المعركة الاقتصادية بين تركيا وأمريكا قديمة

لماذا سحب أردوغان ذهب تركيا من أمريكا

المعركة المحتدمة اقتصادياً اليوم بين تركيا وأمريكا لم تظهر فجأة، ولكنها قديمة قدم وجود حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، علي رأس السلطة في تركيا، والأتراك يدركون ذلك ويعرفونه حق المعرفة، بل ويحاولون التصدي للهيمنة الأمريكية، والاستقلال بنظام اقتصادي لا يكون مرهوناً لأمريكا وعملتها وآليات سوقها وحيلها ونظمها المالية. وقد تواترت الأخبار في أبريل الماضي عن سحب تركيا لذهبها المخزن في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وأكد الخبراء أن هذا كان تمهيداً للتخلص من هيمنة الدولار.. ومساهمة منا في فهم أعمق للقضية نعيد نشر مقالين يحللان لماذا سحبت تركيا احتياطيها من الذهب من أمريكا؟

المقال الأول نشر بتاريخ 21 أبريل 2018 بعنوان “تركيا تسحب 220 طنًا من الذهب بقيمة 25.3 مليار دولار من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي” في موقع “http://thelondonpost.net” وقد قامت المجتمع بترجمته من الإنجليزية.

والمقال الثاني مترجم من اللغة الروسية ومنشور علي موقع نون بوست بتاريخ 22 إبريل 2018 بعنوان تركيا تسحب ذهبها من أمريكا.. كيف لذلك أن يؤثر على واشنطن؟

المقال الأول:

تركيا تسحب 220 طنًا من الذهب بقيمة 25.3 مليار دولار من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

د. شهيد قريشي

في خطوة مالية تاريخية نقل البنك المركزي التركي احتياطياته الذهبية المخزّنة في نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تركيا، حسبما أفادت وسائل الإعلام التركية في 19 أبريل نقلاً عن مصادر في الحكومة.

وبلغ الحجم الإجمالي للاحتياطي الذهبي للبنك المركزي التركي المخزن في الولايات المتحدة 220 طنا. كما بدأت بنوك تركية أخرى، Ziraat و Vakifbank، في تحويل احتياطي ذهبي يقدر بحوالي 95 طنا من الولايات المتحدة إلى تركيا.

وبلغ احتياطي الذهب لدى البنك المركزي التركي 25.3 مليار دولار في مارس 2018، وفقاً لتقرير البنك.

وتحتفظ دولة تركيا الآن بأحد أكبر 11 احتياطًا في العالم يمكن أن تؤهلها لعدم الاعتماد على الدولار الأمريكي. ويعتبر إطلاق البتروين الصيني (Petroyun) تشكيل لسوق تجاري جديد.

وقد قال رجب طيب أردوغان رئيس تركيا:

“لماذا نجعل جميع القروض بالدولار (بالدولار الأمريكي)؟ لنستخدم عملة أخرى. أقترح أن تكون القروض مبنية على الذهب. فمع الدولار، يكون العالم دائمًا تحت ضغط أسعار الصرف. يجب أن ننقذ الدول والأمم من ضغط سعر الصرف هذا. فلم يكن الذهب أبدا أداة للقمع على مر التاريخ”.

وكانت وكالة “رويترز” قد ذكرت في وقت سابق أن “إيران تتحول من الدولار إلى اليورو في تعاملاتها الرسمية. وذكرت وسائل إعلام حكومية أن إيران ستبدأ في التعامل باليورو كعملة أجنبية بدلا من الدولار الأمريكي، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها للحد من اعتمادها على العملة الأمريكية بسبب التوتر السياسي مع واشنطن.

ويمكن للسياسة الجديدة أن تشجع الهيئات الحكومية والشركات المرتبطة بالدولة على زيادة استخدام اليورو على حساب الدولار. وكان محافظ البنك المركزي، ولي الله سيف، قد قال الأسبوع الماضي: إن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي رحب باقتراحه باستبدال الدولار باليورو في التجارة الخارجية، حيث إن الدولار ليس له مكان في تعاملاتنا اليوم.

وتحاول طهران منذ سنوات الابتعاد عن الدولار، رغم أن الكثير من التجارة الدولية في البلاد لا تزال تجرى بالدولار، ويستخدمه الإيرانيون العاديون للسفر والمدخرات.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد هدد بالخروج من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية ما لم تتم مراجعته. وسوف تستأنف العقوبات الأمريكية ما لم يحقق ترمب “تنازلات” جديدة لتعليقها في 12 مايو.

المعاملات المصرفية التي تنطوي على الدولار صعبة بالفعل بالنسبة لإيران لأن المخاطر القانونية تجعل البنوك الأمريكية غير راغبة في التعامل مع طهران. حيث يمكن أن تتعرض الشركات الأجنبية للعقوبات إذا قامت بصفقات إيرانية بالدولار، حتى لو كانت العمليات تشمل فروعًا غير أمريكية.

ونتيجة لذلك، ستبدأ فرنسا في تقديم ائتمانات مقومة باليورو للمشترين الإيرانيين لسلعها في وقت لاحق من هذا العام لإبعاد تجارتها عن عقوبات الولايات المتحدة، حسبما قال رئيس بنك الاستثمار الفرنسي، بيفيرانس، في فبراير الماضي.

وقد أدى تهديد العقوبات الأمريكية إلى زعزعة استقرار سوق العملات الأجنبية في إيران في الأشهر الأخيرة.

وقد خسر الريال الإيراني ما يقارب نصف قيمته في السوق الحرة بين (سبتمبر) الماضي والأسبوع الماضي، حيث انخفض إلى مستوى قياسي بلغ نحو 60 ألف ريال مقابل الدولار قبل أن تحدد السلطات سعر ثابت قدره 42 ألفاً، وحذر الإيرانيين من أنهم قد يواجهون عقوبات بسبب استخدام أسعار أخرى.

وألقى خامنئي باللائمة على الأعداء الأجانب في “القضايا الأخيرة في سوق العملات” وطلب من أجهزة الاستخبارات الإيرانية نزع فتيل المؤامرات ضد الجمهورية الإسلامية.

ونقلت “وكالة الطلبة للأنباء” عن المتحدث باسم الشرطة سعيد منتظر المهدي قوله: إنه تم القبض على 39 من مبادلات العملة “لعرقلة السوق” وتم إغلاق 80 متجراً للصرافة غير مرخص في الأيام الأخيرة.

المقال الثاني:

تركيا تسحب ذهبها من أمريكا.. كيف لذلك أن يؤثر على واشنطن؟

أولجا سامفورلوفا (*)

مؤخراً، اتخذت تركيا قراراً غير متوقع، يقضي بسحب احتياطي ذهبها الموجود في خزائن الولايات المتحدة وإعادته إلى أراضيها. لكن هذه ليست سابقة من نوعها، فقد حاولت بعض البلدان الأوروبية اتخاذ خطوات مماثلة، إلا أن محاولتها باءت بالفشل. اتخذت تركيا قراراً غير متوقع، يقضي بسحب احتياطي ذهبها الموجود في خزائن الولايات المتحدة وإعادته إلى أراضيها، وهل هذه أخبار حقيقية أم مجرد شائعات؟

وفقاً لما ورد في التقارير السنوية لمصادر رسمية، سحب البنك المركزي التركي الاحتياطي الخاص به من الذهب من نظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة. كما تشير الوثيقة إلى أنه في نهاية سنة 2016، كان احتياطي الذهب التابع للبنك المركزي التركي المخزن في البنك الفيدرالي الأمريكي يبلغ 28.689 طنا، بيد أن العمود الخاص بهذه الاحتياطيات لسنة 2017 لم يتضمن أي رقم.

حيال هذا الشأن، ذكرت صحيفة “ميليت” التركية أن أكبر البنوك الخاصة التركية قد سحبت احتياطياتها من الذهب بالخارج استجابة لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف “التخلص من ضغوط سعر الصرف واستخدام الذهب مقابل الدولار”.

ووفقاً لمصادر أخرى، لم يتم استعادة سوى 220 طناً من إجمالي الذهب التركي في الخارج.

في الواقع، لا تعتبر تركيا الدولة الأولى التي تقرر سحب احتياطي الذهب الخاص بها من الولايات المتحدة.

ففي نوفمبر 2015، قررت هولندا إعادة جزء من ذهبها المخزن في الولايات المتحدة. وفي تلك الفترة، طالبت هولندا باستعادة 120 طنا من الذهب أي ما يعادل نسبة 20 بالمائة من مجمل ذهبها (600 طن)، الذي تخزنه في البنك الفيدرالي في نيويورك. وقبل ذلك، كان الهولنديون يحتفظون بنسبة قليلة جدا من الذهب في وطنهم، وفي البنك المركزي في المملكة المتحدة وكندا.

وقبل سنتين، حاولت ألمانيا استعادة ذهبها من الولايات المتحدة، وطالبت بنحو 670 طناً من الذهب، إلا أنها لم تتلق سوى 37 طناً، وذلك بعد مرور سنة كاملة من مطالبتها بذلك.

وقد برر نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا التأخر بوجود بعض الصعوبات التقنية. وبناء على ذلك، لن يتم إعادة كل الذهب إلى ألمانيا حتى سنة 2020.

في الأثناء، قررت ألمانيا سحب ذهبها من فرنسا، وقد تمكنت من ذلك دون أي صعوبات أو تأخير. وفي وقت لاحق، ألغيت مسألة سحب احتياطي الذهب الألماني من الولايات المتحدة بطريقة غير متوقعة، إذ تخلت برلين عن الفكرة بتعلة أن نقل الذهب مكلف للغاية فضلا عن ثقتها التامة في الولايات المتحدة.

في حقيقة الأمر، أثارت هذه القضية السؤال التالي: هل يوجد ذهب فعلاً في خزائن الولايات المتحدة الأمريكية ولا سيما في قلعة فورت نوكس؟

بطبيعة الحال، من المستحيل التحقق من ذلك، خاصة وأن الولايات المتحدة لا تسمح بدخول أي شخص إلى خزائنها الواقعة تحت الأرض، بتعلة الإجراءات الأمنية المتشددة.

وبناء على هذا المعطى، لم يقم أي شخص بالتحقق من الأمر، ولعل ذلك ما دفع المحلل كيريل ياكوفينكو التابع لشركة “ألور بروكر” إلى التساؤل: “كم تبلغ كمية الذهب الموجود في خزائن الولايات المتحدة؟ لا أحد يعلم”.

كما يعتقد آخرون أن خزائن الولايات المتحدة قد تنفذ من الذهب لفترات طويلة، لأنه يمكن رهنها أو بيعها.

وعموماً، لا تخزن الولايات المتحدة ثمانية آلاف طن من الذهب فقط، وإنما أكثر من ذلك بكثير، خاصة أنها تخزن ذهب العديد من بلدان أوروبا الغربية.

فكيف حصل ذلك، ولماذا اختارت أوروبا خزائن الولايات المتحدة على وجه التحديد؟

بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الدول الأوروبية تحاول إعادة بناء اقتصادها، مع العلم أن العملة الأوروبية الموحدة لم تكن موجودة آنذاك، من خلال تكوين احتياطي من الذهب بصفة تدريجية حتى تتمكن من أخذ القروض.

أما الأمريكيون، فقد شرعوا في جمع احتياطي من الذهب في عهد الكساد الكبير؛ ففي تلك الفترة أجبرت السلطات الأمريكية الأفراد والكيانات القانونية على إيداع كل الذهب الذي لديها لصالح الخزانة العامة للدولة.

وبهذه الطريقة، سرعان ما تحولت الولايات المتحدة إلى دولة تتمتع بأكبر احتياطي من الذهب. لكن، لماذا تتعامل الولايات المتحدة مع هذا الأمر بسرية تامة؟

وما الذي قد يحدث في حال كُشف عن كميات الذهب الحقيقية المخزنة في الولايات المتحدة؟

ولهذا السبب، عندما تطالب تركيا أو ألمانيا باستعادة ذهبها، فإن الكمية المطلوبة من الذهب قد تكون على الأرجح غير متوافرة في الخزائن الأمريكية.

وحسب رئيس قسم المالية والتنمية الاقتصادية، مكسيم خاريتونوف، فإنه إذا حصلت السوق العالمية على معلومات كاملة بشأن وجود الذهب من عدمه في البنك الفيدرالي الأمريكي، فإن سعر الذهب يمكن أن يرتفع، ناهيك عن أن التزامات النظام الاحتياطي الفيدرالي تجاه تركيا وألمانيا سترتفع بشكل حاد، ما قد يؤدي إلى اندلاع أزمة عالمية.

إن مسألة المطالبة باحتياطي الذهب من البنك الفيدرالي الأمريكي ليست قضية مالية فحسب، بل تدخل فيها العديد من الحسابات السياسية أيضاً.

وفي حين أثبتت الولايات المتحدة قدرتها على ممارسة الضغط على اقتصادات دول أخرى من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، مازالت قدرة تركيا على الضغط على الولايات المتحدة من خلال الاحتياطي الفيدرالي محدودة للغاية.

وفقاً لخاريتونوف “تكمن المشكلة أيضاً في أن الذهب يقاس بسعر الدولار، الذي (الدولار) يخضع سعره بدوره إلى التلاعب من قبل النظام الاحتياطي الفيدرالي. لذلك، من الممكن أن تستمر اللعبة مع طلبات الدول لسحب ذهبها، وهذا يعني حجب المعلومات الحقيقة حول كمية الذهب المخزن في الولايات المتحدة لمدة تتراوح بين أربع إلى ثمان سنوات أخرى”.

فهل يعتبر قرار تركيا بسحب ذهبها من الولايات المتحدة منطقيا على المستوى الاقتصادي؟

في هذا السياق، أكد رئيس المحللين في المجموعة المالية “كاليتا”، أليكسي فيازوفسكي، أن “العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة تشهد توترا منذ وقت طويل. وقد تفاقم هذا التوتر بسبب تجاهل واشنطن تسليم المعارض التركي للرئيس رجب طيب أردوغان، فتح الله جولن المقيم في الولايات المتحدة إلى أنقرة، بعد اتهامه بمحاولة الانقلاب الفاشلة”.

ونقلا عن قناة “روسيا اليوم” الروسية، أشار الخبير والمستشار في معهد التنمية الاقتصادية نيكيتا ماسلنيكوف، إلى أن “تركيا تشهد العديد من الخلافات العميقة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بسوريا، وقد يكون هذا القرار رسالة دبلوماسية من تركيا إلى إدارة البيت الأبيض حول التناقضات الثنائية القائمة في سوريا، أبرزها دعم الأكراد الذين تعتبرهم تركيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي. ومن الممكن القول إن الأتراك يحثون الولايات المتحدة على احترام موقفهم السياسي”.

إلى جانب ذلك، يعتقد فيازوفسكي أن السلطات التركية تفكر فيما قد يحدث لذهبها، في حال وصلت العلاقات التركية الأمريكية إلى نقطة الغليان؛ فمن المحتمل أن تصادره الولايات المتحدة أو تتخذ بخصوصه أي إجراءات أخرى. ولذلك، من المنطقي أن تطالب تركيا باستعادة ذهبها الآن، طالما أنه مازال بإمكانها ذلك.

في هذا الصدد، أضاف فيازوفسكي قائلاً: إنه “في سوق الذهب العالمي ككل، من غير المحتمل أن يكون لقرار تركيا بسحب ذهبها من بنك الفيدرالي أي تداعيات، بيد أنه قد يكون لإعادة هذا الذهب إلى تركيا تأثير كبير لدعم العملة التركية. وعندما يكون الضامن في شكل احتياطي هام من الذهب، فإن ذلك سيؤثر حتما بشكل إيجابي على الشعب التركي”.

في شأن ذي صلة، اقترح زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي في روسيا، فلاديمير جيرينوفسكي، أن تحذو روسيا حذو تركيا وتسحب احتياطياتها من الولايات المتحدة. ولكن روسيا لا تحتفظ بأي ذهب في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن جيرينوفسكي يحيل على سندات دين الحكومة الأمريكية. فروسيا تملك سندات بقيمة 100 مليار دولار، بالإضافة إلى الاستثمارات الروسية في الاقتصاد الأمريكي التي تقدر بحوالي 400 مليار دولار.

في هذا الإطار، أشار ألكسي فيازوفسكي إلى أن “روسيا حققت مؤخرا رقما قياسيا، فلدينا أكثر من 1800 طن من الذهب المستخرج من روسيا، بمعدل إنتاج يصل إلى 300 طن في السنة الواحدة. يشتري البنك المركزي الروسي ثلثي هذا الإنتاج، وهذا يعني أنه لا أحد سيطالبنا بهذا الذهب أو حجبه لأنه ملك لنا وفي خزائننا”.

لطالما كان الذهب الملاذ الآمن للمستثمرين في الفترات الاقتصادية أو السياسية الحرجة. ومنذ بداية سنة 2018، ارتفعت قيمة الجرام الواحد من الذهب من 300 روبل إلى ما بين 2600 و2700 روبل. كما يشهد سعره بالدولار ارتفاعا أيضاً.

 

 (*) صحفية روسية تعنى بالشأن السياسي.

Exit mobile version