“المجتمع” ترصد أحداثاً مذهلة لشباب وعوائل هاجرت من غزة

 

– سياسي فلسطيني: مَنْ سيقاوم الاحتلال ويحافظ على القضية إذا تم تفريغ المجتمع وهجرة الشباب للخارج؟

– 51.8 % سيوافقون على الهجرة إذا أتيحت لهم في مقابل 48.2% يرفضون ذلك

– 73.4 % من الشباب يرون أنه إذا انتهى الانقسام وتحققت المصالحة يمكن أن يحققوا أهدافهم دون أن يهاجروا

 

«غزة.. أحبها فهي بلد الصمود والمقاومة، لكن لا أجد فيها فرصة لتحقيق حلمي، الانقسام والبطالة والحصار يطاردني، وفشلت في الحصول على فرصة عمل على الرغم من مرور عقد على تخرجي، سافرت لتركيا للهجرة من هناك لأوروبا، ولكن نجوت من الموت من المهربين والقراصنة، وعدت لغزة، لكن هناك كثيراً نجحوا ووصلوا لدول أوروبية».. هكذا لخص الشاب محمد عودة لــ»المجتمع» أسباب هجرته مثل كثير من الشباب في غزة، فهو واحد من آلاف الشبان الذين فكروا بالهجرة، ومنهم من نجح ووصل لتحقيق حلمه واستقر في أوروبا، بعد أن واجه الموت والأمواج العاتية، وقراصنة البحر، في طريق الوصول لتحقيق حلمه.

يقول الشاب محمد عودة لـ»المجتمع»: إنه حاصل على ماجستير ولم يوفق في الحصول على فرصة عمل، بسبب الأوضاع المتردية في غزة، فالشباب تحطمت أحلامهم بعد أن وقعوا تحت فكي حصار الاحتلال والانقسام الفلسطيني.

وتابع: عام 2017م حصلت على تأشيرة سفر سياحية لتركيا، للتوجه من هناك عبر البحر لليونان، ومن ثم إلى أي دولة أوروبية، وقد كانت الرحلة مكلفة للغاية، ودفعت تنسيقاً للجانب المصري –تعادل تأشيرة سفر- للمرور عبر معبر رفح البري 3 آلاف دولار.

وأضاف عودة: وصلت لمدينة إسطنبول، وذهبت لمكتب متخصص بالتأمين لوضع الأموال التي يحتاجها المهرب كضمانة يأخذها من أجل نقلي من تركيا إلى اليونان، وهناك تعرضت للأسف لعملية احتيال من مكتب التأمين، الذي أوهمني بأنه يستطيع أن يؤمّن لي رحلة الوصول إلى اليونان، ولكنه تبين أنه مخادع، وتعرضت لعملية نصب بـ3500 دولار، وقد سلب هذا المبلغ، وهي تكلفة السفر التي كنت سأحتاجها من تركيا إلى اليونان، التي تدفع للمهربين.

وأضاف: بعد أن تعرضت لعملية الاحتيال عدت لغزة، ولم يتغير أي شيء، وتحطمت الأحلام التي كنت أتطلع إليها، بعد أن مكثت في إسطنبول لمدة شهرين حاولت من هناك الانطلاق لأوروبا، ولكن فشلت في الوصول، وتعرفت في إسطنبول إلى شباب عرب وفلسطينيين كثر يريدون السفر إلى أوروبا، ولكن على الرغم مما حدث سأحاول تكرار التجربة مرة أخرى من أجل أن أحقق ما كنت أحلم به.

رحلة الهجرة للبرازيل

حال الشاب عودة تختلف عن حال الشاب محمد أبو شارب الذي نجحت رحلة هجرته في أن يصل إلى البرازيل، ويبدأ رحلة حياة جديدة رغم الصعاب التي واجهته، من حيث اللغة والحياة الجديدة والمجتمع الذي يختلف عن المجتمعات الإسلامية والعربية في جوانب الحياة خاصة الاجتماعية.

ويقول أبو شارب لــ”المجتمع”: أنهيت دراستي في كلية الإعلام بغزة تخصص إذاعة وتلفزيون عام 2013م، ولم أستطع الحصول على فرصة عمل، حاولت دون جدوى، إلى أن قررت أن أبحث عن فرصة حياة جديدة، فتوجهت للبرازيل بعد رحلة عناء وتحضيرات استمرت لأشهر، تبدأ بمعاناة الحصول على تأشيرة، ثم الانتظار حتى فتح معبر رفح والتكلفة المالية العالية لهذه الرحلة، إلى أن استقرت بي الحال الآن في مدينة فورتليزا بالبرازيل، مؤكداً أنه يشعر حالياً بالحنين لغزة ولشوارعها وشعبها المقاوم، ويتابع أخبارها يومياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ظروف الحصار والفقر والبطالة هي التي دفعته كغيره من الشباب لمغادرتها.

في هذا السياق، يتحدث لـ”المجتمع” الشاب “أ.ع”، قائلاً: تركت غزة أنا وزوجتي، لأنني وصلت لمرحلة لا أستطيع أن أوفر لقمة عيش لأسرتي، فأنا متزوج منذ عام ونصف عام، وخريج جامعي، وهي خريجة كذلك من كلية التمريض، قررنا معاً أن تبيع زوجتي مصاغها، من أجل توفير الأموال لرحلة الهجرة التي تحتاج لأموال كثيرة، وبعت مصاغ زوجتي ودفعته من أجل التنسيق على الجانب المصري للعبور عبر معبر رفح للوصول إلى تركيا محطة الهجرة.

وأشار إلى أنه بعد أن وصل لتركيا احتاج أموالاً طائلة لنقله بواسطة مهربين لليونان، واستدان من الأصدقاء والأهل من أجل أن يواصل طريق المشقة والبحث عن المجهول هرباً من الفقر والبطالة والانقسام والحصار في غزة، إلى أن استقرت به الحال الآن في اليونان في مخيمات اللجوء هو وزوجته.

رحلة موت مريرة -كما يقول- يتجرع طالب الهجرة الذل والإهانة، فأوروبا ليست -كما يقال عنها- جنة، بل هي طريق معبد بالأشواك.

الشباب يواجه الموت

على الصعيد ذاته، يقول السياسي الفلسطيني والأسير المبعد فهمي كنعان، المتواجد حالياً في إسطنبول، لـ»المجتمع»: الشباب الفلسطينيين في تركيا يتعرضون لعمليات احتيال من القراصنة والمهربين، وعلى الشباب أن يدركوا أن الطريق إلى أوروبا خطير للغاية، فهم يواجهون الموت كل يوم، وأنا شاهدت هنا في تركيا عمليات نصب واحتيال كثيرة، لذلك يجب عليهم الحذر من الهجرة فطريقها قاتل، ينتهى بأشكال مؤلمة قد تكون الاعتقال أو الإصابة أو القتل من قبل المهربين، وقليل من الشباب يكون محظوظاً، ويستطيع الوصول لليونان عبر البحر.

وأكد كنعان أن عليهم أن يدركوا أن المجتمع بحاجة إليهم، فمَنْ يقاوم الاحتلال ويحافظ على مشروع القضية الفلسطينية إذا تم تفريغ المجتمع وهجرة الشباب للخارج؟

الهجرة ضربة للمقاومة

وتعليقاً على هذا الأمر، يقول السياسي الفلسطيني أحمد أبو السعود لـ»المجتمع»: من أسباب الهجرة للشباب الفلسطيني الانقسام وآثاره المدمرة على المجتمع وخاصة الشباب، وحالة الفصام بين الأحزاب والفصائل، مشيراً إلى أن هجرة الشباب تؤدي لإفراغ المجتمع من عناصره القوية؛ فهم عماد المجتمع الذي يعول عليه في إمساك زمام الواقع ورفعته، فغياب الشباب عن المجتمع الفلسطيني يعني غياب المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني، فراغ الساحة ممن يحول دون فرض تصفية للقضية الفلسطينية.

وأشار أبو السعود -وهو أسير محرر قبع داخل سجون الاحتلال نحو 25 عاماً- إلى أن المخاطر كثيرة وعديدة في هجرة الشباب، فهو يعني ضياعهم وانعدام عودتهم، واستمرار الهجرة سيقود لهلاك وموت المجتمع للأسف، لذلك يحتاج المجتمع للحاق بحاله لمنع موته المبكر برحيل شبابه.

من جانبه، قال مدير مركز الدراسات وقياس الرأي العام في جامعة الأقصى بغزة إبراهيم صالحة لـ»المجتمع»: إنه نفذ استطلاعاً تحت عنوان «أسباب هجرة الشباب وتداعياتها على المجتمع الفلسطيني»، أجراه مركز الدراسات وقياس الرأي في جامعة الأقصى بغزة، خلال الفترة الواقعة ما بين 5 – 10 يوليو 2018م، توصل إلى أن نسبة 92.2% من أفراد العينة التي أجريت عليهم الدراسة يعتقدون أن هجرة الشباب أصبحت ظاهرة في قطاع غزة.

وأشار صالحة إلى أن أفراد عينة الاستطلاع مستعدون للهجرة، إذا تم عرض ذلك عليهم خارج الوطن، حيث أجاب 51.8% من أفراد العينة بأنه في حال تم العرض عليهم الهجرة فإنهم سيوافقون، في المقابل 48.2% من عينة الاستطلاع أفادوا أنهم لا يوافقون على الهجرة خارج وطنهم.

وأكد صالحة أن 83.7% من أفراد العينة أكدوا أن أهم الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى رغبة الشباب للهجرة هي أسباب اقتصادية، وأن أكثر ما يحفز الشباب للهجرة خارج الوطن هي البطالة والانقسام الداخلي، فقد أفاد 69.8% من أفراد العينة أن استمرار الانقسام الفلسطيني وانتشار البطالة وعدم توافر الخدمات الأساسية هي أكثر العوامل التي تحفز الشباب للهجرة.

كما بينت نتائج الاستطلاع أن نسبة 73.4% يرون أنه في حال انتهى الانقسام وتحققت المصالحة الفلسطينية يمكن أن يحققوا أهدافهم دون أن يهاجروا خارج الوطن، في المقابل أفاد 74.2% من أفراد عينة الاستطلاع أن النتائج المترتبة على هجرة الشباب ستكون سلبية على المجتمع الفلسطيني.

وعن العلاقة بين هجرة الشباب وأهداف الاحتلال «الإسرائيلي»، أفاد 92.2% من أفراد العينة أن هجرة الشباب الفلسطيني خارج الوطن تتفق مع أهداف الاحتلال «الإسرائيلي».

وتعد قضية هجرة الشباب من غزة قضية شائكة تحتاج لحلول سريعة، من خلال توفير فرص عمل للشباب، وإزالة كل المسببات التي تجعل الشباب يفكر في الهجرة، لأن استمرار هذه الظاهرة -وفق الباحثين- سيكون له تبعاته المدمرة على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وسيستفيد منها الاحتلال بالدرجة الأولى.

Exit mobile version