غضب واسع من إقرار الحكومة التونسية لقانون المواريث

أثار مشروع قانون الإرث الذي وافقت عليه الحكومة التونسية موجة غضب واسعة بين العلماء الذين رفضوا المشروع، مؤكدين أن النصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معاً، فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة.

صادقت الحكومة التونسية على مشروع قانون الإرث، الذي يقضي بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مخالفة بذلك القاعدة القرآنية “للذكر مثل حظ الأنثيين” المعمول بها في الدول الإسلامية.

ومن المنتظر إحالة مشروع القانون حول المساواة في الإرث إلى البرلمان من أجل المصادقة عليه حتى يدخل حيّز التنفيذ، وذلك في حال حصوله على تأييد أغلبية الأعضاء، وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قد أعلن في 13 أغسطس الماضي عزمه التقدم بمشروع قانون يضمن المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، وكلف لجنة الحريات الفردية والمساواة الرئاسية، بتقديم توصيتها حول الموضوع. 

هذا، وقد استنكر أستاذ الشريعة بجامعة الكويت وزير الأوقاف الأسبق د. نايف العجمي على الحكومة التونسية مخالفة صريح القرآن الكريم، حيث قال: رب العالمين يقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (النساء: 11)، والحكومة التونسية تقول: للذكر مثل حظ الأنثى! رب العالمين يقول بعد آيات المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ) (النساء: 13)، والحكومة التونسية تتجاوز حدود الله، وتستدرك عليه سبحانه وتعالى في حكمه، «سبحانك هذا بهتان عظيم»، مؤكداً أن هذا الأمر هو يوم حزين على تونس والأمة الإسلامية! 

وتابع العجمي: الحكومة التونسية صدمت العالم الإسلامي حين ساوت بين الذكر والأنثى في الميراث، مبيناً أن هذا القانون ما هو إلا تلبية لمطلب استشراقي، واستجابة لمطلب ليبرالي، فالمستشرقون عبر قرون متعددة وكذلك الليبراليون الغربيون وبعض الليبراليين العرب يطالبون بذلك، ويعتقدون أن الإسلام قد ظلم المرأة حينما جعل نصيبها في الميراث نصف نصيب الرجل، ووافقهم في ذلك المعاصرون كنصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، وغيرهما، الذين يرون أن القرآن العظيم ما هو إلا نص تاريخي يجب أن يفسر وفقاً لمتغيرات الزمن ومعطيات العصر، فهم يرون أن آيات المواريث نزلت في بيئة كانت المرأة محرومة فيها من كل شيء فلا ترث شيئاً، ومع تقدم الزمن يجب أن تعطى المرأة كامل حقها ولا يفضّل الذكر عليها، فلا يوجد لديهم شيء يسمى “للذكر مثل حظ الأنثيين”!

وأضاف العجمي: يجب أن يستقر في أذهاننا أن أحكام المواريث قطعية لا يجوز فيها الاجتهاد من قبل أي شخص كائناً من كان؛ لأن الله عز وجل هو من تولى قسمتها بنفسه، حيث قال الله سبحانه وتعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)، حكم رباني قطعي، لا يجوز الاجتهاد فيه إطلاقاً، (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) (النساء: 11)، (وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ) (النساء: 12)، (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ)، (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) (النساء: 176)، (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {176}) (النساء)، ثم يأتي بعد ذلك من يستدرك على رب العالمين في حكمه، ويقول: للذكر مثل الأنثى!

وأكد العجمي أن الاجتهاد في أحكام المواريث القطعية ما هو إلا اتهام لرب العالمين بالظلم؛ (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) (يوسف: 40)، مبيناً أن من يقول: إن المرأة تأخذ نصف الرجل مطلقاً هو جاهل في حكم المواريث، فالمرأة لا تأخذ نصف ما يأخذه الرجل في الميراث إلا في أربع حالات فقط؛ الأولى هي اجتماع الأم مع الأب، والثانية هي اجتماع البنات مع الأبناء، والثالثة هي الأخوات الشقيقات مع الإخوة الأشقاء، والرابعة هي اجتماع الأخوات للأب مع الإخوة لأب، أما ما سوى ذلك فهناك حالات كثيرة نصيب المرأة فيها أكثر من نصيب الرجل، أما هذه الدعوى فهي باطلة.

وبين العجمي أن أكبر نصيب في المواريث هو الثلثان، ومن يستحقه نسوة، وهن الأخوات الشقيقات والأخوات لأب والبنات وبنات الابن، وإذا أردنا أن نزداد يقيناً في عدالة وقيمة التشريع الإلهي في نصيب الميراث لنقارنه بالديانات السماوية الأخرى أو القوانين الوضعية، ولن نجد قانوناً أعدل من حكم الله في قسمة المواريث؛ (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) (البقرة: 140).

ومن الاستدلال المتهافت القول: إن الميراث حق وليس بواجب، بل هو حق واجب، ورب العالمين قال عن المواريث: (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ)، ولم يقل بهذا القول أحد من المسلمين إلا المستشرقين وأتباع الفكر التغريبي الشاذ، مؤكداً أن الشعوب المسلمة لن تعمل بهذا التعديل ولو تحول إلى قانون.

وأشار العجمي إلى أن قانون تساوي المرأة والرجل بالميراث مضاد لحكم الله، أقره عبدالكريم قاسم في العراق عام 1959م، لكن الشعب العراقي لم يعمل به، وأسقطه عام 1963م بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكمه، فالشعوب المسلمة لن تقبل بكل ما يضاد حكم الله، ولن تطبقه في حياتها، وهذا هو الظن بالشعب التونسي وبرلمانه.

Exit mobile version