده.

وفي هذا الشهر (فبراير)، نلقي الضوء على حياة بعض من رحلوا فيه؛ وفاء لذكراهم وعرفاناً بفضلهم.

حسن البنا.. المُجدّد

في هذا الشهر (فبراير) تحل علينا ذكرى رحيل حسن البنا، الذي رغم مرور 70 عاماً على رحيله، فإن بصماته وفكره ما زالا متوارثين بين الناس، بعدما أحدث جدلاً وزخماً بين العلماء والباحثين؛ لما تركه من أفكار حركية وجدت من يحملها ويتحرك بها بمعظم دول العالم في انتشار أفقي ورأسي بكل مجتمع تحط به رحالها.

ولد حسن أحمد عبدالرحمن البنا في ضحى يوم الأحد 25 شعبان 1324هـ الموافق 14 أكتوبر 1906م، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر.

حرص والده الشيخ عبدالرحمن الساعاتي على غرس روح الرجولة فيه منذ الصغر، كما حرص على أن ينشأ نشأة إسلامية حقيقية؛ فعهد به إلى الشيخ محمد زهران، ليتم على يده حفظ القرآن الكريم.

وضع حسن البنا نُصب عينيه منذ الصغر أن يكون مرشداً ومعلماً، إذا قضى في تعليم الأبناء سحابة النهار ومعظم العام، وقضى الليل في تعليم الآباء أمور دينهم.

حرص على أن يكون مبادراً وإيجابياً في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فألَّف مع بعض أصدقائه جمعية “الأخلاق الأدبية”، وجمعية “منع المحرمات”، قبل أن ينتقل إلى كلية دار العلوم وتزداد غيرته على دينه حتى تكون سبباً في إصدار صحيفة “الفتح” لتدافع عن الإسلام، وبدأ يرتاد المقاهي لينشر فكرته بين روادها.

لقد ترجم حسن البنا كلمات صديقه الأستاذ محمد الشرنوبي الذي قال له: “إن الرجل الصالح يترك أثراً في كل مكان ينزل فيه”، فترك البنا بصمات في كل نفس عرفها، وتعامل معها، وألَّف جماعة اتسع نطاقها في البلاد المختلفة، تدعو إلى الفهم السديد للإسلام وتناهز عنه(1).

اهتم البنا بقضايا وطنه وأمته، فعمد إلى الإصلاح من منطلق إسلامي؛ فغيّر الصورة النمطية للإسلام التي حصرته في المساجد وبين الكتب، حيث جعله إسلاماً حياً وعملياً، وألَّف الرجال الذين جابهوا المستعمر على كل أرض احتلها الغرب، ولم ينسَ فلسطين التي أصبحت من قضاياه المهمة؛ فدفع بالرجال الذين سطروا أروع الأمثلة للمجاهدين في حرب فلسطين عام 1948م.

بعدما أحدث من تغيير وحراك وطني، شهد به الجميع، اجتمعت قوى الاستعمار على ضرورة التخلص من حسن البنا؛ فتم اغتياله في ليلة ظلماء أمام جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس في القاهرة، يوم 12 فبراير 1949م(2).

عبدالعزيز الرشيد.. وتدوين تاريخ الكويت

على كل أرض تركنا علامة             قلاعاً من النور تحمي الكرامة

بهذه المعاني التي حملتها القلوب جيلاً بعد جيل، أخرجت دولة الكويت علماء تركوا بصمات عظيمة، وخلفوا سيراً جليلة بين الناس، وجعلوها تاريخاً يسطره الباحثون، ولا يستطيع أحد أن يتغافله.

وفي مثل هذا الشهر (فبراير)، رحل الشيخ عبدالعزيز بن أحمد الرشيد البداح الذي ولد عام 1301هـ/ 1883م في منطقة الزلفي في السعودية قبل أن يهاجر إلى دولة الكويت بسبب ما حل بهم من قحط.

تلقى الشيخ مبادئ القراءة والكتابة في الكويت، وحفظ القرآن الكريم على يدي الشيخ الملا زكريا الأنصاري، قبل أن ينهل العلم من علماء الإحساء والزبير بالعراق على يدي الشيخ محمود شكري الآلوسي، والشيخ علاء الدين الآلوسي، حيث بحث في مسائل الحجاب ومشروعيته، فحمل على عاتقه الدفاع عنه ومحاربة السفور ودعاته، وقام بتأليف كتابهِ الأول «تحذير المسلمين عن اتباع غير سبيل المؤمنين» عام 1911م(3).

كان الشيخ مولعاً بالسفر، فعمل بالتجارة مع والده، وسافر إلى العراق وإندونيسيا ودول القوقاز وسنغافورة وغيرها.

عاد الشيخ للكويت، وعمل ناظراً للمدرسة المباركية عام 1917م لمدة عامين؛ حيث أدخل بعض المواد في الدراسة مثل الجغرافيا واللغة الإنجليزية التي كانت قد منعت من قبل، لكنه وجد صعوبات في إرجاعها؛ وهو ما دفعه لإنشاء المدرسة الأحمدية عام 1921م وأدخل اللغة الإنجليزية بها.

في عام 1921م اختير في أول مجلس شورى بالكويت، إلا أن اهتمامه انصب على فكرة التدوين؛ فقام بتأليف كتاب “تاريخ الكويت” عام 1926م.

عينه ولي العهد –آنذاك- الشيخ أحمد الجابر الصباح واعظاً في مجلسه العام وأدناه منه، حيث حرص على التعاون مع أرباب نهضة الكويت أمثال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، والشاعر صقر الشبيب.

أصدر أول مجلة في الخليج بدولة الكويت، كان اسمها “مجلة الكويت” وذلك عام 1347هـ/ 1929م، حيث تولى الشيخ يوسف بن علي القناعي أمر المراقبة على المجلة، التي كانت شهرية، وطبعت في البداية بالبصرة، وكانت قريبة من مجلة “المنار” المصرية؛ حيث هدفت إلى نشر الإصلاح والقضاء على التخلف في العالم العربي والإسلامي، وظلت تصدر حتى توقفت لهجرة صاحبها إلى إندونيسيا عام 1349هـ/ 1930م(4).

ما إن وصل إلى جاوة بإندونيسيا حتى أصدر مجلة جديدة بعنوان «الكويتي والعراقي» عام 1931م، وتوقفت في 25 يناير 1933م، وتعرض لمحاولة اغتيال بإندونيسيا.

ظل يتنقل بين الكويت وإندونيسيا ينشر العلم ويحارب التنصير الذي انتشر في إندونيسيا حتى توفي بجاكرتا في 3 ذي الحجة 1356هـ الموافق 3 فبراير 1938م، ودفن في مقبرة العرب.

نهال الزهاوي.. المرأة المجاهدة

في كل عصر تزاحم النساء الرجال في العمل لدين الله سبحانه بما شرعه الله لها من وسائل، وهذا ما جعل نهال الزهاوي تحمل عبء العمل لدين الله سبحانه في وقت انتشرت الشيوعية والرذيلة، وعمد الاستعمار إلى طمس الهوية الإسلامية في المجتمع العراقي، فسخر الله لدينه من يدافع عنه أمثال الشيخ أمجد الزهاوي، الذي حرص على حسن تربية أولاده ليكونوا دعامة قوية بالدفاع عن الإسلام في وطنهم.

ولدت نهال أمجد الزهاوي ببغداد في ديسمبر 1914م، وكانت البنت الوحيدة لوالدها من بين ثلاثة إخوة ذكور، ولأسرة كان العلم نبراساً لها.

حرص والدها على تربيتها التربية الصحيحة، وتلقيها الفهم الواسع للإسلام وهو ما أدركته منذ صغرها، فأخذت تنهل من هذا العلم وهذه التربية التي حرصت على غرسها في أولادها بعد ذلك لتخريج جيل مسلم.

دخلت روضة الأطفال في الموصل عام 1919م قبل أن تتخرج في دار المعلمات ببغداد عام 1930م، لتستكمل تعليمها على يدي والدها(5).

حملت الدعوة على عاتقها منذ أن عاد الأستاذ محمد الصواف إلى العراق، وتشجعت مع غيرها من نساء العراق فأسسن جمعية «الأخت المسلمة» عام 1951م، ولم يكن لهن مقر يجمعهن في البداية، فاتخذن من بيوتهن ومن بيت نهال الزهاوي –خاصة- مراكز تعليمية قبل أن يتخذن مقراً كبيراً لهن.

ساهم الفرع النسائي بزيادة الوعي الإسلامي في أوساط الفتيات من خلال دروسه وأنشطته، ومن خلال ما كانت تكتبه الأخوات في مجلة «الأخوة الإسلامية»، أبرزهن رئيسة الفرع النسائي نهال الزهاوي، وعلى الرغم من المضايقات التي واجهتها من الشيوعيين في العراق، فإنها ظلت صابرة عاملة من أجل دينها(6).

كانت ملاذاً للمحتاجين والضعفاء، ولطلاب العلم الشرعي والإفتاء، وظلت تعمل في جمعية «الأخت المسلمة» حتى كبر سنها، وزاد المرض عليها، لكنها ظلت على اتصال بالجمعية؛ حتى انتقلت إلى جوار ربها في ساعة مبكرة من صباح يوم الخميس 8 محرم الموافق 17 فبراير 2005م.

 

_______

الهوامش

(1) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م، ص 60- 69.

(2) محسن محمد: من قتل حسن البنا، دار الشروق، مصر، 1987م، ص 479 وما بعدها.

(3) يعقوب يوسف الحجي: الشيخ عبدالعزيز الرشيد: سيرة حياته، مركز البحوث والدراسات الكويتية، 1993م، ص 10 وما بعدها.

(4) فؤاد صالح السيد: أعظم الأحداث المعاصرة (1900 – 2014م)، الطبعة الأولى، مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، ص 170.

(5) إخوان ويكي: السيدة نهال الزهاوي،

(6) محسن عبدالحميد: الإخوان المسلمون في العراق (1945م – 2003م)، طـ1، دار المأمون للنشر والتوزيع، 2011م، ص 140.

 

(*) باحث في التاريخ الحديث

 

Exit mobile version