الانتخابات الباكستانية.. وتداعياتها المحتملة على دول الخليج

شهدت باكستان، الأربعاء الماضي 26 يوليو 2018م، انتخابات عامة وُصفت بالمصيرية، حيث دعي أكثر من 86 مليون باكستاني لاختيار نوابهم الـ342 في الجمعية الوطنية وممثليهم في المجالس الإقليمية الأربعة، وبعد ذلك يكلف الحزب الذي يتصدر النتائج الوطنية بتشكيل الحكومة على أساس ائتلاف يحظى بالغالبية إذا ما اقتضى الأمر.

وتشكل هذه الانتخابات انتقالاً ديمقراطياً تاريخياً في هذه الدولة الإسلامية العملاقة في جنوب آسيا التي تملك السلاح النووي، وكلف أكثر من 600 ألف عنصر أمني حماية مكاتب التصويت بسبب تهديدات حركة طالبان الباكستانية، فيما أوقع هجومان تبنتهما حركة “طالبان” في كراتشي وبيشاور عشرات القتلى والجرحى.

وتعتبر هذه الانتخابات تاريخية لأنها ستتيح لحكومة مدنية انتهت ولايتها تسليم الحكم إلى حكومة أخرى.. وهي المرة الأولى التي تتمكن فيها حكومة مدنية من إكمال ولايتها المحددة بـ 5 سنوات في هذا البلد الذي نال استقلاله في عام 1947 ويبقى تاريخه مطبوعاً بالانقلابات العسكرية.

وتنافس في هذه الانتخابات نحو 12 ألف مرشح على 949 مقعداً، 342 منها في البرلمان الاتحادي، والبقية في البرلمانات الأربعة الخاصة بأقاليم البنجاب والسند وخيبر وبلوشستان.

وسيدعى الحزب الذي يتصدر النتائج إلى تشكيل تحالف يحظى بالغالبية ويمكنه قيادة البلاد، وإذا تعذر عليه ذلك، ينتقل التكليف إلى الحزب الذي يحل في المرتبة الثانية، وفق نظام يفتح الباب لمشاورات كثيفة واحتمالات كثيرة بتشكيل تحالفات في الأسابيع المقبلة. من جانبها، أعلنت اللجنة الانتخابية الباكستانية أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت نحو 30%.

وفي هذا التقرير نرصد ونحلل المشهد السياسي الباكستاني في محاولة لقراءة نتائج هذه الانتخابات وتداعياتها المحتملة على دول الخليج.

الأحزاب السياسية الرئيسة

هناك ثمانية أحزاب رئيسية تشكل المشهد السياسي في باكستان وهي(1):

1- الرابطة الإسلامية الباكستانية: جناح نواز، هي واحدة من المجموعات المنشقة الكثيرة عن الرابطة الإسلامية الباكستانية التي كانت تشن تحت اسم سابق حملة ناجحة من أجل الفصل بين باكستان التي يقطنها مسلمون والهند التي تهيمن عليها أغلبية من الهندوس بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1947، وأسس نواز شريف حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز» عام 1993 اليميني الوسطي.

وشكل حكومة عام 1997 بعد الفوز في الانتخابات التي جرت في هذا العام، لكن أطيح به عام 1999 من قبل الجنرال برفيز مشرف في انقلاب أبيض، وبقي شريف في المنفى لمدة سبع سنوات. وفي الانتخابات العامة التي أجريت عام 2008 فاز حزبه بــ92 مقعداً وأصبح ثاني أكبر حزب في مجلس النواب.

2- حزب «الشعب الباكستاني»: هو حزب تقدمي يساري وسطي تمتع ببعض المثل الاشتراكية في عام 1967 وشكله ذو الفقار علي بوتو. وبعد إعدام بوتو بسبب ما يزعم من تورطه في جريمة قتل في عام 1979 على يد الحاكم العسكري ضياء الحق، أصبحت ابنته بنظير بوتو رئيسة للحزب حتى اغتيالها عام 2007. ويتولى ابنها بيلاوال بوتو زرداري حالياً زعامة الحزب، لكنه يمتنع عن شن حملة انتخابية لاعتبارات أمنية.

3- حزب «تحريك وإنصاف باكستان»: يعرف باسم «الحركة الوطنية من أجل العدالة في باكستان»، وتأسس هذا الحزب من قبل أسطورة الكريكيت الذي تحول للسياسة عمران خان عام 1996. وهو حزب يميني وسطي يجتذب معظم دعمه من الشباب في المناطق الحضرية.

4- حزب «الحركة القومية المتحدة »: كان يعرف في السابق باسم حركة «المهاجر القومية» وشكله الزعيم الحالي ألطاف حسين للنضال من أجل حقوق المتحدثين باللغة الأردية في كراتشي.

5- الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح قائد أعظم: هو حزب وسطي تشكل كفرع من حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز» لخوض انتخابات عام 2002 التي فاز فيها تحت الحكم العسكري لمشرف.

6- حزب «عوامي الوطني»: هو حزب يساري علماني تأسس عام 1986 لإثارة قضايا القوميين من البشتون في شمال غرب باكستان على طول الحدود الأفغانية، وحقق فوزاً تاريخياً بالعديد من المقاعد وانضم إلى حكومات ائتلافية، ومازال مؤثراً بشكل ما في المنطقة الشمالية الغربية من بينها إقليم خيبر-باختونخوا حيث تنشط عناصر “طالبان”.

7- حزب «جمعية علماء الإسلام» بزعامة العالم الإسلامي مولانا فضل الرحمن: وهو حزب يميني ديني يجتذب معظم دعمه من جماعات محافظة في المناطق الشمالية الغربية من البلاد والمناطق الجنوبية والغربية منها. وشارك الحزب في حكومات مختلفة، كان آخرها الحكومة الأخيرة بقيادة حزب «الشعب الباكستاني».

8- حزب «الجماعة الإسلامية» الباكستاني: يعد أكبر حزب يميني ديني في باكستان وقد تشكل خلال الحكم البريطاني قبل ستة أعوام من تقسيم واستقلال وقيام باكستان في عام 1947، ويسعى الحزب لتنفيذ الشريعة الإسلامية لكنه لم يفز على الإطلاق في أي انتخابات سابقة بشكل مستقل.

القوى الفاعلة في المشهد

لا تظهر حقيقة القوى الفاعلة المستترة والبارزة ووزنها في أي دولة إلا مع الهزّات السياسية التي تتعرض لها الدول، تمامًا كما تُظهِر الزلازل قوة البنى التحتية وضعفها للدول. ومع ما جرى ويجري في باكستان يتأكد ذلك، فثمّة طبقة صُلبة عسكرية أمنية إقطاعية بيروقراطية تُغلّفها طبقة رخوة سياسية، ومن ثم فالقرار في نهايته بأيدي قوى الدولة العميقة، وهي المتحكمة بأذرع سياسية ومالية وخارجية ودستورية وإعلامية واجتماعية واقتصادية.. إلخ.

ويمسك العسكر في باكستان بزمام الدولة العميقة، وثبت ذلك على مدى التاريخ الباكستاني إن كان بحسم الخيار بالانضمام للأمريكيين بعد الانفصال وتشكيل التحالفات الدولية ضد الشيوعية، أو بدعم المجاهدين الأفغان والانضمام للتحالف الغربي في الحرب على القاعدة وطالبان، أو ربما بحسم الحيادية في الصراع باليمن.

ولفهم طبيعة المشهد الباكستاني لا بد من البحث في الطبقتين: الطبقة العميقة ممثلة في الجيش والاستخبارات والإقطاعية والبيروقراطية والمدارس الدينية، والطبقة السطحية ممثلة في الأحزاب السياسية التي هي -في الغالب- أداة من أدوات الطبقة العميقة، وحين تشذّ عنها تدفع الثمن بالانقلابات عليها، كما حصل مرتين متساويتين على كل من حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية بين 1991- 1999(2).

المعركة الانتخابية الحالية

بحسب لجنة الانتخابات الباكستانية، يحق لـ105 ملايين و960 ألف ناخب المشاركة في الانتخابات العامة، ويتنافس نحو 12 ألفاً و27 مرشحاً، لحجز 849 مقعداً في كل من المجلس الفيدرالي، ومجالس الأقاليم، 272 مقعداً منها في المجلس الوطني الباكستاني (NA)، و577 مقعداً في مجالس الأقاليم. ومن ناحية أخرى، يختار نواب البرلمان أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 104 أعضاء، لمدة ولاية قدرها 6 أعوام، ويتولى المجلس الوطني مهمة التشريع بالبلاد، في حين يفوز بمنصب رئيس الوزراء، رئيس الحزب الأكثر نيلا للأصوات، إلا أنه يحتاج لنيل الدعم من 172 عضواً في المجلس الوطني لتشكيل الحكومة(3).

كيف توزع المقاعد؟

يضم المجلس الوطني 342 مقعداً، حيث يختار الشعب 272 عضواً منهم بشكل مباشر، في حين يخصص 60 مقعداً -من أصل 70- للنساء، والمقاعد العشرة الأخرى مخصصة لممثلي الأقليات الدينية، حيث تختار لجنة الانتخابات هؤلاء النواب من الأحزاب التي تتجاوز حاجز الـ5%، وتبلغ مدة ولاية الحكومة التي ستنبثق عن المجلس الوطني 5 أعوام، إذ يعد حزب الرابطة الإسلامية (PML-N)، الوحيد الذي أكمل مدة ولايته بعد فوزه في انتخابات عام 2013، ويتم تمثيل إقليم البنجاب، أكثر أقاليم البلاد اكتظاظاً بالسكان، بـ148 نائباً في المجلس الوطني، بينما يمتلك إقليم بلوشستان 14 مقعداً، وإقليم السند 61 مقعداً، وإقليم خيبر بختونخوا 35 مقعداً، في حين يمثل 14 نائباً المنطقة القبلية (FATA)، وبهذا يلعب إقليم البنجاب، الذي يضم نحو 60% من سكان البلاد، دوراً كبيراً في حسم الانتخابات وتحديد الحكومة المقبلة، كما تمتلك الأقاليم الأربعة في البلاد، مجالس إدارية خاصة بها، حيث تتضمن أيضاً مقاعد للنساء، ولممثلي الأقليات الدينية، ويبلغ إجمالي تعداد مقاعد مجالس الأقاليم الأربعة، وهي البنجاب، والسند، وبلوشستان، وخيبر بختونخوا، 728 مقعداً، حيث يساهم الشعب في اختيار 577 ممثلاً فيها بشكل مباشر، ويعد عدد مقاعد مجلس إقليم البنجاب هو الأكبر بـ297 مقعداً، يليه مجلس إقليم السند بـ130، ثم خيبر بختونخوا بـ99، وأخيراً مجلس إقليم بلوشستان بـ51 مقعداً. وخلال مايو الماضي، جرى إلحاق منطقة القبائل إلى مجلس إقليم خيبر بختونخوا، حيث ستمتلك المنطقة في المجلس 24 مقعداً، إلا أن الممثلين في هذه المقاعد سيبدؤون مهامهم عقب الانتخابات المحلية المقبلة العام القادم.

المشهد العام قبل الانتخابات

خلال العقود الثلاثة الماضية كانت السلطة محصورة بين حزب الشعب والرابطة الإسلامية بالتناوب تقريباً، وجرى حل حكومات الحزبين المنتخبة أكثر من مرة بتهم الفساد، بمعنى أن ظاهرة الفساد متجذرة في الحياة السياسية بباكستان، وربما هذا ما رفع أسهم عمران خان وحركته في المحطات الانتخابية التي شاركت فيها منذ انطلاقتها عام 1996.

وبعد أن فشلت الحركة في مشاركتها الأولى عام 1997 في دخول البرلمان نجح عمران خان في تأمين مقعد وحيد له شخصياً في انتخابات 2002، ولم تسجل الحركة حضوراً تحت قبة البرلمان عام 2008 بسبب مقاطعتها الانتخابات، إلا أن انتخابات عام 2013 شهدت قفزة واسعة للحركة بحصولها على 35 مقعداً وبنسبة 16% من الأصوات لتصبح القوة السياسية الثالثة في البلاد(3).

“ويعود الموسم الانتخابي بعد سنوات خمس تبدلت فيها علاقاتها الدولية حيث تراجعت العلاقات مع واشنطن إلى أسوأ أحوالها، لتجد الأحزاب السياسية الكبيرة نفسها في وضع لا تحسد عليه، فهذا نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية، أكبر الأحزاب السياسية في باكستان، يقبع في السجن، هو ومن يُفترض أن تكون وريثته السياسية ابنته مريم نواز”(4).

فقد حكم عليهما مطلع الشهر الجاري بالسجن مع الغرامة المالية جراء إدانتهما بالفساد وشراء عقارات فاخرة في لندن من مصادر غير مبررة، وعادا قبل أسبوعين تقريباً من موعد الانتخابات العامة وسلما نفسيهما للسلطات القضائية طوعياً.

أما عمران خان، زعيم حزب الإنصاف والمعارض الأبرز لعائلة شريف، فيطمع في أن يشكل الحكومة هذه المرة بنفسه دون التحالف مع أي حزب آخر، فقد تلقى ضربة موجعة ليست أقل إيلاماً مما تعرض له شريف، حين أصدرت طليقته السابقة رهام خان كتاب سيرتها الذاتية، الذي تتهم فيه زوجها، لاعب الكريكت السابق، بفضائح أخلاقية وتتهمه بتعاطي الكوكايين والمخدرات”(5).

الأجواء العامة للانتخابات

أجريت الانتخابات في ظل إجراءات أمن مشددة، حيث نشر الجيش نحو 330 ألفاً من جنوده، بالإضافة إلى نحو نصف مليون من أفراد الأمن، بيد أن ذلك لم يحل دون حدوث المزيد من الهجمات الدامية، حيث استهدف تفجير انتحاري الأربعاء 26/ 7/ 2018 مركز اقتراع في مدينة كويتا عاصمة إقليم بلوشستان (جنوب غربي باكستان)، مما أسفر عن مقتل 31 شخصاً وجُرح 35 آخرون.

ونقلت وكالات الأنباء عن قائد شرطة الإقليم أن منفذ الهجوم حاول دخول مركز الاقتراع لكنه فجر نفسه عندما استوقفته الشرطة التي كانت تشرف على تأمين المركز، وكانت الحملة الانتخابية شهدت هجمات دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 180 شخصاً -بينهم 3 مرشحين- وإصابة آخرين، وتبنى “تنظيم الدولة الإسلامية”، وحركة “طالبان باكستان” بعض تلك الهجمات(6).

نتائج الانتخابات

أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز حزب عمران خان بما مجموعه 114 مقعداً في البرلمان متصدراً منافسيه، ثم حزب “الرابطة الإسلامية” بـ63 مقعداً، في حين حصل “حزب الشعب الباكستاني” على 43 مقعداً، بحسب نتائج أولية أعلنتها اللجنة الانتخابية في البلاد، يوم الجمعة 27/ 7/ 2018(7).

موقف الأحزاب من النتائج

أعربت الأحزاب السياسية في باكستان، يوم السبت 28/ 7/ 2018، عن رفضها نتائج الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها حزب “حركة الإنصاف” بزعامة بطل الكريكت السابق عمران خان، وطالبت الأحزاب في بيان مشترك بإجراء انتخابات جديدة بدل تلك التي شهدتها البلاد يوم الأربعاء الماضي، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”.

ومن بين هذه الأحزاب: حزب “الرابطة الإسلامية – نواز” بقيادة شهباز شريف، و”حزب الشعب الباكستاني” بزعامة “بيلاوال بوتو زرداري”، وندد شريف بما أسماه “عملية تزوير واضحة تعيد باكستان 30 عاماً إلى الوراء”، معتبراً أنه “ضحية مؤامرة بين الجيش والقضاء لإبعاد الحزب عن السلطة”(8).

وقال بوتو زرداري، الذي حل حزبه ثالثاً في الاقتراع: إنه يرفض نتائج الانتخابات، لكنه أشار إلى أنه سيسعى لإقناع التشكيلات السياسية الأخرى بالمشاركة في البرلمان.

ردود أفعال باكستانية داخلية

خرج رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف في تصريح من داخل سجنه، اتهم بالتلاعب بالانتخابات الباكستانية لمصلحة رئيس حزب حركة الإنصاف، حسب ما نقلت صحيفة “باكستان توداي” السبت 28/ 7/ 2018 وقال شريف: “الانتخابات الباكستانية سُرقت لمصلحة رئيس حزب “حركة الإنصاف” عمران خان”، دون أن يشير إلى طرف بعينه.

ردود الأفعال الدولية

أعرب مراقبين للاتحاد الأوروبي عن قلقهم ممَّا سموه “قيوداً على حرية التعبير، وأن الاقتراع لم يكن بنفس مستوى انتخابات 2013″، كما أعربت الولايات المتحدة، أيضاً، عن قلقها من “العيوب” التي شابت عملية التحضير لهذه الانتخابات.

ردود أفعال خليجية

عبرت أوساط سعودية قريبة من العائلة الحاكمة عن عدم رضاها عن نتائج الانتخابات في باكستان، وخشيتها من الحكومة القادمة وعلاقاتها على المملكة، وخرج الأمير السعودي خالد بن عبدالله آل سعود، بتغريدة على حسابه عبر “تويتر”، عقب فوز عمران خان وحزبه، قال فيها: “الله يستر منه، يقال: إنه ذنب من أذناب طهران”، ولكن هذه التغريدة سرعان ما تم حذفها من الحساب ولم تعد موجودة.

ولم تكن هذه التغريدة للأمير السعودي الوحيدة التي تعبر عن سخط المملكة من عمران خان، حيث صرح سابقاً الأمير خالد بن عبدالله آل سعود، لصحيفة “عكاظ” الرسمية، ووصف خان بأنه “مندوب قم في إسلام آباد”، وذلك في إشارة إلى علاقاته مع إيران(9).

لماذا ترفض السعودية عمران خان؟

اشتهر عمران خان بأنه معارض لسياسات بلاده مع الولايات المتحدة والسعودية، وهو ما جعله تحدياً للرياض، في خلال السنوات الأخيرة، باكراً، بدأ الإعلام السعودي، في خلال السنوات الأخيرة، حملته الدعائية ضد خان، ففي يناير 2016 وصفته صحيفة «عكاظ» بأنه «مندوب قم في إسلام آباد»(10)، وأنه أدى دوراً كبيراً في تأليب الرأي العام ضد المملكة في أروقة البرلمان الباكستاني، وذلك بعد معارضته لأي مشاركة باكستانية في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فمع بدء التدخل السعودي في اليمن، وفيما كانت الرياض تحشد «إسلامياً» للحسم مع الحوثيين في اليمن، كان خان يدعو إلى أن تؤدي باكستان دوراً قيادياً في المفاوضات والمساعدة في محادثات السلام، بدلاً من أن تصبح أحد المشاركين في الحرب، في ردّ على تصريحات رئيس الوزراء حينها، نواز شريف، الذي تعهد بالدفاع عن السعودية، معتبراً أن الدفاع عن سيادتها الإقليمية هو جزء أساس من سياسة باكستان الخارجية، حسب تعبيره.

العلاقات الباكستانية الخليجية

تعتبر العلاقات بين السعودية وباكستان علاقات إستراتيجية حيث تعمل السعودية وباكستان على عدة أصعدة حالياً، لتعزيز العلاقات، وإضفاء طابع رسمي إليها، بعد أن كان يحددها تاريخياً طبيعة العلاقات بين الملوك في الرياض ورؤساء الحكومات في إسلام آباد، وفقاً لما ذكره المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني، وكان الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للمخابرات العامة السعودية، قد وصف سابقاً العلاقات بين السعودية وباكستان بأنها «ربما تكون من أوثق العلاقات في العالم بين بلدين من دون أية معاهدة رسمية»، ولفترة طويلة، اتَّسمت العلاقات بين البلدين بتدفق رؤوس الأموال من جانب المستثمرين السعوديين، مقابل التعاون العسكري، فوفقاً لآخر الإحصائيات المتاحة وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في الفترة من منتصف عام 2012 إلى منتصف عام 2013 إلى 5 مليارات دولار.

وفي يناير 2018، تعهَّدت السعودية وباكستان بتعزيز العلاقات الاقتصادية بتوقيع اتفاق تجارة تفضيلية، في إطار خطة ولي العهد محمد بن سلمان «رؤية 2030»، وأرسل السعوديون مؤخراً وفدين بارزين إلى باكستان، بهدف استكشاف فرص استثمارية تجارية والعلاقات الدفاعية، ومشاركة معلومات استخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب، وتشكيل مجموعات عمل استراتيجية تكون معنية بالتطور الذي تشهده العلاقات مستقبلاً، وأعلنت السعودية كذلك مؤخراً أنها ستنضم إلى الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان -وهو مشروع إستراتيجي متكامل يأتي جزءاً من برنامج تنمية باكستان «رؤية 2025»- إضافة إلى أنها تنظر في مباشرة استثمارات في ميناء جوادر الباكستاني؛ ما سيعزز التبادل التجاري بين البلدين(11).

وفي فبراير من العام الجاري، استقبل ولي العهد السعودي، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا، في العاصمة الرياض؛ لمناقشة العلاقات العسكرية الثنائية، مع التركيز على كيفية تعزيز وتنمية التدريبات العسكرية والمناورات المشتركة وتبادل الخبرات، والأبرز من ذلك هو أنَّ كلا البلدين أبديا اهتماماً ببناء علاقات أمنية مترابطة لا تتعارض مع علاقات أي منهما مع دول أخرى. فمن جانبها، تعمل السعودية على تعزيز الروابط الإستراتيجية مع الهند من دون المخاطرة بعلاقاتها مع باكستان. أما باكستان، فبرغم التقارب الأخير مع إيران، أكدت دعمها للمصالح السعودية في تصديها للتدخل الإيراني في أمنها الوطني وفي أمن الخليج. وفي المقابل، ساندت المملكة باكستان داخل منظمة التعاون الإسلامي في نزاعها مع الهند حول منطقة كشمير(12).

تداعيات النتائج على العواصم الخليجية:

هناك عدة أسباب تجعل من نتائج الانتخابات التي انطلقت الأربعاء الماضي، 25 يوليو 2018، في باكستان وتداعياتها المحتملة أكثر أهمية بالنسبة للعواصم الخليجية لا سيما الرياض، لما يلي:

1- أنَّ نتائج هذه الانتخابات ستشكل طبيعة العلاقات بين الدولة صاحبة الترسانة النووية وجيرانها في المنطقة، بل وغيرها من الدول، إذ يرون أنَّ المرشح الفردي أو الحزب السياسي الذي سيفوز في الانتخابات سيتعين عليه إعادة تقييم المنطقة جيوسياسياً، ويعيد تشكيل الكثير من العلاقات.

2- تدرك الكثير من العواصم الخليجية والشرق أوسطية خصوصاً الرياض أهمية دور إسلام آباد في الهيكل الأمني للمنطقة، ومن ثم سيتأثرون بنتائج الانتخابات في باكستان التي سيكون لها ما بعدها في طبيعة العلاقات مع الحكومة القادمة في حال تغيرها.

3- «باكستان هي شريك أساسي لدول الخليج وخاصة السعودية، وهناك جالية باكستانية ضخمة في هاتين الدولتين وغيرهما من دول الخليج، لذا تهتم الرياض وأبو ظبي بالتغيير السياسي الذي يطرأ عليها»، وسيكون من المثير رؤية رد فعل دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، إذا تولى السلطة حزب «حركة إنصاف» بقيادة عمران خان. فإلى الآن، تعامل السعوديون والإماراتيون مع الجيش الباكستاني والحكومة بقيادة حزب الشعب الباكستاني، وأخرى بقيادة الرابطة الإسلامية، وفي حال وصول حركة إنصاف إلى الحكم، فسيجدون أنفسهم في مواجهة شريك جديد في إسلام آباد»(13).

4- برغم الدور الدبلوماسي الحيوي الذي تضطلع به باكستان في منطقة الخليج، يتعين على دول هذه المنطقة التركيز على التعاون العسكري بين باكستان والكثير من الدول في الشرق الأوسط، إذ ستتغير هذه الأوضاع بالتأكيد مع وجود حكومة جديدة، إلا أن البعض يرى أن طبيعة العلاقات بين باكستان والسعودية تتجاوز تعلقها بحكومة سياسية معينة، فلطالما احتفظت الأنظمة الحاكمة التي توالت على باكستان بعلاقات طيبة مع السعودية.

5- باكستان بلد منقسم، فالشيعة هناك يقفون إلى جانب إخوانهم الإيرانيين، غير أنهم يشكلون نسبة 20% من مجموع السكان، أي 40 مليون نسمة، ويبقى السُّنة الأغلبية في البلاد التي تربطها علاقات وطيدة مع الرياض، ولكن في ظل وجود أقلية شيعية كبيرة العدد في باكستان فإنها مُعَرضة لخسارة الكثير إذا أُثيرت بداخله توترات طائفية وهذا سينعكس بالضرورة على توازن القوى والفاعلين في المشهد الباكستاني بما سيؤثر على طبيعة العلاقة مع الحلفاء في الخليج لاسيما السعودية.

6- من المتوقع في ظل هذه التغيرات المحتملة أن يكون لإيران دور في تطور العلاقات مستقبلاً، إذ يرى بعض المراقبين أنَّ إيران ترغب في أن يقف النظام الحاكم في باكستان موقفاً حيادياً، وألا يستجيب لطلب الرياض بإرسال قوات للمشاركة في الحرب في اليمن، لاسيما أن باكستان بعثت برسالة واضحة مؤخراً، مفادها أنها لن تكون طرفاً في أي صراع بالمنطقة، مضيفة: «تشعر باكستان براحة أكبر بإقامة علاقات مع كل من السعودية وإيران». ويرون أن هناك توافق داخل مؤسسات الحكم في باكستان، وتحديداً الجيش، يدعم الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع إيران والسعودية، ولن تتضح حقيقة ما إذا كان سيستمر هذا الوضع أم لا، سوى بعد إعلان تسلم الحكومة الجديدة عملها بعد الانتخابات.

7- يرى بعض المراقبين أن وصول خان عزّز تراجع السياسية السعودية المتتالية آسيويًا، فبعد الانتخابات الماليزية التي أوصلت مهاتير محمد، إلى الحكم، مطيحًا بحليفها نجيب عبد الرزاق الذي اُعتقل بتهم فساد، وجهت الانتخابات الباكستانية ربما تراجعاً آخر للرياض، بحصول خصمها عمران خان (65 عامًا) على الأغلبية البرلمانية، مطيحًا بحليفها رئيس الوزراء السابق نواز شريف المسجون بتهم فساد هو الآخر(14).

8- يعتقد محللون أن المملكة تراهن أساسًا في هذه الدول وغيرها على النخب القديمة التي لها علاقات سياسية واقتصادية معها، وأن أي رياح تحول جديدة -بما فيها الانتخابات الديمقراطية- في هذه البلدان ستأتي بنخب جديدة وتوجهات ومواقف مختلفة ربما تقف موقف الخلاف مع السعودية، أما الشكوك السعودية المحيطة بصعود عمران خان فتأتي من خشيتها أن يقوم بإجراء محاكمات فساد ضد نواز شريف كحليف.

9- يرى مراقبون أن اتهام اثنين من حلفاء السعودية في أكبر البلدان الإسلامية في آسيا بالفساد يشير إلى أن صناديق الاقتراع المقرونة بتوجهات جديدة تقلل من فرص التفاهم مع السعودية دون فتح شكل جديد من التفاهمات(15).

10- يشكل فوز عمر خان تهديداً لشريك أساسي لباكستان وهو السعودية، فأكثر ما يقلق السعودية من خان العلاقة المتينة التي تربطه بإيران، إذ أكد في أول خطاب له عقب فرز النتائج أن الحكومة المستقبلية لحزبه ترغب في تعزيز وتطوير العلاقات مع الدول المجاورة، بما في ذلك الجمهورية الإيرانية، ويهدد فوز خان استمرار بقاء باكستان في التحالف العسكري الإسلامي الذي شكله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضم 41 دولة في العام 2015، وسيكون أبرز المؤشرات حول تراجع أو استقرار العلاقة مع السعودية في الفترة القادمة من حكم خان(16).

 

 

إعداد: وحدة الدراسات والمعلومات – مركز أفق المستقبل للاستشارات.

 

المصادر:

1- الأحزاب السياسية الرئيسية وزعماؤها في الانتخابات العامة الباكستانية، جريدة الأنباء، goo.gl/jVT5B8

2- المشهد السياسي الباكستاني: الأحزاب السياسية والدولة العميقة، الجزيرة نت، goo.gl/5ec629

3- فورين بوليسي: سيتغير عمران خان وليس السياسة الباكستانية، الجزيرة نت، وكالات، goo.gl/4YKXLe

4- انتخابات باكستان.. سلطة متغيرة وسياسة ثابتة، الجزيرة نت، goo.gl/WN4PGG

5- هل تؤثر نتائج انتخابات باكستان على علاقاتها بالصين وأمريكا؟ الجزيرة نت، goo.gl/BFd4mb

6- المصدر السابق بتصرف.

7- تشكيك بنزاهة انتخابات باكستان قبل إعلان النتائج، وكالات، goo.gl/uUYN1f

8- هل يهدد فوز “عمران خان” بالانتخابات علاقة باكستان مع السعودية؟، الخليج أونلاين، goo.gl/szbaUv

9- عمران خان يتصدّر الانتخابات: صفعة آسيوية ثانية للسعودية، الأخبار، goo.gl/YjonXk

10- خان.. مندوب «قم» في إسلام أباد، صحيفة عكاظ، السعودية، goo.gl/hX2225

11- العلاقات العربية الباكستانية: نحو استراتيجية بناء جديدة يحكمها الحذر، العرب اللندنية، goo.gl/6WgspP

12- العلاقات السعودية الباكستانية، وكالا الأنباء السعودية واس، goo.gl/Wwc9e2

13- أحزاب باكستان ترفض فوز حزب “عمران خان” بالانتخابات البرلمانية، الخليج أونلاين، goo.gl/sb5546

14- بعد ماليزيا.. كيف خسرت السعودية المعركة الآسيوية الثانية؟ نون بوست، goo.gl/tfaYhE

15- المصدر السابق.

16- هل يهدد فوز “عمران خان” بالانتخابات علاقة باكستان مع السعودية؟ مرجع سابق.

Exit mobile version