«كأس العالم».. بطولة كروية أم عملية تجميل سياسية؟

نجح النازيون أيام «هتلر» في نشر دعايتهم في «أولمبياد» (النازي) سنة 1936م، حيث أعادت الألمان للحظيرة الدولية وجعلتهم يظهرون أكثر آدمية.

ألا يستحق كأس العالم الحالي مقارنة المثل بالمثل، حيث تحاول روسيا أن تنجح بتغيير وتجميل وجهها القبيح الذي تلوث بدماء إخواننا وأخواتنا في سورية بغارات طائراتها الحربية على المدنيين الأبرياء، ومحاولاتها المستميتة لمنع أي قرار في الأمم المتحدة يعاتب نظام «الأسد» الدموي.

سحرت روسيا أعين الناس وأنستهم جرائمها وسط ألوان الملاعب المزخرفة، وصيحات الجماهير المحتشدة، وهناك على حدود ليست ببعيدة شهداء قتلوا، وأطفال يُتموا، ونساء ثُكلوا، وجرحى قطعوا جراء الآلة الحربية الروسية في سورية.

إن كانت الرياضة وكرة القدم بالذات وسيلة للتعارف والمنافسة الشريفة، فليس هناك شرف على الإطلاق في موقف روسيا والعالم من قضايا العرب والمسلمين في فلسطين والعراق واليمن وسورية، بل حينها يكون العرس الرياضي في كأس العالم تزييناً للقبيح، وتغطية للمعاناة والجريمة.

التاريخ يعيد نفسه، فقد نظم الاتحاد السوفييتي عام 1980م «أولمبياد موسكو»، وهي تقتل المسلمين في أفغانستان، وتعذب المعارضة الداخلية، وها هي تسمم جواسيس بريطانيا الروس داخل أراضي بريطانيا.

وفرضت روسيا خلال «كأس العالم» عدة قوانين لمنع المظاهرات السياسية المعارضة، ولا بد من أخذ تصريح قبل أي تجمع.

ولكن عودة للتاريخ تذكرنا أنه عند خروج آخر رياضي عام 1980م من المطار، بدأت حملة شعواء للاعتقالات السياسية، وهذا ما يتوقع كذلك الآن.

وقبيل إشارة بدء المنافسة في «كأس العالم» أعلن مخرج الأفلام الأوكراني المسجون في سيبيريا الإضراب عن الطعام.

ولكثرة الكلاب في روسيا، لم تتورع السلطات قبيل «كأس العالم» أن تقوم بحملة إبادة جماعية للكلاب هناك! لتظهر الشوارع أكثر أمناً في المدن الاثنتي عشرة التي تقام فيها المباريات («الإندبندت» 9 يونيو).

في سانت بيتربرج (المدينة التي شهدت مباراة مصر وروسيا) كذلك قامت بحملة لتطهير المدن من الشحاذين، الذين ليس لهم مأوى وما أكثرهم (ستون ألفاً في هذه المدينة وحدها)، في محاولة لستر العورة القبيحة أمام جماهير الكرة، وفي كثير من الأحيان استخدمت القوة لإخراج المشردين الروس من محطات المترو وترحيلهم بعيداً عن اللوحة المصطنعة بألوان ملابس لاعبي كرة القدم.

أما الدعارة، وهي من أكثر الصناعات الروسية رواجاً، فقد تعرضت لضغوط من الشرطة في محاولة لتحسين صورة روسيا الداعرة، في استعراضها المزيف لـ»كأس العالم».

ولكن استمرت الدعارة خلال «كأس العالم» تحت حماية الشرطة إذا دفعت الداعرات ضريبة أو رشوة لأفراد الشرطة ليستمروا.

يقدر عدد الداعرات في روسيا بأكثر من مليون (أكثر من عدد الأطباء هناك)، ومع تسهيل التأشيرة في وقت «كأس العالم» يتوقع دخول آلاف من النساء للعمل في هذه المهنة البغيضة بالإكراه، يضاف إلى ذلك الكثيرات ممن يبعن أنفسهن نظير خدمة أو بضاعة.

وهناك تقارير من استخدام الداعرات لمخدر يوضع في الخمر ثم يجد الضحية نفسه بلا محفظة نقود، ولا أثاث في المكان، وقد يصوَّر خاصة إذا كان إنجليزياً (خاصة بعد التراشق السياسي الأخير منذ أزمة تسميم العملاء)، ويرسل المقطع لأهله في لعب سخيف شيطاني، تقوم به عصابات «المافيا» الروسية الحقيرة.

ليست جرائم الروس ضد المسلمين بأمر جديد، فقد احتلوا القرم وتركستان والقوقاز، وارتكبوا أبشع الجرائم والمجازر هناك، وكانوا يُنصّرون المسلمين عن طريق اختطاف أطفالهم حتى تقلص عدد المسلمين في القرم من خمسة ملايين إلى نصف مليون!

وهجَّر السوفييت شعوباً إسلامية بأكملها (القرم، الشيشان، الباشكير) إلى مناطق أخرى، حتى أبيد في عهد «ستالين» أكثر من أحد عشر مليون مسلم، واعتادوا هدم المساجد ومنع الحج واللباس الشرعي.

أما جرائم روسيا في الشيشان فلا تُنسى، فقد تعرض الشعب الشيشاني لأكثر من حملة إبادة مات خلالها نصفه، أما المقاتلون فقد جُمعوا في إسطبلات الخيول وسكب عليهم البترول وأحرقوا أحياءً، هذا غير التعذيب والتطهير العرقي والاختفاء والاغتصاب.

وقد انتقدت منظمات إنسانية كثيرة اختيار روسيا العاصمة الشيشانية مقراً للمنتخب المصري في «كأس العالم»، وقالت منظمة «العفو الدولية»: إن ما حدث عبارة عن «عملية غسيل سمعة بشكل رياضي»؛ حيث استغل الرئيس الشيشاني «رمضان قديروف» اللاعب المصري محمد صلاح والتصوير معه واستقباله في الملعب لتحقيق مكاسب سياسية وتحسين صورته، وهذا الرئيس الشيشاني المنشق عن المجاهدين والموالي لروسيا معروف بسجله القبيح في قمع المعارضين، وإن كنا لا ندري هل يعرف محمد صلاح هذا عن «قديروف» أم لا؟

وهناك غيره من الرؤساء والملوك ينتظرون ركوب موجة الجماهير لتعلن أن سياستها الرشيدة هي سبب دخول الهدف في المنافس!

وهكذا يستمر «كأس العالم» كلعبة سياسية غير أخلاقية، وهذا قد يبرر الدعوة التي ظهرت لمقاطعة شاملة لبطولة «كأس العالم» في روسيا، بعد موقفها من سورية، والصراع السياسي مع بريطانيا بشأن تسميم العميل الروسي السابق في بريطانيا.

في «كأس العالم» الماضي حظيت أحداثه بأعلى نسبة مشاهدة في العالم؛ حيث وصل العدد إلى 3.2 مليار مشاهد، وكان سكان العالم حينها (7.1 مليار) أي 45% من سكان العالم! ويتوقع أن يستمر ذلك هذه المرة، ومع رايات الجماهير وإعلانات الرعاة وحمّى المنافسة، هل ينسى المسلم تاريخه وواقعه في سكرة اللحظة؟ هل ينسى حقارة السياسة الروسية مهما حاولت أن تضع مساحيق التجميل الزائف للوجه القبيح.

«كأس العالم» يستحقه الشعب السوري البطل الذي قاوم طغيان «الأسد» وظلم «بوتين»، وهو يواجه فريقين شرسين في وقت واحد، وحكم المباراة الأمم المتحدة لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم!

Exit mobile version