أعلام رحلوا في ديسمبر.. الجراح والخالد والشهداء الستة

عالم الكويت.. محمد بن سليمان الجراح qqq.jpg

زخرت الكويت بالعديد من العلماء الذين تركوا بصمات على الواقع الحياتي في الوطن العربي والإسلامي والعالمي، ومن هؤلاء الذين تركوا بصماتهم العالم الحنبلي محمد بن سليمان بن عبدالله الجراح، الذي ولد بأحد أحياء الكويت عام 1322هـ/ 1902م، لوالد كان يعمل في التجارة، حيث ورث الشيخ وإخوته هذه التجارة بعد وفاة والدهم عام 1957م. 

تعلم الشيخ الجراح القرآن الكريم في مدرسة الملا أحمد الحرمي، قبل أن يلتحق بمدرسة الملا محمد المهيني، ثم مدرسة هاشم الحنيان حيث تعلم الحساب والكتاب، ثم قام بحفظ نظم الرحبية في المواريث، وانكب على العلم ينهل منه لحبه الشديد له. 

اهتم الشيخ محمد سليمان بن الجراح بدراسة الفقه حتى أصبح أهم علماء الفقه في الكويت بعدما تلقى العلم على يدي أشهر علماء عصره بالكويت أمثال الشيخ عبدالله خلف الدحيان، والشيخ عبدالوهاب عبدالله الفارس.

تنقل الشيخ لينشر العلم في العديد من مساجد الكويت، كان آخرها في مسجد المطير بضاحية عبدالله السالم، وعرف الشيخ الجراح بغزارة علمه في الفقه، وتتلمذ على يديه عدد من الشيوخ.

كان الشيخ، يرحمه الله، متمسكاً بالسنة وداعياً إليها ومحذراً من الشرك والبدعة وأهلها، حتى قال عنه بعض الناس: إنه شديد في ذلك، وظل كذلك حتى وفاته يوم الخميس 15 جمادى الأولى 1417هـ، الموافق 28 ديسمبر 1996م.

رسلان علي الخالد.. مقيل العثرات 

رسلان علي الخالد (أبو علي) الذي قالوا عنه: «يتحرك بالليل والناس نيام، ويتلمس حوائج الناس، ويُقدّم العون في الخفاء، بعيداً عن الرياء، ويسعى للصغير والكبير على حد سواء».

ولد في سَلَميَة التي تبعد عن شرق حماة بنحو 30 كم في وسط سورية عام 1919م، وذلك قبل أن يرحل إلى الكويت ويستقر بها في مارس 1959م، بعدما حاربه الإسماعيليون في بلدته.

يقول عنه د. عبدالله العقيل: لم يكن من كبار الـعلماء ولا من ذوي الـجاه، ولـيس من أصحاب المال، أو النفوذ، أو التجارة، بل كان رجـلاً يعيش على الكفاف، ولم يتزوج؛ لأن عمل الخير شغله عن أي شيء آخر، وآثـر أن يكون مِلكاً للمسلمين، فهم إخوانـه وأولاده، وخدمتهم هي أمله ومبتغاه.

وكتب عنه الأستاذ عبدالله شبيب، المحرر بمجلة «البلاغ» الكويتية: «لقد هجر الحاج رسلان الخالد موطنه الأصلي، فكانت هجرته لله، وعرفته الكويت وأهل الخير فيها، مناراً للخير والبر، يعيش لغيره أكثر مما يعيش لنفسه، ولم يعتن بجمع الحطام، ولا بالعمران والمال، وحين انتقل إلى جوار ربه، وُجدت في سجله مئات الأسر الفقيرة التي كان يَسُدُّ حاجتها».

وجد في أهل الكويت التعاون على عمل الخير، حيث تسارع الناس وآزروه بالمال الكثير، لتوزيعه على ذوي الحاجات من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمعوزين في الكويت وخارجها.

ظل في حرب ضد طائفة الإسماعيلية، واعتنى بتربية النشء، والعمل بمنهج أهل السنة والجماعة، وظل كذلك حتى توفاه الله في 25 ديسمبر 1984م، وقد خرج في جنازته جموع من المشيعين لم تشهد الكويت مثل أعدادهم، يمثلون أهل الكويت والمقيمين فيها من كل الطبقات ومختلف الأقطار.

الشهداء الستة.. دعوة ومصير واحد

في مصر كان هناك ستة نفر كل حلمهم أن يجدوا وطنهم محرراً لا يدنسه محتل، وتعاهدوا جميعاً على العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحقوا بجماعة الإخوان المسلمين ليكونوا غصة في حلق الاستعمار، فأصبح منهم من شهدت له أرض فلسطين بالجهاد ضد الصهاينة، وقد رحلوا جميعاً معاً بعد أن أعيوا المحتل، الذي رصد مكافأة لمن يأتي برأس أحدهم، لكن للأسف كان رحيلهم بقرار من بني جلدتهم وليس من عدوهم الحقيقي.

إنهم: الفقيه الدستوري الشهيد عبدالقادر عودة، والعالم المجاهد محمد فرغلي، والمجاهد يوسف طلعت، والحقوقي إبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبداللطيف.

فقد جمعتهم جميعاً دعوة واحدة، وعملوا جميعاً لنصرة قضية وطنهم الكبير، ورغم اختلاف ميلادهم، فإن موتة واحدة جمعتهم، بعدما حكم عليهم بالإعدام بعد «حادثة المنشية» التي وقعت يوم 26 أكتوبر 1954م ضد جمال عبدالناصر.

ورغم التحقيقات التي لم تثبت عليهم التهم –كما ورد في صحف «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية»– فإنهم جميعاً رحلوا في يوم واحد الموافق 9 ديسمبر 1954م، وصعدت روحهم جميعاً ليشكوا لربهم ما وقع عليهم من ظلم.  

ولد عبدالقادر عودة بقرية كفر الحاج شربيني بمركز شربين في محافظة الدقهلية بمصر عام 1906م، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة الملك فؤاد (القاهرة) عام 1930م، والتحق بالنيابة ثم القضاء حتى استقال منه عام 1951م، وبعد ثورة 23 يوليو أصبح عضواً في لجنة وضع الدستور، وحينما اندلعت المظاهرات في مارس 1954م بميدان عابدين التي أجبرت مجلس قيادة الثورة على إعادة نجيب إلى منصبه كرئيس للجمهورية، كان عودة رجل الموقف الذي لجأ إليه العسكر لصرف المتظاهرين، التي كانت سبباً في إعدامه بعد ذلك.

أما الشيخ محمد فرغلي، فقد ولد عام 1907م في أسيوط، وتخرج في الأزهر الشريف، ثم عين واعظاً بالإسماعيلية؛ فكان له صولات في تربية الناس، وأصبح اسماً مفزعاً للإنجليز حتى إنهم رصدوا مكافأة 5 آلاف جنيه لمن يأتي برأسه، لمواقفه في حرب فلسطين عام 1948م ثم حرب القنال عام 1951م، ولتهديده القوة التي أحدثت مجزرة الإسماعيلية ضد الشرطة في 25 يناير، وهو ما دفعهم للانسحاب من أمام المحافظة.

وفي مدينة الإسماعيلية، ولد يوسف طلعت -الذي لقب بأسد حرب فلسطين والقنال–عام 1914م، وتميز بالجرأة، والحنكة والدهاء، وهدوء الأعصاب، والصبر، وكان يمثل ابن البلد المصري بكل ما فيه من بساطة وجرأة وشهامة، فلم يخش أحداً، بل كان مصدر قلق للإنجليز في الإسماعيلية؛ حيث وضع خطة لنسف مخازن الذخيرة في أبي سلطان.

وحينما قبض عليه بعد حادثة المنشية كان أكثر من نال التعذيب، حتى إنه دخل المحكمة محمولاً لعدم مقدرته على الوقوف أو السير.

وفي مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، ولد إبراهيم الطيب عام 1922م، حيث تخرج في كلية الحقوق عام 1944م، وعمل بمكتب عبدالقادر عودة للمحاماة والاستشارات القانونية.

لقد كانت آخر كلمات عودة ورفاقه: ماذا يهمني أين أموت؛ أكان ذلك على فراشي، أو في ساحة القتال.. أسيراً، أو حراً.. إنني ذاهب إلى لقاء الله»، ثم توجه إلى الحاضرين وقال لهم: «أشكر الله الذي منحني الشهادة.. إن دمي سينفجر على الثورة، وسيكون لعنةً عليها».

Exit mobile version