تونس: 900 ألف تلميذ رهينة الخلاف بين “التربية” ونقابة التعليم الثانوي

لا يزال الرأي العام في تونس منشغلاً بالأزمة القائمة حالياً في مرفق التربية، بين وزارة الإشراف، والنقابة العامة للتعليم الثانوي، حيث يجد التلاميذ والأولياء أنفسهم ضحايا هذا الخلاف القديم المتجدد مع كل سنة دراسية، وهو ما جعل مستقبل ما يزيد على 900 ألف تلميذ في كف المجهول، والمدرسة العمومية في دائرة التهديد، ومعرضة للانهيار، مع ازدياد حدة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وازدياد مخاطر الانحراف على أكثر من صعيد.

موقف نقابة التعليم الثانوي

وقال كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي لـ”المجتمع”: إن وزير التربية يدفع إلى مزيد التصعيد، وإذا لم تصدر أي قرارات لوزير التربية في اتجاه تحقيق مطالب الأساتذة سندخل في مرحلة حساسة، وبخصوص وعيد وزير التربية بتطبيق قانون الخصم من رواتب الأساتذة، رد اليعقوبي بأنه تصعيد خطير سيواجه بكل صرامة، وبالتالي فنحن نتوجه إلى رئيس الحكومة بالأخذ على يد وزير التربية وعدم تركه يدفع باتجاه المساس برواتب الأساتذة، وإذا ما صدرت قرارات لوزير التربية في هذا الاتجاه فأعتقد بأننا سندخل مرحلة حساسة وخطيرة في علاقة بهذا الملف، ونحن جاهزون لانتفاضة “الميادع البيضاء”، ولا خطوط حمراء في العلاقة مع رواتب المدرسين.

وحول استخدام مستقبل التلاميذ كأداة للضغط على وزارة التربية، وتحقيق مطالب الزيادات في الأجور والمنح، وهو ما سبب قلقاً متزايداً لدى الأولياء والمتابعين القلقين بدورهم على مستقبل المرافق العمومية ولا سيما التعليم، ذكر اليعقوبي بأن الأساتذة أولياء في المحصلة النهائية، ويشعرون بآلام الأولياء وقلق التلامذة، ولدينا نفس التخوفات ونفس القلق، لكن الأمور ليست بأيدينا، وإنما بيد وزارة التربية، والحكومة من ورائها، ونحن أعطينا الوقت الكافي للوزارة ودخلنا في مفاوضات، وأعطينا المفاوضات أكثر مما تستحق من وقت، ونحن ندعو الأولياء والتلامذة للتمييز بين من يريد المحافظة على التلامذة داخل المعاهد ويواصلون الدراسة بشكل عادي وسلس ومتواصل إلى حين يتم الاتفاق على جملة القضايا المطروحة للتفاوض وبعدها استئناف الامتحانات، وبين من يدفع للتصعيد ويرمي بأبنائنا في الشارع.

وأردف قائلاً: لا مصلحة لأحد فيما نراه ونلاحظه اليوم، وهو أن أبناءنا خارج مقاعد الدراسة، يتعرضون لكل أنواع المخاطر، فالمحيط به كل الآفات، ومع ذلك لا يتورع وزير التربية عن دفع التلامذة للخروج لذلك المحيط والتعرض للأخطار التي يعرفها الجميع، فالنقابة العامة تبحث عن حلول، ووزير التربية يتسلّط ويهدد بقرارات تصعيدية.

ونفى اليعقوبي بشدة إمكانية خفض سقف المطالب، ولن يكون هناك تخفيض لسقف المطالب بل العكس، فصوت المدرسين يعلو أكثر ويعتبرون مطالبهم صغيرة الحجم ويستعدون لرفع النسق النضالي لتحقيق سقف المطالب، وبخصوص المرحلة القادمة أكد أن المرحلة القادمة ستكون بمضمون يتناسب ويتناغم مع طموحات المدرسين.

موقف وزارة التربية

وقال مستشار وزير التربية الهادي خليفة لـ”المجتمع”: وفرنا كل شروط اجتياز الامتحانات، والإضراب مسؤولة عنه الجهات التي تخوضه، وبالتالي فإن وزارة التربية في حل من كل التداعيات الناجمة عن مقاطعة النقابة العامة للتعليم الثانوي للامتحانات.

وكان وزير التربية حاتم بن سالم اتهم خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة ميزانية وزارته أطرافاً لها غايات سياسية على حد قوله، بالسعي لتعميق الأزمة بين المربين والوزارة، مؤكداً أنه سيتصل برئيس الحكومة وأمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل وممثلي النقابات لإنقاذ الامتحانات، وهو ما نفاه اليعقوبي، وهدد بأنه إذا لم نتفق سأجد نفسي مضطراً لتطبيق القانون سواء قبلت النقابة أو لم تقبل.

وأشار ابن سالم إلى وجود إشكال يتعلّق بمطلبين من بين الطلبات الـ10 للجامعة العامة للتعليم الثانوي، أولهما يتعلق بالمنحة الخصوصية للأساتذة التي لا تعد من مشمولات الوزارة وقد قبلها وزير التربية في عام 2015 ولكن الجامعة العامة تطالب بمضاعفتها الأمر الذي رفضته وزارة المالية، وفق تعبيره.

وعاد وزير التربية إلى لغة الحوار، وندد بمحاولات بعض الأولياء والتلاميذ الاعتداء على الأساتذة وتشويههم، ودعا إلى احترام رمزية المربي وكرامته، وأكد أن مطالب نقابة الثانوي مشروعة لكن إمكانيات الدولة لا تسمح للاستجابة لها كلها، على حد تعبيره، وأشار إلى أنه يتفهم مطلب التقاعد في سن 57 سنة؛ لأن الأستاذ يشعر بإرهاق وتراكم المتاعب لفترة 32 سنة باعتبار مشقة مهنة التدريس، لذلك اقترح مثلاً إدخال الأساتذة في هذه السن إلى المتابعة البيداغوجية والتكوين، ودعا وزير التربية إلى التفاوض لإيجاد حل، وأن تستكمل الامتحانات الأسبوع المقبل من أجل مصلحة التلاميذ وأن يكون الإصلاح بعد العطلة.

وكان مجلس نواب الشعب قد صادق في وقت سابق على ميزانية وزارة التربية المقدرة بحوالي 5550 مليون دينار بموافقة 106 نواب مقابل 6 محتفظين و13 رافضين.

الأولياء قلقون

بدوره، عبّر رضا الزهروني، رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، عن قلق الأولياء من الصدام الحاصل بين وزارة التربية والنقابة العامة للتعليم الثانوي، وقال: كلما حدث إشكال بين النقابة العامة للتعليم الثانوي ووزارة التربية، إلا ويحشر أبناؤنا في ملف لا علاقة لهم به، وتابع: نحن دعوناهم وندعوهم لإبعاد أبنائنا عن صراعاتهم وخلافاتهم، وترحيله خارج الزمن المدرسي.

وحول تكرر هذه الحالة، أفاد بأن التلامذة والأولياء والرأي العام في تونس عاش وضعية غير مسبوقة، حيث وجد أبناؤنا أنفسهم غير قادرين على أداء الامتحانات بما هو خارج عن إرادتهم وفرض عليهم من الأطراف الأخرى ذات العلاقة، وأكد أن أداء الامتحانات في وقتها مهم للغاية وضروري لتقييم أداء التلميذ ومدى استيعابه لما تلقاه، ولا يمكن ترحيل زمن الامتحانات لوقت آخر أو جمعها مع الامتحانات القادمة، وأردف: التلميذ يحتاج لمعرفة المواد التي استوعبها والأخرى التي فيها إشكالات من خلال نتائج الامتحان ليواصل الصحيح ويتدارك النقص، وواصل: اليوم يجد التلميذ نفسه في حالة غير معهودة بتاتاً، والأولياء في حالة هيستيرية.

كلفة باهظة

وأشار إلى أن مستقبل ملف التعليم غير واضح، لا للتلاميذ، ولا للأولياء، ولا للرأي العام الوطني، وهذا يمس من الحقوق الأساسية لأبنائنا، وشدد على حق التلامذة في التعليم وفي الاستقرار الذهني، وحقهم في احترام الرزنامة التي تم الاتفاق عليها، وحقهم في الراحة النفسية والمعنوية وتأدية امتحاناتهم وهم مرتاحو البال في العطلة القادمة، وبذلك يستعدون للثلاثي الثاني، على حد قوله.

وعلّق قائلاً: نحن لسنا مرتاحين في الثلاثي الأول ولا الثلاثي الثاني ولا ندري، ما هو مستقبل السنة الدراسية برمتها، ودعا وزارة التربية والنقابة العامة للتعليم الثانوي مجدداً لحل خلافاتهم خارج ساحة التلامذة والأولياء، قائلاً: هذه مشكلاتهم وليست مشكلاتنا، وأوضح بأن الأولياء والتلاميذ لا يريدون أن يكونوا ورقة ضغط طرف على طرف آخر، فنحن لا ناقة لنا ولا جمل في الموضوع سوى كوننا ضحايا خلافاتهم وحسب.

وتساءل: كيف للمسؤول أن ينام ويشعر براحة الضمير و900 ألف تلميذ في الشارع خارج أقسام الدراسة، وتساءل مرة أخرى: هل نحتاج للحرق وتعطيل وسائل الإنتاج وسد الطرقات ليسمع المسؤول عما يجري كلامنا، وواصل، نحن في حيرة من أمرنا قلقون على أبنائنا ووطننا ومستقبل أجيالنا.

ووصف وضع التعليم في تونس بالكارثة، بأتم ما تعني الكلمة، فمستوى النجاح ومستوى الانقطاع المبكر عن الدراسة ومستوى النتائج، فنسبة الناجحين لا تتجاوز 20%، الاكتظاظ حالات العنف، تعاطي المخدرات فضلاً عن التدخين، علاقة الإطار التربوي بالأولياء كلها كارثية ولا يوجد أي مؤشر يبعث على الارتياح، إذاً -الكلام للزهروني- المدرسة العمومية تعيش وضعية حرجة للغاية، وما الخلاف بين الوزارة والنقابة إلا أحد مظاهرها، والتربية فقدت معناها الحقيقي، والدروس الخصوصية، هي مدارس خاصة في بعض تفاصيلها، وحجم الأموال التي تدفعها العائلات تناهز الألف مليار، وهي كلفة باهظة تقارب نحو 50 ألف أستاذ.

Exit mobile version