أدعياء الشعر وغلمانه

في المربد أنبياء كذبة يخادعون الناس بتهاويم استجلبوها ابتغاء صلصلة أجراس يعلقونها في رقاب سمنت وانتفخت منهم الأوداج، فصاروا ينادون أن هلموا إلى زامر يراقص الحيات تيها واختيالا، صبرنا عليهم ليكفوا فيرتاح منهم سامع؛ أو يحسنوا غيره فيسلى ملدوغ ويسلم؛ لكنهم أبوا إلا ضجيج كهنة أو تلبيس أبالسة مخلطة.

وإن أكذب الشعر لا يقوم به إلا عجب يردي بصاحبه موضع التهلكة في صحراء لا ينجو متسربلها بالسراب ماء وما هو ببالغه، ومقالة تودي إلى مقتله دون دية ينتفع بها صغار أيتام يتكففون الناس؛ سكتنا فتمادوا، وجدوا الخلاء فسيحا كقبرة بوادي معمر فباضت ثعابين رقطا تتثنى حتى أسكرتها الغواية وألبستها ثوب زراية لا تقوم بها في عكاظ أو مربد قائمة، تحركها ريح الدبور فتذرها قاعا صفصفا.

وما كل صيحة وراءها نفع ولا يرتجى من صداها غيث، انتهبوا الأبواق واستجلبوا الغلمان رجاء أحدوثة وذكر يبتغون من الشعر إمارة وهم يهرفون بالقول عيا وحصرا، يظن واحدهم أنه احتوى المعجم العربي فيتصنع مواده قافية تربو على العشرة آلاف بيت، يحسب القول عد ليمون في ساحة بوابة المتولي أو يبتاع من أبياته الخمسة بقرش لو جاءه مشتر.

أخذنا على أيديهم مرة من بعد مرة فما زادهم ذلك إلا شرود نعجة تختال مكتنزة حتى إذا وقعت بين ماضغي ثعلب استنجدت واستغاثت ولا حين مهرب.

أكان العجب إلا مقتلة إبليس تيها وعجبا وسوء قياس؟

ينقمون على سلطان الشعر نعمة وهبها ومكانة عن جدارة تسنمها؛ حيث يشاء الله أن يجعله في الشعر مكان حسان في الأولين أو يعطيه ما أوفى به على لداته من سمو وعلو في غير زهو ولا استجلاب أغمار؛ بل ثلة من أصحاب اليمين لا يدفعها عاجل نفع أو يمنعها حظ نفس، وفي القوم تهريف وولع بالجديد وإن كان مما شاع غلطه وعمت به البلوى.

أما غلمانهم فذلك حديث يحلب الشاة العجفاء ولا أم معبد ليمس النبي الأكرم بيديه هزيل فصيلها، يرسل أتباعه لينشدوا غرا يصيح في وادي المكلمة التي يقيمها ودار الندوة التي يقف متشحا بردته التي بليت أنني امرؤ القيس أو صناجة العرب آتيكم بالدر لتعلقوه في جوف الكعبة وما هو إلا الجمر يحرق سوءته أو الخرف يأتيه متتابعا بعد أن كان في مأمن من تتبع أو نجاة من ترصد.

ولو شئنا ﻷتينا بنماذج من تخرفهم ليكون بابا للتندر ومثارا للتسلية تفكها وقضاء لحق الضحك على قوم تسللوا في غفلة إلى مخادع تخفوا فيها بأقنعة الفصحى وما هم إلا هوام وبغاث استنسر فأعجبه كبره وآداه غروره أن يكون السابق في فراغ من عدائين، وها هو يستعلي فيستلقي ويداعب رجليه طلق ريح.

لكنه الانتظار حتى يؤوب أحدهم إلى رشده أو يمله جنيه الذي يسترضيه.

بلقاء هنا أو بقطعة لحم محشوة بعرق شاة عرجاء، أي جناية في حق الخليل بن أحمد أن تؤكل الدنيا ببحوره وما يذكرونه إلا استلحاق نسب من هجنة أو التماس رفعة بين الناس.

وهل ينفع غلام آبق سيده حيث زلت به قدمه فأوردته المهلكة التي نقف عند حافتيها نلقمه حجرا وراء آخر؛ وهل يقرب به الرشد حبل النجاة وقد انفك عقاله؟

صمتنا على تحرق ورجوناهم أن يذروا لنا البيان نجلو روائعه، علم الله أن كان بيننا وبينهم لقاء فما رعوه حق رعايته؛ انتهبوا أمانة واستباحوا عهدا؛ قلنا كبوة جواد لكنه الترصد واستدعاء الصغار ليسدوا على أم ذكاء منافذها بيد شلاء.

هاو زلت به قدمه، وعدته التهريف صنو التخريف؛ أن يخرج عن عمود الشعر؛ يظنها بيضة ديك يلتمس منها الشبع.

يرى من نفسه اشتهارا أو كلما بلغ به الناعب غرابا امتدح لسانه ومشى طاووسا أنني أوتيت مالم يؤت أحد من العالمين!

وما كتبت عصبة إلا للحق الذي آمنت به وللتجديد الذي أدعو إليه؛ أن غاية المرء العدل وقيمته ما يحسن؛ فهل طلق الشعر وجاوزه إلى ما يستطيع!

أو يكون قدره ساقه إلى مهواة لا ينجده فيها إلا حسن عمله، والله وحده يحاسبه أو يشاء يجعله في الناس مثلا : أن هذا شط به عقله فاستحق البناية الصفراء.

Exit mobile version