عطاء «أحمد رائف» في الإنتاج الدرامي.. الفن الهادف يبقى

للمفكر الإسلامي الراحل أحمد رائف تأثير حتى الآن على المشهد الثقافي الإسلامي والعربي، حيث أدى دوراً بارزاً في صياغة أدبية فنية ثقافية للتاريخ الإسلامي الأول والحديث، وباتت داره الثقافية المعروفة باسم «دار الزهراء للإعلام العربي» إطلالة على ذلك، وشاركت معه رحلته في الإنتاج الفني والأدبي.

ولد المفكر الإسلامي الكبير أحمد رائف عام 1940م، وحصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ جامعة القاهرة، وعقب تخرجه عمل في شركة القاهرة العامة للمقاولات، ولكنه تعرض للاعتقال التعسفي في الفترة من عام 1965 حتى 1972م.

طرق رائف باب الثقافة والفن مبكراً، وعمل بالتأليف، ويعتبر كتابا «البوابة السوداء»، و»سراديب الشيطان» من أبرز كتب أدب السجون، وبهما كان رائف من أوائل الكتَّاب الإسلاميين الذين كتبوا عن تجربة المعتقلين خاصة من الإخوان في سجون الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر.

واتخذ رائف «دار الزهراء للإعلام العربي» منبراً له، وأصدر عبرها عشرات الكتب الإسلامية عن الحركات الإسلامية، وعن العلاقة بين الشيعة والسُّنة، وكذلك عن زوجات النبي، والصحابة والتاريخ الإسلامي في الأندلس.

ومن أبرز مؤلفاته: «البوابة السوداء»، «سراديب الشيطان»، «البعد الخامس»، «ناصر 67 سنوات القهر والهزيمة»، «جمال الدين الأفغاني»، «وتذكروا من الأندلس الإبادة»، «مستقبل الإسلام في روسيا وما وراء النهر»، «الخلافة من السقيفة إلى كربلاء».

كما أسس رائف شركة إنتاج تلفزيوني وسينمائي، وأنتج عدة مسلسلات، منها: «جمال الدين الأفغاني»، «جوهرة القصر»، «الطريق إلى القدس»، «بعثة الشهداء»، وفيما كان يستعد لإنتاج فيلم خاص عن حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حالت وفاته في 27 يناير 2011م دون ذلك، وكان انتهى من كتابته تقريباً قبل أيام من مرضه الأخير الذي وافته فيه المنية.

وتوفي الراحل يوم الخميس الموافق 27 يناير 2011م بعد معاناة مع المرض عن عمر  ناهز 70عاماً، وشُيّعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بالقاهرة بحضور عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم المرشد السابق الراحل محمد مهدي عاكف، فيما أصدر المتحدث الإعلامي للإخوان وقتها والمعتقل حالياً د. عصام العريان، بيان عزاء وصفه فيه بأنه «واحد من أهم أدباء وكتَّاب محنة سجون الستينيات وما بعدها»، مضيفاً «أنه رغم اختلاف رائف مع الإخوان في كثير من السياسات وانتقاداته للجماعة، فإنهم يدعون الله أن يتغمده برحمته، وأننا فقدناه في مرحلة عصيبة وكان البلد في حاجة لمثل كتاباته وخبرته في توثيق هذه الأحداث من خلال الأدب والكتابة». 

تجربة مميزة وثرية

الأديب والناقد الإسلامي وأستاذ الأدب الحديث والمقارن بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا د. علاء حسني، عاصر التجربة وكان له بها اهتمام خاص، يرى في حديث لـ»المجتمع» أن الراحل كان صاحب حبكة درامية، ظهرت بواكير موهبته في كتابه الأبرز «البوابة السوداء»، ثم أينعت ثمارها بإنتاجه الفني في «الطريق إلى القدس»، و»جمال الدين الأفغاني»، وما تلاهما.

وأضاف أن رائف كان صاحب قلم أديب، وحرص على تجربة فنية هادفة، وهو ما ظهر جلياً في مسلسل “الأفغاني”، حيث استطاع إبراز معالم حياة المجاهد الإسلامي، وحفلت بإسقاطات مهمة في وقتها على الواقع العربي والإسلامي، ولكن للأسف كان يحتاج لمزيد من الدعم والمساندة لاستمرار تجربته الفنية التي لو كتب لها الاستمرار لكانت ذات شأن الآن، موضحاً أن داره سلكت خطاً مميزاً في الإنتاج الفني والنشر، وتوقفها خسارة كبيرة.

المخرج والناقد الفني عز الدين دويدار ثمن تجربة الراحل الثرية، ووصفه بأنه شخصية نادرة توازي المفكر الراحل سيد قطب ولكن في مجال الأدب والفن، حيث يعتبر أحد الأعمدة الإسلامية البارزة في هذا المجال وهذه الثغرة التي تحتاج لكل جهد في هذه المرحلة من الإسلاميين على وجه التحديد.

وقال في تصريح لـ”المجتمع”: إن الراحل يمتلك أسلوباً أدبياً راقياً ومرهف الحس إلى درجة ملهمة، وذو حرفية في صياغة الحروف بلغت مجدها في كتابه “البوابة السوداء”، وذو حرفية أخرى في اللغة البصرية والتجسيد الفني المبدع حيث ظهرت بوضوح في مسلسله البارز “جمال الدين الأفغاني”.

وأضاف دويدار أن دار الراحل “الزهراء للإعلام العربي” كانت جهد المقل المحب للإبداع والفن، ولو كان موجوداً في زمن آخر في مناخ مختلف تتبنى فيه الحركة الإسلامية خطاً فنياً واضحاً وقدرة على الإنتاج مع صناعة كوادر، لكان أحمد رائف الأكثر إنتاجاً وإبداعاً في المشهد الفني خاصة التاريخي منه، ولأثرى المكتبة الفنية بالمزيد، ولكن الواقع لم يعط له، فكان ومازال موهبة نادرة وفذة ولكنه جاء في غير زمانه.

الفنان المصري الكبير محمود ياسين، بدوره، أكد في تصريحات صحفية في وقت سابق(1)، أن رائف هو أفضل من كتب في الدراما التاريخية، وشارك في أعماله جميع فناني مصر من مختلف الأجيال، موضحاً أن للإخوان دائماً أعمالاً فنية على الساحة، وأنه شخصياً عمل معهم عبر أحمد رائف في أعمال تاريخية ودينية اعتبرها من أعظم أعماله الإبداعية.

وأضاف أن أحمد رائف معروف بوعيه ومصداقيته في كل ما كتب، وهو ما دفعه للمشاركة معه في عدد من المسلسلات، وهي: “الطريق إلى القدس”، و”جمال الدين الأفغاني”، ومسلسل “جوهرة القصر”، ومسلسل “بعثة الشهداء”.

إطلالة على إبداعه

وكان الفنان محمود ياسين أيقونة بارزة وقاسماً مشتركاً في مسلسلات الراحل أحمد رائف، الذي اعتبرها الفنان المصري الكبير المعتزل حالياً من أهم الأعمال الفنية التاريخية في الوطن العربي، وهي:

«جمال الدين الافغاني»: من أبرز المسلسلات التاريخية(2)، من تأليف أحمد رائف، وإخراج جلال غنيم، وقام ببطولته الفنان المصري محمود ياسين، ولم يُعرض في التلفزيون المصري وقتها بأمر من وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف.

المسلسل تاريخي إسلامي يتطرق لحياة جمال الدين الأفغاني ومواقفه وطريقة تعامله مع معطيات الدعوة حتى وفاته مروراً بما قدمه للإسلام والمسلمين، وبث لأول مرة في العام 1984م، وشارك في التمثيل الفنانون المصريون أشرف عبدالغفور، وتيسير فهمي، ومحمد السبع، وإيمان الطوخي، وهناء ثروت.

«الطريق إلى القدس»(3): يعتبر من أهم الأعمال الدرامية التي تعبر عن قضية القدس وتاريخها، من تأليف أحمد رائف، وإخراج أحمد توفيق.

وقدم المسلسل، بحسب بطله الفنان المصري محمود ياسين، في جميع التلفزيونات العربية والمحطات الفضائية، وتعرض للمنع في التلفزيون المصري.

«بعثة الشهداء»(4): من أبزر المسلسلات التاريخية، وتدور أحداثه حول 6 شخصيات من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أرسلهم في مهام للدعوة.

القصة التلفزيونية والسيناريو والحوار كانت من إبداع أحمد رائف، وأخرجه المخرج جلال غنيم، وتم التصوير بأستوديوهات عجمان بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1981م. 

وشارك في البطولة والتمثيل الفنانون: محمود ياسين، محمود المليجي، مديحة حمدي، محمد وفيق، جلال الشرقاوي.

«جوهرة القصر»(5): أحد المسلسلات البارزة التي ألفها أحمد رائف، ومن إخراج عبدالله الشيخ، وشارك في البطولة والتمثيل الفنانون المصريون: محمود ياسين، إنعام الجريتلي، أنور إسماعيل، عايدة حسن إسماعيل.

وهو عن سيرة خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز، ولم يتم عرضه(6) على التلفزيون المصري حتى بعد قيام التلفزيون بإنتاج مسلسل «عمر بن عبدالعزيز» الذي مثله الفنان المصري الراحل نور الشريف، رغم أن المسلسل عرض في معظم تلفزيونات العالم العربي وحقق نجاحاً كبيراً.

ورغم رحيل المفكر الإسلامي الكبير أحمد رائف، وتأثر داره التي في حوزة ابنه أشرف بمتغيرات سوق الكتب، فإنه يبقى علامة بارزة في تاريخ الفن الهادف وترجماناً فنياً مبدعاً للتاريخ الإسلامي الأول والحديث.

 

______

الهوامش:

(1) حوار مع مجلة «روزا اليوسف» المصرية في 23 يناير 2012م – الرابط للموضوع منقول من موقع «الحق والضلال» القبطي https://www.christian-dogma.com/t60644

(2) لمطالعة الحلقة الأخيرة من المسلسل يمكنك الدخول عبر هذا الرابط:

(3) تصريح لبطل المسلسل الفنان محمود ياسين في موقع “اليوم” https://www.alyaum.com/articles/882900/

(4) المعلومات طبقاً لموقع “السينما.كوم” المتخصص في الشأن الفني

https://www.elcinema.com/work/2004611/

(5) المعلومات طبقاً لموقع “السينما.كوم” المتخصص في الشأن الفني

https://www.elcinema.com/work/2034761/

(6) تصريح لبطل المسلسل الفنان المصري محمود ياسين على موقع “اليوم”

https://www.alyaum.com/articles/882900

Exit mobile version