أزمة بين الصحفيين والنظام المصري بعد قانون مثير للجدل ومطالبات بإسقاطه

بينما تدافع السلطات المصرية والصحفيين المحسوبين عليها عن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي دمج بقرار فيه من البرلمان قانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، كما أقر فصل قانوني الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، أطلق رموز نقابية وصحفية في مصر تحذيرات متتالية في الساعات القليلة الماضية، مؤكدين أن القانون الجديد محنة جديدة للصحافة في مصر لا تنتهي إلا بإسقاطه.

كارثة كبيرة

نقيب الصحفيين المصريين السابق يحيى قلاش في تعليقه على القانون قال على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “أول مرة أجد مواد في دستور تضمن مكاسب غير مسبوقة، تخص حرية التعبير والصحافة والإعلام، باعتبارها حقوقاً أصيلة للمصريين.. تتحول إلى كارثة تشريعية تقضي على مهنة هي ملك الشعب كله، وعلى كل أمل يذهب بنا إلى الدولة الديمقراطية التي نحلم بها.. مازال خيالي لا يتصور أن تكون المؤسسات المعنية وزملاء يتولون مواقع صاحبة رأي وقرار يشاركون أو يشملهم الصمت فيما يجري (!!).. في التاريخ عظة، وذاكرته لا ترحم، ولا تعفي أحد من الحساب”.

المرصد العربي لحرية الإعلام من جانبه، أصدر دراسة موجزة حول القانون الجديد وصلت “المجتمع”، أكد فيها أن قانون الصحافة الجديد يفرغ النصوص الدستورية من مضمونها ويشرعن الإغلاق والحجب والحبس، وقال: من الملاحظ أن تمرير القانون تم في ظرف استثنائي معادٍ لحرية الصحافة، إذ لا يكاد يمر يوم دون تعرض الصحافة والإعلام لانتهاكات الحبس والمصادرة والحجب وحظر النشر ومنع السفر.. إلخ، وحيث صنفت المنظمات العالمية الكبرى مصر في المرتبة 161 عالمياً في انتهاك حرية الصحافة، لتقبع بذلك في المنطقة السوداء، كما تم تمرير القانون في مناسبة عزيزة على الصحفيين وهي يوم الصحفي الذي يوافق يوم 10 يونيو من كل عام، وهو اليوم الذي نجح فيه الصحفيون عام 1996م في إسقاط قانون مشابه وهو قانون تنظيم الصحافة رقم (93 لسنة 1995م)، وقد جاء ذلك النجاح بعد احتشاد دام أكثر من عام للصحفيين في جمعية عمومية طارئة عقب صدور القانون.

وأوضحت الدراسة أنه نتيجة للروح المعادية لحرية الصحافة، فقد جاءت القوانين الثلاثة عاكسة لهذه الروح، وخاصة قانون تنظيم الإعلام الذي محا الضمانات الدستورية بحرية واستقلال الصحافة والإعلام، ومنع إغلاق الصحف والقنوات وحبس الصحفيين والإعلاميين.. إلخ، التي تضمنتها المواد (70) و(71) و(72) بالإضافة للمواد (211) و(212)، و(213) التي تنظم عمل الهيئات والمجالس الإعلامية وتضمن استقلالها، حيث جاء قانون تنظيم الإعلام الجديد ليمحو أثر هذه المواد الدستورية ويحل محلها مواد قانونية مخالفة لها، مثل إقراره بالحبس في بعض جرائم النشر والعلانية على خلاف النص الدستوري، ومثل تقنينه لإغلاق وحجب المواقع الإلكترونية بالمخالفة للنص الدستوري الذي يمنع ذلك بالمطلق، ومثل تفريغ حق إصدار الصحف بمجرد الإخطار كما نص الدستور، والمبالغة في الرسوم المالية لإصدار الصحف التي وصلت إلى 6 ملايين جنيه للصحيفة اليومية، وأخيراً هيمنة السلطة التنفيذية على المؤسسات الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي مثل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، كما كان من الواضح هيمنة (فزاعة) الأمن القومي على المشرع القانوني.

سوابق كارثية!

فتحي محمود، الكاتب الصحفي البارز بصحيفة “الأهرام” الرسمية، انتقد القانون، وأكد أن فلسفة القانون تقوم على اعتبار الهيئة بمثابة شركة قابضة والمؤسسات الصحفية مجرد شركات تابعة لها، لذلك تتدخل الهيئة بشكل مباشر في إدارة المؤسسات وتساوي بينها جميعاً، فـ”الأهرام” مثل “دار المعارف” لا فارق بينهما، والكل يدار بأسس شركات القطاع العام وليس كمؤسسات صحفية، و”الأهرام” مثل “عمر أفندي” بالضبط في كل ما يتعلق بالإدارة والعلاقة مع العاملين بها.

وأضاف في بيان صادر عنه أنه لأول مرة في تاريخ الصحافة القومية تم تقليص تمثيل الصحفيين في إدارة المؤسسات إلى أدنى حد، ففي القانون الجديد عدد أعضاء مجلس الإدارة 13 عضواً، منهم صحفيان فقط (الوضع الحالي بـ”الأهرام” أعضاء مجلس الإدارة 13 منهم 9 صحفيين)، وفي القانون الجديد عدد أعضاء الجمعية العمومية 17 منهم  صحفيان فقط (الوضع الحالي في “الأهرام” أعضاء الجمعية العمومية 35 منهم 20 صحفياً)، وهذا التمثيل المتدني ينزع عن المؤسسات صفة الصحفية، ويجعل الصحفيين مغلولي الأيدي في إدارة مؤسستهم، كما أنه لأول مرة في تاريخ الصحافة القومية تدار المؤسسات الصحفية بعناصر من خارجها، ففي القانون الجديد يتم تعيين نصف أعضاء مجلس الإدارة من خارج المؤسسة (الوضع الحالي جميع أعضاء مجلس الإدارة من المؤسسة)، وفي القانون الجديد عدد أعضاء الجمعية العمومية 17 منهم 11 من خارج المؤسسة (الوضع الحالي الجمعية العمومية 35 منهم 4 فقط من خارج المؤسسة).

وأشار إلى أن القانون الجديد تجاهل عدة حقوق للصحفيين؛ منها على سبيل المثال المد الوجوبي لسن المعاش للصحفيين إلى 65 عاماً، حيث أعطى الحق للهيئة للمد لمن تراهم “خبرات نادرة فقط” حسب تعبير الأستاذ أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، وكذلك تجاهل الحديث عن مكافأة نهاية الخدمة للصحفيين (شهر عن كل سنة)، وعن الكادر المالي للصحفيين والاكتفاء فقط بالحديث عن تطبيق الحد الأدنى والأقصى (وهو مطبق بالفعل).

الأخ الأكبر

الكاتب الصحفي خالد البلشي، وكيل نقابة الصحفيين المصريين السابق، وصف قانون تنظيم الصحافة والإعلام بأنه قانون “الأخ الأكبر” في إشارة إلى اسم متداول في رواية عالمية تنتقد الاستبداد، حيث يراقب النظام الإعلام ويحجب ويصادر ويطارد الكلام على “فيسبوك” و”تويتر”، مؤكداً أن القانون يؤسس لتقنين الحبس الاحتياطي للصحفيين في قضايا النشر على غير المبدأ الدستوري فضلاً عن تصفية المؤسسات القومية.

وأشار البلشي إلى أنه أصبح لدينا 3 قوانين ترسخ لهيمنة السلطة التنفيذية وتحديداً رئيس الجمهورية على الإعلام بشكل قانوني وكامل، بخلاف ما سيتبع الإصدار من إعادة النظر في القيادات الصحفية والإعلامية، موضحاً أن القراءة الأولية للقوانين التي جاءت بعض نصوصها لتستجيب ظاهرياً لمطالب الجماعة الصحفية عبر نضالها، في وقت تتوسع فيه آلة الحبس لتطارد كل ما هو صحفي، تشير إلى أن ما خضعت له السلطة ظاهرياً بيسارها خطفته بيمينها، وهو ما ظهر بشكل واضح في إعادة الحبس الاحتياطي في قضايا النشر عبر بوابة خلفية بعد أن تم إلغاؤه تماماً بتعديلات تشريعية أصدرها الرئيس محمد مرسي عام 2012م عقب أزمة إسلام عفيفي (الذي حبس احتياطياً لسبه الرئيس مرسي)، كما تشير إلى أننا أمام استكمال لعملية الهيمنة على الصحافة واستكمال تدشين عملية مصادرة الكلام يظهر ذلك بوضوح في عدد ليس قليل من نصوص القانون التي توسعت في الاستثناءات بدعاوى الأمن القومي وبعبارات فضفاضة مثل التحريض على مخالفة القانون أو الدعوة للتعصب وغيرها أو بالإحالة للائحة.

Exit mobile version