احتجاجات “السترات الصفراء” تطالب برحيل ماكرون

بدأ الفصل الرابع في الاحتجاجات الأسبوعية لـ”السترات الصفراء”، يوم السبت، في باريس وسط خلفية مألوفة من الغازات المسيلة للدموع والهتافات لكنها جلبت مزيداً من الوضوح بشأن اتجاه الغضب مباشرة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون.

ما بدأ كمعارضة لضريبة الكربون المصممة لكبح تغير المناخ تحول إلى ثورة للطبقة العاملة ضد ماكرون، الذي يواجه الآن أول اختبار رئيس لرئاسته وتراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

الحشود، أمس السبت، عدة آلاف من المتظاهرين، بدت أصغر مما كانت عليه في الأسابيع الماضية.

لكن التركيز المتزايد على ماكرون وصوره النخبوية يشيران إلى انقسامات عميقة في فرنسا تتجاوز حدود الاحتجاجات، ويمكن أن تصبح سمات مميزة للمعارضة مع تراجع شعبية ماكرون.

وترددت في المظاهرات هتافات “استقل ماكرون” على طول الشانزليزيه الكبير، أمس السبت، حيث وصفه المحتجون بأنه “رئيس للأغنياء” الذين تجاهلوا المناطق المتعثرة في أنحاء البلاد.

واللافت للنظر أن بعض هؤلاء الموجودين في الحشد كانوا قد دعموا حملة ماكرون غير المرغوب فيها عام 2017، لكنهم يقولون: إنهم يشعرون بأنهم تعرضوا للخيانة بسبب أجندة ماكرون المهتمة فقط بحماية المصالح الاقتصادية للنخبة.

وفي بلجيكا المجاورة، تبنت احتجاجات مناهضة للحكومة نفس الزي الرسمي الأصفر أمس السبت خلال المواجهات مع شرطة مكافحة الشغب بالقرب من مقر الاتحاد الأوروبي، وذكرت وكالة “رويترز” للأنباء أن أكثر من 400 شخص اعتقلوا.

في الأسبوع الماضي في باريس، وصلت الاحتجاجات إلى مستوى من العنف لم يسبق له مثيل منذ انتفاضات الطلاب في عام 1968، حيث قام المشاركون بتدمير نوافذ المتاجر في أنحاء العاصمة وتخريب المعالم الوطنية، ولا سيما قوس النصر، وهو رمز دائم للجمهورية الفرنسية.

وأمس السبت، منعت الشرطة الوصول للنصب التذكاري في الجزء العلوي من الشانزليزيه لتجنب تكرار ما حدث في الأسبوع الماضي، عندما قام المتظاهرون بتحطيم أجزاء من القوس والرسم الجرافيتي على جدرانه الجيرية الرمادية.

ونشرت الحكومة 89 ألفاً من قوات الشرطة في جميع أنحاء البلاد، 8 منهم في باريس فقط.

ولم تظهر الاحتجاجات في الشانزليزيه مستويات من العنف الشديد الذي وقع في الأسبوع السابق، على الرغم من استخدام شرطة مكافحة الشغب للغاز المسيل للدموع لتفريق حشود كبيرة من المتظاهرين، وامتدت الاضطرابات إلى مناطق أخرى، لكن الاعتقالات وصلت لمستوى قياسي؛ فأعلنت مقاطعة باريس بحلول منتصف الظهيرة أن السلطات احتجزت أكثر من 670 شخصًا، وبذلك يصل مجموع من تم القبض عليهم أكثر من 1380 شخصاً في جميع أنحاء فرنسا.

ارحل يا ماكرون

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الحركة -التي تم أخذ اسمها من “السترات الصفراء” ذات العلامات التجارية المرتفعة التي يرتديها المتظاهرون- بمثابة غضب اجتماعي عميق الجذور له علاقة شخصية بشخصية ماكرون أكثر من ارتباطه بأي سياسة معينة.

فمعظم المتظاهرين يميلون لأن يكونوا من البيض والعديد منهم من المحافظات، وهم يتقاسمون القلق حول انخفاض القوة الشرائية لديهم وما يرون من أسلوب ماكرون المنمق.

وعلى عكس الولايات المتحدة، توفر فرنسا لمواطنيها كمية سخية من الخدمات الاجتماعية، ولكن متوسط ​​الراتب الوطني حوالي 20250 يورو (23350 دولارًا) مع دفع رسوم إضافية في بعض الأحيان، وفقًا لأحدث الإحصاءات، وبرغم أن النظام الصحي في البلاد، على سبيل المثال، مجانيًا إلى حد كبير، فإن المواطن العادي لا يتمتع بمستوى مرتفع من الدخل المتاح.

وبالرغم من أن متوسط ​​الدخل الشخصي في الولايات المتحدة أعلى بقليل، ولكنه بدون تلك الفوائد الكاسحة.

وقد تم تصوير ماكرون بشكل متكرر على أنه لا يحس بالذين يعانون من الاقتصاد الفرنسي، وكانت أحد أوامره الأولى خفض ضريبة الثروة الفرنسية الشهيرة، وتقديم ضريبة ثابتة على مكاسب رأس المال.

وقد جعلت إعادة هيكلة العمل من السهل على بعض الشركات توظيف الموظفين وفصلهم، وذلك إلى حد كبير من أجل التيسير علي الاقتصاد الذي لا تزال البطالة فيه مرتفعة نسبياً، كما أنه وضع نصب عينيه الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.

غضب وغصة

كانت سيفرين فوشير (43 عاماً) تقف مع ابنها البالغ من العمر عشر سنوات في الشانزليزيه أمام متجر لويس فويتون الكهفي الذي غطيت نوافذه الزجاجية الشفافة بطبقة واقية من شبك الصلب، بعض من المحافظ الشهيرة المطبوعة لا تزال مرئية في الداخل، ساعدت ابنها بقناع غاز عندما أطلقت الشرطة دفعة مبكرة من الغاز المسيل للدموع على الجانب الآخر من الشارع.

وقالت: لم نعد نمتلك ثمار عملنا، مشيرة إلى أنها وزوجها، وهما من بريتاني، يكسبان 2000 يورو (2276 دولارًا) شهريًا لدعم عائلة مكونة من خمسة أفراد، كلاهما لديه وظائف تتطلب ما لا يقل عن 55 ساعة من العمل في الأسبوع، وهي تعمل كمساعدة طبية في دار للتقاعد.

أنا عمري 43 سنة، وهذه هي المرة الثانية فقط في حياتي التي أري فيها باريس، لكننا أردنا أن نكون هنا، قالت، مشيرة إلى أنها قد أتت من على بعد 500 كيلومتر من أقصى غرب فرنسا.

وعندما سُئلت عما إذا كانت تخشى على سلامة ابنها، هزت رأسها: “إذا كان الأمر سيئًا حقًا، فسوف نبعده”.

وقالت كورين ليتوندور (55 عاماً)، وهي مصرفية استثمارية سابقة، أن ماكرون أهان حياة العمال مرات عديدة.

وقالت: إنه مهتم بالأثرياء فقط، مشيرة إلى أنها كانت ضابطة شرطة خارج الخدمة في منطقة باريس؛ “بالنسبة للصغار، لا يقوم بشيء، إنه ليس رئيسًا يريد أن يفعل أي شيء لنا”.

وقالت: إنها صوتت لصالح المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية عام 2017 وسوف تفعل ذلك مرة أخرى.

ولكن لم يكن هذا هو المظهر السياسي لكل من تجمعوا في الشانزليزيه أمس السبت.

رئيس متغطرس

وقالت كاثرين فان ميكل (66 عاماً)، وهي كاتبة متقاعدة في متجر جاليري لافاييت في باريس: إنها صوتت بفخر لصالح تحالف ماكرون في عام 2017، وقالت: ولكنني أشعر بالخداع الحقيقي، وهي تقف إلى الخلف، بعيداً عن الحشود المتهالكة.

وأضافت أن ماكرون يتميز بغطرسة حقيقية.. لم أرَ قط رئيساً مثله.

وكما كان الحال في العديد من مسيرات سترة الصفراء السابقة، كان الحشد في باريس يوم السبت أبيض بشكل كبير، على الرغم من أن المجتمعات الريفية والإقليمية في فرنسا أقل تنوعاً بكثير من المدن، فإن العديد من مجتمعات الأقليات يعانون أيضاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، لكنهم لم يشاهدوا كثيراً في المظاهرات الأخيرة.

وقد أدت الاحتجاجات الصاعدة الصفراء إلى إجراء مقارنات فورية مع احتجاجات أكبر في أكتوبر ونوفمبر 2005، عندما احتج العديد من المواطنين الفرنسيين الشباب من أصول شمال أفريقية وأفريقية على ما اعتبروه وحشية رجال شرطة بدافع عنصري في ضواحي باريس وأماكن أخرى، على الرغم من أن أعمال الشغب تلك لم تكن في وسط باريس، فإنها شهدت المزيد من العنف والاعتقالات والاستجابة الحكومية القوية، بما في ذلك “حالة الطوارئ” الرسمية.

“وقد كانت هناك احتجاجات عام 2005، ولكن في الواقع لم يهتم أحد”، قالت روكيا ديالو، وهي صانعة أفلام وناشطة فرنسية بارزة مطالبة بالمساواة العرقية والمساواة بين الجنسين.

وقالت ديالو: أعتقد أن الناس من الضواحي لا يشعرون أنهم سيسمعون إذا احتجوا بهذه الطريقة.

العدالة من أجل أداما

“العدالة من أجل أداما”، وهي حركة تم إطلاقها بعد وفاة أداما تراوري، وهو رجل أسود يبلغ من العمر 24 عاماً قُتل على أيدي الشرطة، انضم إلى صفوف “السترات الصفراء”، يوم السبت.

واحتج نحو 290 ألف شخص في مطلع الأسبوع الأول من المظاهرات في الشهر الماضي، وكان أقل من نصف هذا العدد قد خرج إلى الشوارع في نهاية الأسبوع الماضي، حتى إن حشوداً صغيرة خرجت يوم السبت، وفي المساء، قالت وزارة الداخلية: إن نحو 125 ألف شخص انضموا إلى الاحتجاجات في أنحاء فرنسا، مع ما يقرب من 10 آلاف متظاهر في باريس.

ومع ذلك، فإن صور المصادمات العنيفة قد أثارت الانتباه في جميع أنحاء العالم، وكتب الرئيس ترمب، يوم السبت، على “تويتر”: الاحتجاجات وأعمال الشغب تعم جميع أنحاء فرنسا، زاعماً أن المظاهرات تعكس رفضاً لإجراءات تغير المناخ العالمية.

لكن احتجاجاً آخر -مسيرة المناخ- كان من المقرر أن تقوم أيضاً، أمس السبت، وشوهد البعض في ممن يرتدون السترات الصفراء بين التجمعات، وانتقل عدد أكبر من أصحاب السترات الصفراء إلى المسيرة من أجل المناخ.

ووفقاً لتصريحات المنظمين، سار ما يصل إلى 25 ألف شخص من أجل المناخ، أكثر من ثلاثة أضعاف عدد أولئك الذين يرتدون السترات الصفراء.

Exit mobile version