تقرير: في غزة.. عرسان خلف القضبان

داعبت الأحلام السعيدة (محمد) فخطط للزواج، وبسبب ظروفه الاقتصادية المتواضعة لجأ لشركة تيسير الزواج بعد أن وعده مدير الشركة بإعفائه من السداد في الشهور الأربعة الأولى.

عجز الشاب الذي يسكن قطاع غزة، عن سداد ديونه، وأخفق في إعالة أسرته ودفع أجرة المنزل، فانتهى به المقام فوق سرير المرض مصاباً بنوبة قلبية أدت إلى وفاته.

وبرزت في العام الجاري مشكلة الشبان حديثي الزواج الذين عجزوا عن سداد ديون شركات تيسير الزواج، فانتهى بهم المقام في السجن، أو نشبت خلافات مع زوجاتهم أدت للطلاق أو المرض.

ويتحدث مختصون في الشأن القانوني والاجتماعي عن رقم ناهز (3000) أمر وقضية سجن لشبان حديثي الزواج، ما يشكل خطورة بالغة على الاستقرار الاجتماعي بغزة.

ولجأ الشبان في قطاع غزة في الأعوام القليلة الماضية لشركات تيسير الزواج لمساعدتهم في ترتيبات الزواج بالتقسيط؛ لكن تصاعد حالة الفقر والبطالة أعجزهم عن السداد، فدخلوا في نزاع قضائي انتهى بهم خلف القضبان.

نوبة قلبية

يقلّب المحامي يونس الطهراوي عدة أوراق في يديه قبل إكمال قصة مؤلمة للشاب محمد الذي تدهورت حالته النفسية والصحية حتى فارق الحياة.

يقول الطهراوي: “هناك قصص لعرسان مدينين أصبحوا بسبب عجزهم المالي في السجن، وبعضهم تدمرت حياته”، محمد قصة مؤثّرة.

الدفعة المسبقة كانت (300) دينار أردني، المفاجأة كانت من الشركة للعريس بعد شهر حين طالبته بسداد القسط الأول، فباغ مصاغ زوجته، وافتتح مشروعاً لكنه فشل.

مرض محمد وعجز عن سداد الديون، وزاد الأمر سوءًا عندما نشبت الخلافات مع زوجته، فرفعت عليه قضية نفقة ومصاغ في المحكمة.

 أصيب بنوبة قلبية أدت إلى وفاته وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره تاركاً خلفه الديون، وأرملة، وملاحظة اجتماعية متصاعدة ترتبط بحالة الفقر والحصار بغزة.

ديون بغير زواج

وفي قصة ثانية فسخت المخطوبة خطبتها قبل خمسة أيام من موعد الزفاف، فوجد العريس نفسه قد تورّط في أقساط شركات الزواج التي طبعت بطاقات الدعوة، وحجزت صالة الأفراح ووجبة الطعام.

وقع العريس بين مشكلة فسخ الخطبة ورفع العروس قضية قانونية عليه تطالب بالتفريق، وبين ديون شركة تيسير الزواج التي رفضت مراعاة أزمته محتجةً أنها أبرمت عقداً بموافقته، فانتهى به المقام في السجن.

ويشير المحامي الطهراوي أن أوامر حبس العرسان تزداد ما يهدد بآثار كارثية أهمها ترك الشاب لبيته وزوجته، خاصّة إذا كان مستأجرا لمنزل، وعدم قبول العروس بالمشكلة تأثراً بالعادات والتقاليد.

ويتابع: “القضية مثارة إعلاميًّا منذ أسابيع لارتباطها بالأحوال الاقتصادية والبطالة، وهي أزمة تحتاج لحل، والنزاع فيها بين شبان حديثي الزواج وشركات ربحية تعمل باسم تيسير الزواج، تطالب بدفع كمبيالة سند دين منظم”.

بعد الإخطار القانوني بالدفع وعدم السداد، تبدأ إجراءات المحكمة، ويمنح الشاب سبعة أيام، ثم تتقدم الشركة بأمر حبس إن تم تنفيذه يسجن (21) يوما.

جمعية تيسير الزواج

عندما ذهبت لزيارة أحد فروع جمعيات تيسير الزواج وجدت الشاب محمود مسنداً مرفقيه لمكتب المدير بعد أن فرغ من نقاش قصير حول حل مشكلته كـ(كفيل) لابن عمه العاجز عن تسديد ديون الجمعية.

يقول محمود إنه تكفّل بالوفاء عن ابن عمه حديث الزواج إن لم يسدد كمبيالات الجمعية بقيمة (600) شيكل شهريا، لكنه منذ عدة شهور لم يسدد، ما اضطر الجمعية لخصم المبلغ المستحق من راتبه في البنك.

ويتابع: “وقعت في حرج معه، فهو ابن عمي وأنا أعرف أنه لا يعمل وعاجز عن الوفاء، لكن خصم الرواتب واستمرار الأزمة أوقعني في حيرة، ماذا أفعل؟!”.

ويؤكد مدير الجمعية الذي فضّل عدم ذكر اسمه أن هناك خمس جمعيات تعمل في هذا النطاق لها 13 فرعا في قطاع غزة، وأنها كانت تعمل كما يرام حتى بدأت أزمة الرواتب (مارس 2017).

ويضيف: “نموّل العريس 1500-1700 دينار أردني، ويدفع قسط شهري 100 دينار بعد أن يدفع ثلث المبلغ نقدا دفعة أولى، تخفيض رواتب السلطة 50-70% أضعف عملنا، وبدأت أزمة السداد، فأعداد المستفيدين انخفضت 50% عام 2017 عن عام 2016 والآن وصلنا 12.5%”.

وتموّل شركات تيسير الزواج العريس بمبلغ نقدي بعد التعاقد مع أطراف التقسيط (غرفة نوم-صالة أفراح-بطاقات الدعوة-مطبخ-وملابس عروس-حفلة زواج).

ويضيف: “غالباً يجري السداد أول 4 أشهر، وبعد ذلك تحدث مشكلة، فأحاول التفاهم مع العريس شخصيًّا ولكن عدم الوفاء يضطرني لإرسال إخطار من المحكمة، وأحياناً يسجن لعدم السداد”.

وكانت شركات الزواج تموّل العريس عام (2014) دون كفالة، وعام (2016) بكفالة أي مواطن، لكن بعد عام (2017) اشترطت كفلاء موظفين لضمان سداد قسط قيمته (300-500) شيكل.

لجان الإصلاح

ويقول أحمد أبو زاهر أحد الوجهاء الممثلين عن شئون العشائر في قطاع غزة، إنه تدخّل في السنتين الماضيتين في كثير من مشاكل حديثي الزواج في ظل تصاعد أزمات غزة الاقتصادية.

ويضيف: “قبل يومين حاولت التدخل بالإصلاح لدى مؤسسة إقراض زواج كي تؤجل دفع كمبيالة العريس عدة أيام، لكن مديرها رفض محتجًّا بالتزامات أخرى مع البنوك والممولين، وبالتالي دخل العريس السجن”.

وتصل لجان العشائر والإصلاح شكاوي متكررة في العامين الماضيين عن شبان حديثي الزواج وصلتهم إخطارات بالسجن لعدم وفائهم بدفع كمبيالات مستحقة لمؤسسات تيسير الزواج قبل أن يبدأوا بمحاولة حل المشكلة.

ويتابع: “تكون الكمبيالة 60-70 دينارا، والعريس إما عاطل عن العمل أو موظف فقد معظم راتبه، أحياناً يلجأ لبيع مصاغ زوجته أملاً في السداد، وبعدها تبدأ مشاكل مع الزوجة لعدم قدرته إعادة المصاغ، وهكذا المشكلة تراوح بين الزوجة وشركات الزواج والقضاء”.

 المركز الفلسطيني للإعلام

Exit mobile version