إصلاح القضاء.. مطلب ملحّ يجابه تعقيدات ومناخاً سلبياً

زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة إصلاح القضاء في الضفة الغربية المحتلة، مع حالة الترهل التي تصاحب عمله، والانتقادات الواسعة، والحراك داخل الجسم القضائي نفسه، عدا عن مطالبات المختصين في قطاع العدالة وحقوق الإنسان بإصلاحه.

ووفق دراسة للجهاز الفلسطيني للإحصاء المركزي؛ فإن ثقة الفلسطينيين بالقضاء لعام 2017 لا تتجاوز 26%، وهو مؤشر رقمي خطير.

كما أن الجسم القضائي ذاته يشهد حالة من النزاع الداخلي بين تيار يريد الإصلاح من الداخل، وآخر يعمل وفق أجندات السلطة التنفيذية وربط مصيره بها، وهو ما ضرب عرض الحائط بمبدأ استقلالية القضاء وسط تهديد وتلويح بالاستقالة والإقالة داخل الجسم القضائي.

وكان الائتلاف الأهلي لإصلاح القضاء وحمايته، وهو ائتلاف مجتمع مدني، طالب في أكثر من بيان وورقة موقف في المدّة الأخيرة بالالتفات إلى الأصوات التي تطالب بإصلاح القضاء بعد أن وصل ترهله إلى مرحلة خطيرة تهدد عمله، إضافة إلى اعتماد التوصيات التي تطالب بالإصلاح ووقف تدخل الجهات التنفيذية في عمل الفضاء.

لا رقابة قضائية فاعلة

ويرى مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك أن القضاء في تراجع، عازيًا لذلك لعوامل عديدة منها الانقسام وغياب المجلس التشريعي، الذي أوجد خللاً فيه وفي الفصل بين السلطات “التي أصبحت كلها بيد الرئيس؛ وبات هو يصدر القوانين وهو ذاته رئيس السلطة التنفيذية”.

وشدد في حديثه لمراسلنا على أن هناك غيابًا للرقابة الفعالة على عمل القضاء الذي يرفض أي رقابة عليه، في وقت لا يقوم هو بعمل تفتيش قضائي ملائم داخليا.

وفي بيان لها مؤخرا، قالت نقابة المحامين الفلسطينيين: إن الحالة التي يعيشها القضاء الفلسطيني من ترهل نتيجة لتدخلات السلطة التنفيذية والأمنية والاستهتار بقرارات القضاء وعدم تنفيذها من الجهات الرسمية، أدى أيضا إلى زعزعة صورة القضاة والمحامين على حد سواء؛ فلم يعد القاضي أو المحامي بمأمن من الاعتداء نتيجة لقيامه بعمله.

وفي هذا الصدد، ينبّه الحقوقي دويك إلى أن المساءلة والمحاسبة في القضاء ضعيفة جدا، وتكاد تكون معدومة، وغياب المجلس التشريعي أدى إلى خلل في الفصل بين السلطات بحسب المركز الإعلامي الفلسطيني.

وتعطّل السلطة بشكل قهري منذ عام 2007 عمل المجلس التشريعي في الضفة المحتلة، وحركة حماس لها الأغلبية فيه.

هيمنة السلطة التنفيذية

وقال المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء ماجد عاروري: إن أحد أبرز أسباب ضعف الثقة بالقضاء الفلسطيني هو تدخل السلطة التنفيذية في عمله عمومًا، والأجهزة الأمنية خصوصًا، والتي تعبر أحيانا عن نظرة استعلائية في تعامل السلطة التنفيذية تجاه القضاء ورغبة بإحكام السيطرة عليها.

وأضاف “الأصل أن يخضع الأمن للرقابة القضائية لا أن يخضع القضاء لرقابة أمنية، وعليه على السلطة التنفيذية أن تحدد إن كانت هذه النظرة تعكس فهمها لإصلاح القضاء من خلال الجهود المبذولة لإصلاحه”.

وشدد في حديثه لمراسلنا على أن إصلاح الجسم القضائي لا يمكن أن يتم إلا بتوافر إرادة سياسية جادة لديها القناعة بتحرير القضاء من تغول السلطة التنفيذية وتنقيته من كل العناصر الداخلية التي روّضته لمصلحة السلطة التنفيذية أو لمصالح ومنافع فئوية ضيقة أو ضعيفة، وأفقدته دوره المنوط به في حماية الحقوق والحريات للمجتمع والأفراد.

إصلاح شمولي

ويرى الباحث الحقوقي في مؤسسة الحق د. عصام عابدين أن البيئة العامة سلبية ولا تسهم في إصلاح القضاء؛ من حيث غياب التداول السلمي للسلطة، والانتخابات، وفصل السلطات، وتغييب المجلس التشريعي المنوط به عملية المراقبة، وتطوير المشاركة المجتمعية وغيرها.

وشدد في حديثه لمراسلنا على أن الإصلاح الحقيقي لن يكون إلا بإصلاح شمولي وإرادة سياسية واضحة وجادة في إصلاح القضاء، وإنهاء الهيمنة والوصاية عليه، ووقف كل أشكال التدخل في عمله.

Exit mobile version