تقرير “الحقوق والحريات” يحدث صدمة في المجتمع التونسي ويواجه حَزْماً من قياداته

آثار التقرير الصادر عن اللجنة والتي تطلق على نفسها “لجنة الحريات والمساواة” التي شكلها الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، الذي يسعى لجمع التناقضات الأيديولوجية، والفكرية، والسياسية، خلف زعامته، من خلال عملية ترضية تفتقد للمستوى الأدنى من الموضوعية والواقعية، حيث تمت ترضية اليسار التونسي بتنصيب بعض رموزه في مناصب حساسة لا سيما الدوائر الثقافية بالبلاد، وإطلاق العنان له في تغيير القوانين بما يناقض تعاليم الإسلام، وإرضاء أنصار النظام السابق من خلال ضرب هيئة الحقيقة والكرامة ومسار العدالة الانتقالية، في حين يحاول جاهداً وبغير طائل في هذا الظرف المحافظة على الدعم السياسي لخياراته السياسية والثقافية وحتى الحزبية من قبل حزب حركة النهضة، الذي أعلنت قيادته بما في ذلك زعيمها الشيخ راشد الغنوشي، ورئيس كتلتها في مجلس نواب الشعب التونسي، نور الدين البحيري، أن الإسلاميين قدموا تنازلات في السابق على حسابهم، لكنهم لن يقدموا أي تنازلات إذا تعلق الأمر بمصلحة البلاد وهوية الشعب، وقال البحيري: لن نوافق على ما يخالف كتاب الله وسُنة رسوله.

مقترحات خطيرة

رغم أن التقرير ضم بعض النقاط التي لا يمكن الخلاف حولها حول الحقوق والحريات، وهو ما يدعونا لتجاوزها، فإنه شمل نقاطاً كثيرة وصفت من قبل المختصين بالكارثة، وقال آخرون: إنها تتجاوز جرائم قوم لوط بمراحل، وقال آخرون: إن المقترحات هي نسخ لأحكام القرآن، وآياته المحكمة، وتحليل للحرام وتحريم للحلال، ومنها تسجيل ابن الزنا باسم أمه، وتمكينه من الميراث، وإلغاء عقوبة ممارسة البغاء السري بمقابل؛ وهو ما سيحول العمارات السكنية، والأحياء إلى ساحة إجرام، وفساد خلقي رغماً عمن لا يقبل.

ومنها كذلك إلغاء جميع العقوبات الزجرية بخصوص شرب الخمر وتعاطي المخدرات، وإلغاء عقوبة السجن بخصوص ارتكاب ممارسات غير لائقة بالطريق العام، ويشمل ذلك مشاهد التقبيل والعناق وإظهار جزء من العورة أو كلها في الشارع، وهو ما لا نجد له مثلاً في العالم، وإلغاء عقوبة اللواط والسحاق من القانون التونسي، مع السماح للشاذين أولئك بتكوين أسرة، وتبني أبناء؛ مما يعني ترك أطفال في قبضة مرضى سيتحولون بدورهم إلى مرضى إلى حد الجنون كما هو حاصل في حالات كثيرة في أوروبا خاصة.

ومنها أيضاً إلغاء العقوبات المفروضة على الجرائم الأخلاقية في السينما؛ بما يعني السماح ببث الأشرطة الجنسية الإباحية أو ما يطلق عليه أفلام “البورنو”، ليس ذلك فحسب، بل معاقبة من ينتقد ذلك الشذوذ وذلك الإجرام الممنوع في أعتى الأمم المتهتكة أخلاقياً حتى في هولندا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية، بالسجن والغرامة، والطرد من العمل، وهو إرهاب لا يعادله أي نوع من أنواع الإرهاب المعروفة.

وكذلك حذف كلمة الإسلام والمسلمين من جميع القوانين وكذلك الدستور، واستبدال ذلك إلى كلمة “مواطن”، معتبرين الانتماء للإسلام والمناداة بالصفة الدينية تمييزاً، ولم توضح اللجنة ما إذا كان ذلك خاصاً بدوائر بعينها أو يشمل حتى خطب الجمعة، حيث يخاطب الإمام الحضور بـ”يا أيها المسلمون ويا أيها المؤمنون”.

وإلغاء كل المنشورات المتعلقة بحظر فتح المقاهي والمطاعم في شهر رمضان المبارك والمجاهرة بالإفطار، والمساواة في الميراث بين المرأة والرجل؛ مما سيحدث بلبلة وفوضى وشحناء بين أفراد الأسرة الواحدة، بما في ذلك بين الأب والأبناء حيث يسمح له القانون بقسمة تركته في حياته كما يشاء، ولكن بعد الوفاة تقسم دون مراعاة الأمر الإلهي وما يحفظ الود والتواصل بين الإخوة والأخوات أو الأشقاء والشقيقات نظراً للعرف الاجتماعي السائد بما أن الشقيق والأخ ولي، ورفع ولاية الزوج والأب والأخ والعم والخال عن المرأة، وقد فسرها البعض بأن الزوجة والبنت والأخت تصبح في حل من أي اعتبار معنوي للأهل بما في ذلك الزوج والأب والأخ تفعل ما تشاء أينما تشاء وكيفما تشاء ووقت ما تشاء بما في ذلك المصادقة وجلب الصديق للمنزل دون حق الرفض أو الاحتجاج، فضلاً عن تغيير المنكر بالوسائل الشرعية والقانونية السارية، وتمكين المرأة من إعطاء لقبها العائلي، دون إذن زوجها، كما يمكن للمرأة إذا زنت أن تكتب ابنها باسمها، دون سؤال عن أب اللقيط.

ومنع الختان باعتباره شكلاً من أشكال التعذيب يعاقب عليه بالسجن 10 سنوات وخطية مالية بعشرين ألف دينار تونسي (نحو 9 آلاف دولار) واقترحت اللجنة ترك أمر الختان إلى حين بلوغ الطفل سن الرشد ليقرر بنفسه يختن أم لا، وفي حالة الطلاق يصبح المنزل على ملك الزوجة في القانون الحالي مشترك.

وإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء عقوبة ازدراء الأديان، وقانون الاعتداء على المقدسات، وإلغاء المهر، وإلغاء عدة المرأة بعد وفاة زوجها، وهي أمور هزت المجتمع التونسي، وأصبح حديث الجميع في كل الأماكن.

ردود أفعال العلماء

رغم أن اللجنة المشكَّلة من قبل رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي قد عملت جاهدة على ربط الانسلاخ القيمي الوارد في تقريرها بالمرجعية الإسلامية والزيتونية، وبالمعالجة المقاصدية، والاجتهاد في الشريعة الإسلامية بما يتلاءم مع ظروف العصر، وأحوال المسلمين حسب ما ورد في التقرير المضلل، فإن العلماء نفوا أي علاقة لما ورد في التقرير بأحكام القرآن والسُّنة وإجماع الأمة، أو الاجتهاد المعتبر.

وقال مفتي الجمهورية السابق حمدة سعيد لـ”المجتمع”: إن كل ما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة مخالف مخالفة صريحة وصحيحة لنصوص الدين لا فقط الظنية بل قطعية الدلالة، وتابع: يعرفون الحقيقة ويتعامون عليها ومصرون على السير في ذلك الطرق لأهداف الله أعلم ما هي.

وقال وزير الشؤون الدينية الأسبق، والمفكر د. نور الدين الخادمي: إن التقرير مخالف للشريعة الإسلامية، ولا يمثل الشعب التونسي ومطالبه الحقيقية، وهو مخالفة لمعلوم الدين بالضرورة، وأنه متجاوز للتخصصات العلمية بأنواعها، الدينية والقانونية والاجتماعية والصحية والثقافية، وأنه آحادي الجانب حيث عكفت مجموعة أيديولوجية على إعداده بالتشاور فيما بينها دون استشارة للمجتمع؛ مما يؤكد الطبيعة السلطوية والاستبداد في الرأي، وأنه من شأنه زيادة التوترات في المجتمع والنزاع البغيض داخل الأسرة الواحدة والسكان عامة، وقد فصّل د. الخادمي ذلك بما لا يتسع له المقام.

وقال الأستاذ محمد الحاج سالم: إن الأمر يقضي بوجود فوضى مفاهيمية في النص، إذ لا يميز بين العائلة والأسرة، وبين الشريعة والفقه التشريعي، وبين المقاصد والسيرورة التاريخية، وبين المجتمع والأمة، وسلط الضوء على ما يسمى بالهندسة الاجتماعية التي تجمع بين إرادة الضبط الاجتماعي وكل ما هو تبريرات أيديولوجية، متسائلاً عن مدى وجود محاولة الدولة لإصلاح منظومة الضبط السياسي والأيديولوجي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي إزاء استشراء الفساد في كل المجالات.

ومن جهته، اعتبر الباحث الأكاديمي البارز سامي براهم تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بمثابة “الانقلاب” التشريعي بغلاف تأصيلي ديني لا يمت للدين بصلة، بما يعيد هندسة الأسرة والمجتمع والعلاقات العامة مناقضة للدين تماماً، وذلك بكسر الحواجز القانونية والمرجعيات الدينية والعرفية.

وأشار إلى أن المشروع الإصلاحي المفترض قد استند في إضفاء المشروعية على هذا التصور إلى رصد وظيفي لمظاهر التحولات الاجتماعية وإلى آلية الاجتهاد من خلال القياس والمقاصد في مخالفة ومغالطة الشرع والقانون والدستور، وشدّد على أن هذا المشروع الذي يفترض أن يفضي إلى منظومة تشريعية جديدة هو بمثابة دستور جديد للبلاد التونسية يهدف في مضمونه إلى تفكيك ناعم وتدريجي لمنظومة مجتمعية ثقافية قيمية ورمزية قائمة وتشكيل أخرى بقوة القوانين والتموقع في السلطة.

رفض شعبي

عمّت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات الرفض لمقترحات لجنة ما يسمّى “الحريات والحقوق”، معتبرة إياها محاولة من عناصرها اللائكية المتطرفة، تتويج خدماتها للدوائر الجندرية العالمية المرتبطة بالصهيونية بالحصول على جوائز عن طريقها من أطراف دولية، مثل جائزة “نوبل” لحقوق الإنسان، وما شابهها، وقد وردت تعليقات غاضبة، منها أشرطة فيديو ظهر فيها أصحابها وهم يبكون وتحديداً النساء، من جرأة أعضاء اللجنة على ما لم تتجرأ عنه فرنسا أثناء احتلالها لتونس، بل ما لم يتجرأ عنه بورقيبة، وبن علي مجتمعين، رغم أن أعضاء اللجنة من لقطائهما فكرياً ومنهجياً وسلوكياً، على حد تعبير البعض.

وأكد كثيرون أن المشروع الجندري الماسوني الصهيوني لن يمر، لأن مجلس نواب الشعب لن يوافق عليه، والشعب لن يوافق عليه، لذلك يتحاشى معدو التقرير تمريره للاستفتاء الشعبي، ويحاولون فرضه بقوة السلطة السياسية.

يذكر أن لجنة الحقوق والحريات الفردية أحدثت بموجب أمر رئاسي صدر في 13 أغسطس 2017م حيث كلفت بإعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة، وقدمت اللجنة تقريرها لرئيس الجمهورية في 8 يونيو 2018م في شكل مقترحات مشاريع قوانين.

Exit mobile version