أشرف نعالوة.. الكبار يموتون والصغار لا ينسون

يحمل عمر المقاوم نعالوة دلالة مهمة في تعاقب الأجيال الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وككل الحكاية الفلسطينية التي توارثت مفتاح العودة وأوراق الأرض التي تثبت ملكية الفلسطينيين لها، فإن النضال وأهمية الدفاع عن الهوية الفلسطينية والحفاظ على الأرض التي تشكل عنوانها الأول أيضا متوارث. والتوارث هنا حالة شعورية يجمع عليها الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، ويحمل همها في حله وترحاله.

أشرف ابن العشرين ربيعا، شاب فلسطيني يافع بمقاييس الحياة المادية لا ينقصه شيء؛ منزل عائلي جميل، عمل ودخل فردي أكثر من متوسط، ما الذي يدفعه لأن يحمل هم التخطيط لعملية في قلب مستوطنة، أن يشتري السلاح، ويتحمل هم المخاطرة في نقله، ويعبر البوابات الأمنية وينفذ العملية، ويخرج بعدها لينتقل لحياة المطاردة التي فيها الجوع والعطش وأجهزة استخبارات العدو التي تلاحقه، ووحدات نخبته التي تبحث عنه.

قد تكون الإجابة في الأوطان وحبها والتعلق بها، والمحاكاة التي يعيشها أطفالنا وشبابنا. في تلك العقول تدور مجموعة من الأسئلة: لماذا ليس لنا وطن يعترف العالم به، لماذا لا تحترم مقدساتنا، لماذا يراد تحويل هوية الأرض بإعلانها أرض يهودية كما يريد الاحتلال، لماذا يريد العالم أن يشرعن كيانا غاضبا يقوم على القتل والتشريد وملاحقة اللاجئين. كيف يصبح اليهودي الذي يعيش في نيويورك وأوروبا فجأة صاحب أرض في الخليل أو رام الله أو نابلس؟!

قد تكون الأسئلة عادية أو صعبة، لكنها أسئلة تحملها الأجيال في داخلها في عالم ظالم، يرى دولة تمتلك أعتى السلاح تطلق الرصاص على رأس الطفل في غزة وتعده دفاعا عن النفس، إنه العالم الظالم الذي يرى القناصة والدبابات تقتل متظاهرين يرمون الحجارة ويراه العالم دفاعا عن النفس.

في غزة رفعت صورة البطل أشرف، رفعها أبطال مسيرات العودة وكأن المخيال الفلسطيني لا يقبل التقسيم في البطولة ومواجهة الاحتلال، السؤال نفسه لماذا تذهب الحشود للحدود لمواجهة الاحتلال، إنها معادلة الأرض والهوية.

تلك الحشود كسرت الصورة النمطية في أن الفلسطيني يمكن أن يقبل وطنا بديلا أو أرضا أخرى، الفلسطيني بوعيه الجمعي يستطيع أن يحسم خياره مع الاحتلال الاستيطاني، وكما حسمه في مرات سابقة بالانتفاضات والمقاومة من خارج فلسطين سيحسمه كل مرة.

هناك عشرات ومئات الشبان لديهم القدرة على حسم خياراتهم، والمضي على طريق “أشرف”، وهناك المئات سيحسمون خيارهم في حماية المقاوم والدفاع عنه وإيوائه، فالبطولة تجر البطولة، ومثال اقتحامات الحدود والآلاف التي تحتشد في مواجهة القناصة بالصدور العارية مثال على قناعة راسخة في داخل الفلسطيني.

نعالوة المقاوم بقاؤه كل هذه الأيام تحتضنه بيوت الضفة، ليس أمراً هيناً أمام ملاحقة جهاز استخباري احترافي يمتلك الوسائل التقنية والقدرة العملياتية على المطاردة، العار الذي يجلل “شاباك” سيبقى يجلله، اعتقل أشرف أم استشهد، فهذا الشاب الفلسطيني قرر المواجهة، وعندما يختار الفلسطيني المواجهة لا يقبل أن يخرج منها إلا منتصرا. فبطولة أحمد جرار ليست بعيدة، ومحمد الفقيه، وباسل الأعرج، وغيرهم من أبطال الضفة الذي واجهوا الاحتلال بإرادتهم الفردية خلال انتفاضة القدس.

الكبار ماتوا، لكن الصغار يواصلون، وإن كان واقع التنسيق الأمني والطبقة السياسية التي بناها الاحتلال في الضفة تقبل بمعادلة سرقة الأرض في الضفة أمام أعينهم، وتقبل بمعادلة تجويع غزة إرضاء الاحتلال، فهناك العشرات والمئات ممن حسموا خياراتهم في مواجهة الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس وحالة الإجرام الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وجميع أماكن وجوده.

أشرف نعالوة مزيدٌ من المواجهة في هذا الطريق سواء التخفي أو المواجهة، يا أهل الضفة الأحرار، إن أشرف خرج من بيوتكم العامرة بحب الوطن والمقاومة، وهو ليس استثناء فـ300 شهيد أو أكثر من أبطال انتفاضة القدس خرجوا من بيوتكم.

المقاومة خياركم، والتنسيق الأمني ومحاولة تشويه الوعي للقبول بالاحتلال والاستيطان ستنكسر وسيكسرها أبناء الضفة كما فعل أشرف.

 

“المركز الفلسطيني للإعلام”.

Exit mobile version