الاقتصاد المصري.. وداعاً لعام صعب وتوقعات بعام أصعب

مؤشرات اقتصادية جديدة تتحدث عن زيادة الأعباء المعيشية على المصريين في العام المقبل، بعد عام صعب اقتصادياً، على السلطة والمواطن، اضطرا فيه الاثنان إلى التماهي معه حتى حين، ولكن مع اختلاف النتائج، حيث لا يزال المواطن يشعر بالأزمة الاقتصادية وفق تقديرات اقتصادية مستقلة، بينما أعلنت الحكومة أن الأمور على ما يرام.

مشكلات تتمدد

الخبير الاقتصادي المصري د. عبدالحافظ الصاوي يرى، في حديث لـ”المجتمع”، أن الاقتصاد المصري يعاني من مشكلات هيكلية، وما يتم من تجميل بعض الأرقام والمؤشرات ليس في صالح المجتمع المصري، بمعايير اقتصادية بحتة، حيث ما زال الناتج المحلي الإجمالي لمصر يتسم بالضآلة من حيث الكم، ويعتمد بشكل رئيس على الجوانب الريعية والخدمية، بينما تحتاج دولة محورية مثل مصر إلى اقتصاد إنتاجي، يمكنها من توفير احتياجاتها الإستراتيجية من غذاء وصناعات عبر المنتج المحلي.

وأضاف أن حديث المؤشرات المالية والنقدية قد تكرر في مصر من قبل في تجربة الإصلاح الاقتصادي مطلع تسعينيات القرن الماضي فضلاً عن أن بنية هذه المؤشرات محل نظر مثل ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، فهو يعتمد على الديون ولا يعتمد على الموارد الذاتية.

وأوضح أن المشروعات المعلن عنها التي تطبق عن طريق الحكومة مثل العاصمة الإدارية أو المشروعات العقارية لن تؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية لأنها مجرد استهلاك للسيولة المحدودة في مشروعات طويلة الأجل.

وأشار د. الصاوي إلى أنه من نتائج السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تطبق في مصر خلال الفترة الماضية تمثلت في مزيد من التبعية عبر استيراد كل شيء ما أدى إلى ارتفاع معدلات الدين العام من خلال زيادة الديون المحلية والأجنبية.

وحول توقعاته للاقتصاد المصري في العام 2019م، قال: سيكون هناك مزيد من الأعباء المعيشية في ظل التزام الحكومة بتطبيق باقي مكونات برنامج صندوق النقد الدولي خاصة أن البرنامج سينتهي في نوفمبر 2019م، وبالتالي لا بد لمصر من التحرير الكامل للوقود خلال 2019م، كما توقع أن تدخل مصر في برنامج جديد مع صندوق النقد نهاية عام 2019م، لأن الفجوة التمويلية بالموازنة العامة للدولة اقتربت من 40 مليار دولار منها نحو 28 مليار يتم تدبيرها من الداخل ونحو 12 مليار عبر الدين الخارجي.

ويرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن الاقتصاد في مصر في العام 2018م دار في دائرة مفرغة من المؤشرات المالية والنقدية التي لا تؤدي إلى تغير إيجابي في الناتج المحلي لمصر، وهو ما أدى إلى أن تتصاعد مشكلات الداخلين الجدد لسوق العمل، وزيادة أعداد العاطلين، والاعتماد على الخارج، وتضرر الأسر المصرية بشكل بات واضحاً ويرصده بقدر كبير رجل الشارع العادي.

ويتوقع الطاهر أن يشهد عام 2019م هجمة جديدة على الفقراء في مصر ومن تبقى في مستوى الطبقة المتوسطة، عبر التوسع الحكومي في خصخصة الخدمات العامة والانسياق وراء معايير صندوق النقد الدولي التدميرية، وزيادة الأعباء الاجتماعية على الشرائح الفقيرة بشكل أكبر مما هي عليه ما يؤدي إلى ضغوط أكبر على المجتمع في وقت تزايدت عليه الضغوط من كل جانب.

“كله تمام”

رسمياً، ترى السلطات المصرية أن الأمور كانت على ما يرام اقتصادياً في العام 2018م، وبحسب الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء المصري على “فيسبوك”، أمس الثلاثاء 18 ديسمبر، فإن مؤشرات الاقتصاد المصري لعام 2018م، إيجابية مقارنة بالعام الماضي.

وزعم إنفوجرافيك رسمي انخفاض معدلات البطالة في عام 2018م، مع ارتفاع الاحتياطي النقدي، وانخفاض عجز الموازنة، وارتفاع معدلات النمو وانخفاض معدل التضخم، وارتفاع عائدات قناة السويس، وارتفاع إيرادات السياحة، وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وارتفاع حصيلة الصادرات البترولية وغير البترولية.

وقال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: إن المؤسسات الدولية الثلاث كانت تضع مصر في تصنيف ائتماني “ضعيف”، خلال عام 2014م، تحسنت تقديراتهم في العام الجاري، مع نظرة مستقبلية إيجابية مستقرة للاقتصاد المصري.

أعباء متزايدة

لكن وفقاً لإحصائيات غير رسمية شهد العجز بالموازنة العامة المصرية من حيث القيمة تزايداً مستمراً، إذ بلغت قيمته في موازنة 2018/ 2019م نحو 437 مليار جنيه، وأصبحت الفجوة التمويلية لهذا العام في حدود 24 مليار دولار، وبحسب تصريحات وزير المالية السابق عمرو الجارجي، فإن مصر عازمة على اقتراض نحو من 10 – 12 مليار دولار من الخارج خلال 2018/ 2019م، مع تدبير باقي الفجوة التمويلية من الاقتراض المحلي.

ومنذ توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، قفز الدين الخارجي لمصر من 67 مليار دولار بنهاية 2016 إلى نحو 100 مليار دولار بنهاية مايو 2018، فيما ارتفع معدل التضخم وتجاوز سقف 35% في يوليو 2017م، فضلًا عن استثمارات للأجانب في الدين العام المحلي قدرت بنحو 23 مليار دولار بالتزامن مع زيادة الإيرادات الضريبية وتخفيض الدعم، وزيادة أسعار ورسوم كافة السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة.

ورفضت السلطات المصرية الإعلان عن هذا العام عن نسبة الفقر الجديدة في مصر، على الرغم من مرور ثلاث سنوات على آخر إحصاء رسمي للفقر الذي بلغ وقتها 27.8%؛ ما يعني وجود 30 مليون فقير، واكتفى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، في 17 أكتوبر الماضي بالتأكيد أن الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في مصر تستهدف تخفيض نسبة الفقر بجميع أبعاده إلى النصف بحلول عام 2020م، والقضاء على الفقر نهائياً بحلول عام 2030م.

هذه الإجراءات دفعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في بيان رسمي في 12 ديسمبر الجاري، إلى الإشادة بالشعب المصري لتحمله ما أسماه “أعباء الإصلاح الاقتصادي الجريء”، مؤكداً أهمية عدم فصل الواقع الاقتصادي المصري عن التطورات الجارية على الساحة الدولية، فيما لم يحدد البيان المقصود بالتطورات وعلاقتها بالاقتصاد المصري.

Exit mobile version