الشيخ أحمد العمري: مَنْ أحرق «الأقصى» يمكن أن يحرق «الكعبة»

 

أكد الشيخ أحمد العمري، رئيس هيئة علماء المسلمين بلبنان ورئيس «بيت الدعوة والدعاة»، أن الذي سولت له نفسه الاعتداء على المسجد الأقصى وإحراقه، من اليسير أن تسوّل له نفسه الاعتداء على الكعبة المشرفة الشقيقة للأقصى، داعياً المسلمين إلى استحضار مكانة المسجد الأقصى الذي هو قبلة المسلمين الأولى وقبلة المرابطين، وألا يقتصر تذكرنا له على ذكرى إحراقه فقط.

ذكر الشيخ العمري في الجزء الأول من حواره مع «المجتمع» أن إحراق الأقصى كان بمثابة اختبار لقياس رد الفعل لدى الشعوب، الذي لا يزال خجولاً مقارنة مع ما يقدمه إخواننا في فلسطين.

ورفض العمري زيارة القدس بتأشيرات من الكيان المحتل، ودعا أن تقتصر هذه الزيارة على رعايا الدول التي لها علاقات تطبيعية مع الاحتلال؛ بحيث لا يحتاج الزائر إلى تأشيرة من الاحتلال.

اسمح لنا في البداية أن نبدأ بالتعرف على هيئة علماء المسلمين بلبنان، ومن ثم مؤسسة بيت الدعوة والدعاة.  

– حياكم الله أخي الكريم، وأهلاً بكم وبمجلة «المجتمع» في بلدكم الثاني لبنان، واسمح لنا أن نقدم تحية عطرة لأحبتنا وإخواننا في الكويت؛ أميراً وحكومة وشعباً ومؤسسات.

منذ ست سنوات شكلنا هيئة أطلقنا عليها اسم “هيئة علماء المسلمين في لبنان”، كانت تضم أكثر من 500 عالم في لبنان، يتبعون كل الأطياف الفكرية؛ حيث لم نستثن أحداً، وهي لم تكن بديلاً عن المؤسسة الدينية الرسمية، إنما كانت بمثابة مساند ومساعد وذراع يمنى لها، بدليل أن من أعضاء الهيئة من ينتمي إلى المؤسسة الرسمية من مفكرين وقضاة وعلماء وغيرهم، هذا أمر.

 أما الأمر الآخر فهيئة علماء المسلمين أرادت أن تحمل هموم أهل السُّنة والجماعة، وأن تقول: إن هناك مظلومية كبيرة تقع على أهل السُّنة في لبنان، ولا بد لهذه المظلومية أن تُرفع عن كاهلهم، من خلال إرساء قواعد العدل والعيش المشترك، وقد ساهمت في أثناء ما كان يحدث بسورية في إطلاق سراح 11 عنصراً من الإخوة الشيعة، وكذلك ساعدت في إطلاق سراح راهبات “معلولة”، وهي التي ساهمت في إطلاق سراح عسكريين لبنانيين؛ فهذه الهيئة ولله الحمد لها دور كبير في إرساء مبدأ العدل والإنصاف ليس مع أهل السُّنة فقط، بل مع كافة الطوائف اللبنانية.

وبالنسبة لبيت الدعوة والدعاة، فهو وقف خيري ودعوي يضم كذلك عدداً كبيراً من الدعاة والعلماء على الساحة اللبنانية، وهدفنا هو النظر في وضع الأئمة والعلماء الذين قد يعانون من وضع اجتماعي غير ميسور؛ فنحاول أن نقدم لهم عدداً من المنح التي تساعدهم وتساندهم في ظروفهم الاجتماعية.

كذلك يقوم بيت الدعوة بإقامة دورات تأهيلية للدعاة لنشر الفكر الوسطي المرن الذي يتعايش مع الآخر لدى الدعاة في لبنان؛ فنحن في لبنان مجتمع مكون من طوائف مختلفة، ولذا فالعالم والخطيب على منبره وفي مسجده وفي كليته وفي معهده لا بد أن يبعث رسائل دعوية وأخلاقية وتربوية واجتماعية إلى الناس، فهذا ما نريد إرساء قواعده في عملية النهضة في أوساط علمائنا ودعاتنا.

أيضاً من ضمن مشاريعنا استهداف عدد من العلماء لاستكمال دراساتهم العليا؛ من خلال تقديم منح دراسية لمن يريد أن يستكمل دراسته في التخصص الذي يحبه، سواء بالماجستير أو الدكتوراه، سواء بالمجال الشرعي أم المجالات الأخرى مثل إدارة الأعمال والإعلام، وغيرها من المجالات، شرط أن يجمع فيه بين الدراسة الشرعية والدراسة الدنيوية.

هل لديكم فروع في داخل لبنان؟

– لنا فروع في كل المحافظات، ولنا برامج وأنشطة في كل المناسبات الإسلامية، وليس هدفنا هو المجال الإغاثي؛ بل هدفنا علمي دعوي اجتماعي، ومساعدة بعض الإخوة الدعاة الذين هم في حاجة للمساعدة قدر ما نستطيع.

مرت علينا ذكرى إحراق المسجد الأقصى (21 أغسطس 1969م)، فماذا تمثل لكم هذه الحادثة؟

– هذه الذكرى لا ينبغي أن تغيب عن الذاكرة، ولا ينبغي لنا أن نستذكرها سنوياً فقط، بل يجب أن يتذكر المسلم في كل أقاصي الدنيا أن الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى وقبلة المرابطين، وهو مسرى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أرض الرسالات والنبوات، تلك البقعة المباركة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «أول بيت وضع في الأرض الكعبة المشرفة، ثم أي يا رسول الله؟ قال: ثم المسجد الأقصى، كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة».

فالمسلم عليه أن يستحضر هذه المكانة، والذي سوّلت له نفسه الاعتداء على المسجد الأقصى من اليسير أن تسوّل له نفسه الاعتداء على الكعبة المشرفة الشقيقة للأقصى، وهذه الأخوة والتوأمة بين الأقصى والكعبة المشرفة جاءت في القرآن الكريم؛ فالمسألة إذن عقائدية وليست تاريخية؛ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (الإسراء: 1)، ولو لاحظنا التفصيل في الآية لوجدناه مخصصاً للمسجد الأقصى، وقد ذكر الكعبة وحرمها، ومن دخلها كان آمنا بقدرة الله سبحانه وتعالى.

أما الأقصى فعبر التاريخ كان عرضة للاغتصاب وعرضة لتسلّط الأعداء، إلى أن جاء الصهاينة المجرمون في هذا العصر، وتجرؤوا على حرق المنبر وجزء من المسجد، وحينها قالت «جولدا مائير»: «لو علمت أن العالم الإسلامي والعالم العربي لم ينتفض انتفاضة واسعة وكبيرة لأحرقت المسجد بأكمله».

هذا الإحراق كان بمثابة اختبار لقياس رد الفعل لدى شعوبنا، ولكن كان رد الفعل خجولاً، ولا يزال رد الفعل خجولاً بالمقارنة مع ما يقدمه إخواننا في فلسطين، حيث يتقدمون بصدورهم العارية ويرابطون في الأقصى، ويتقدمون بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم وكبارهم وعلمائهم ويضحون من أجل أن يتشبثوا بهذا المقدس العظيم، وكما قلنا هو مكان مقدس للأمة الإسلامية جمعاء؛ فهو أمانة، ومن يفرط في جزء من أي من الأمانات من الممكن أن يفرّط في كل الأمانات، والله يوم القيامة سوف يسألنا عن هذه الأمانة.

من هنا أقول أخي الكريم: إن مكانة الأقصى ينبغي ألا تغيب عند خطبائنا وأئمتنا وعلمائنا وقادتنا وسياسيينا؛ فالأقصى والكعبة سواء، وإن كان في الرتبة والمكانة والثواب لا شك أنها في بيت الله الحرام بمائة ألف صلاة، والمسجد الأقصى أيضاً له رتبة ومكانة: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..»، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المساجد «المسجد الأقصى».

فلماذا تاقت عبر التاريخ النفوس إلى فتح بيت المقدس سريعاً من قبل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتم فتحه بطريقة آمنة ومستقرة، وحينها قُدمت له المفاتيح ولم يتعدَّ على أي أحد من المسيحيين، بل حفظ لهم أماكن عبادتهم وكنائسهم وصلبانهم.

والواجب اليوم -كما أعتقد- نحو القدس واجب كبير، فنحن عقدنا مؤتمراً مؤخراً في إسطنبول، للخطباء والدعاة، تحت عنوان «منبر الأقصى»، وهي رمزية لها خصوصيتها، وهذا العنوان مستمد من عنوان لفضيلة الشيخ أحمد القطان، لذا كانت الجائزة الأولى التي منحها المؤتمر كانت للشيخ أحمد القطان، كونه كان صاحب هذه الفكرة، حينها بكى الشيخ وقال: «جزاكم الله خيراً، كيف تذكرتم هذا الحدث؟ وكيف خطرت على بالكم؟»، فقلنا له: مثلك لا يغيب عنا أيها الشيخ الجليل، فأنت من كان لك النفس الطيب والكلمة الطيبة، والصادقة في الغيرة والنخوة على المسجد الأقصى، ثم في العام الثاني منحنا الجائزة لشيخنا الشيخ يوسف القرضاوي، ونحن على وعد ليكون العام القادم لرئيس الجمهورية التركية «الطيب رجب أردوغان»، ولدينا من الأسماء المطروحة رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم الذي كانت مواقفه مشرفة لصالح القدس والمسجد الأقصى.

ما رأيكم في الحل السياسي الذي يحدد مصير المسجد الأقصى، وهو مبدأ التعايش بين اليهود والمسلمين، وما يسمى بالتحديد الزماني والمكاني؟ وهل يمكن تطبيقه على أرض الواقع؟

– هذا الأمر نريد أن نطرحه على الذين سلكوا هذا الطريق، وهو ما يعرف بطريق السلام أو التطبيع، ونبدأ بـ»كامب ديفيد»، حيث أعطى الإخوة المصريون الكيان الصهيوني كل ما يريد، وهم حتى الآن لم يملكوا السيطرة تماماً على سيناء، لأنهم إن أرادوا نقل عسكري أو تحركات عسكرية في سيناء لا بد من إخطار مسبق للصهاينة، ونأتي إلى تفاهمات «أوسلو» بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني؛ فالمنظمة أعطت الكيان الصهيوني كل ما يريد، حيث أوقفت المنظمة الأعمال الفدائية والحربية تجاه الكيان، وعندما يتم قتل صهيوني واحد في فلسطين، أول من يدين عملية القتل هي منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، وعندما يقتل ويصاب المئات والآلاف من أهل غزة في «مسيرات العودة» لا نسمع لهم همساً، فنقول لهم: أنتم جربتم هذا الطريق منذ أكثر من ثلاثين سنة، فماذا حصدتم؟ إذن ينبغي أن تعودوا إلى رشدكم، فهذا الكيان لا يريد أن يعطيكم شيئاً.

وحتى في قضية الدولتين، فهذه أمريكا بقيادة “ترمب” ضربت بكل التفاهمات السابقة عرض الحائط، وأقام سفارته في مدينة القدس تحدياً لمشاعر المسلمين واستفزازاً لمشاعرهم، كأنه يقول لهم: افعلوا ما تشاؤون. 

إذن الزمن أثبت أن هذا الطريق ليس طريقاً سلمياً لعملية أخذ حقوق المسلمين واسترجاع مقدساتهم (القدس والأقصى)، فالكيان الصهيوني ومن ورائه أمريكا أعلنوا أن القدس هي عاصمة الكيان الصهيوني الأبدية، على حين صرح الإخوة في الكويت أن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية، وكذلك صرح غيرهم من الدول العاقلة، التي لا تزال تعتبر ذلك من الثوابت، وحتى مبادرة السلام العربية تنص على أنه في حالة وجود سلام دائم بين العرب والكيان الصهيوني فلن يتحقق ذلك إلا إذا كانت القدس مدينة عربية، لكن الكيان الصهيوني رفض المبادرة العربية للسلام.

فما دام الكيان الصهيوني لم يقبل بهذه التفاهمات؛ فلماذا الحبو والسعي نحو عمليات التطبيع لتقديم تنازلات أخرى؟ ومن ضمن هذه التنازلات التخلي عن مدينة القدس، وعن الأقصى، وهذا بالتالي يمكن أن يؤدي إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه.

إذن الخيار الثاني أثبت أنه هو الخيار الأجدى والأفضل وهو خيار الجهاد والمقاومة.

فلا يجدي مع هذه الفئة التي وصفها الله عز وجل في قرآنه الكريم وهو أحكم الحاكمين وأصدق القائلين: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (المائدة: 82).

فنحن حاولنا معهم بمبادرة السلام وفشلنا، والرسول صلى الله عليه وسلم حاول معهم أن يكون بينهم وبين المسلمين نوع من التفاهم والسلم، فكان من النبي صلى الله عليه وسلم الوفاء وكان منهم الغدر والخيانة والتحريف والمؤامرات، وهذا ما يسعون فيه الآن حيث وصفهم الله تعالى بالقول: (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً) (المائدة: 33)، (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ) (المائدة: 64).

ما رأيكم في زيارة القدس من الناحية الشرعية والسياسية وهي تحت الاحتلال؟ وهل الزيارة تصب في صالح المرابطين اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً أم لا؟  

– هذه المسألة ناقشها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وخصوصاً لجنة الفتوى، ونحن بحثنا هذه المسألة في مؤتمرنا الأخير، وقد قسمنا هذا الموضوع إلى عدة أقسام، فهناك حالة تجيز الزيارة، وهي حالة بعض الدول الإسلامية التي يوجد فيها نوع من التطبيع مع الكيان الصهيوني، بحيث يدخل المسلم إلى الأقصى بدون تأشيرة من الكيان الصهيوني، إذن فهو حر في دخوله ليخدم مصالح إخوانه الفلسطينيين في الداخل، فهذه الضرورة أجازها علماؤنا وفقهاؤنا حتى في الاتحاد العالمي.

الأمر الآخر هو أننا سألنا علماء فلسطين في الداخل: ما الذي يناسبكم من الضرورات؟ وما رأيكم في زيارة المسلم من دول أوروبا وماليزيا وإندونيسيا وغيرها من الدول المطبعة مع الكيان؟ وقد حددوا لنا الضرورات التي تصب في صالح القضية.

أما الدول العربية فلم يجيزوا ذلك، لماذا؟ لأن دخول المسلمين من الدول العربية للكيان الصهيوني بغرض زيارة القدس سيكون أكثرها بتأشيرة من الكيان الصهيوني، وبالتالي التأشيرة علامة على التطبيع والاعتراف، وبالتالي الصهاينة هم من سيتحكمون في خط سير الزائرين من أجل تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية لكيانهم الغاصب، وحينها لن تتحقق أي مصالح للفلسطينيين، والفلسطينيون أنفسهم يقولون: نحن لا نقبل أن يزورنا مسلم من الدول العربية؛ لأنه لن يصب في صالحنا.

ونحن رأينا علي جمعة عندما ذهب لزيارة القدس لم يستقبله الفلسطينيون لأنه ذهب تحت الحراب الصهيونية.

Exit mobile version