هل القرآن مسؤول عن العنف والإرهاب؟

وقَّع الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، هو و300 شخصية فرنسية عامة على عريضة نشرتها صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية، للمطالبة بحذف وتجميد آيات من القرآن الكريم؛ بزعم أن هذه الآيات القرآنية تحض على العنف وتصنع الإرهاب! وتحديدا تحث هذه الآيات على قتل الكفار!

وقد تم نشر العريضة ضمن مقال تحت عنوان “ضد معاداة السامية الجديدة” وتحدث المقال عن “تطهير عرقي صامت” تتعرض له الطائفة اليهودية من قِبل “متطرفين إسلاميين”.!

النظرة الموضوعية تقتضينا أن ننظر إلى هذه الآيات القرآنية، التي يزعم هؤلاء أنها تربي النفسية المتوحشة المتعطشة لدماء الكفار، فنقارن بينها وبين النصوص التوراتية، التي يحدد فيها الرب لبني إسرائيل ماذا يفعلون بالآخر؟

ثم نعود فننظر إلى الآيات القرآنية لننظر، هل هي حقا آيات دموية تغذي العنف وتذكيه، أم أن هذا محض افتراء؟ أو سوء فهم لها؟

وهذا ما سوف نقدمه في السطور التالية:

التوراة تأمر بقتل جميع الذكور الأعداء

تقول التوراة في (سفر تثنية الاشتراع) في (الأصحاح العشرين) تحت عنوان (شرائع حصار وفتح المدن البعيدة): (وحين تتقدمون لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولا. فإن أجابتكم إلى الصلح واستسلمت لكم، فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيدا لكم. وإن أبت الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطها الرب إلهكم في أيديكم، فاقتلوا جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة من أسلاب، فاغنموها لأنفسكم، وتمتعوا بغنائم أعدائكم التي وهبها الرب إلهكم لكم. هكذا تفعلون بكل المدن النائية عنكم التي ليست من مدن الأمم القاطنة هنا. انتهى.

هكذا تأمر التوراة اليهود، إذا حاصروا مدنا بعيدة: إذا لم تسلّم لهم أن يحاربوها، وإذا سقطت في أيديهم، فعليهم أن (يقتلوا جميع ذكورها بحد السيف) ولم تقبل شريعة التوراة من هؤلاء بديلا لقتلهم بحد السيف: أن يدخلوا في دين اليهودية مثلا، أو يدفعوا لهم جزية، أو غير ذلك. ولم تستثن التوراة أحدا من الذكور: لا شيخا كبيرا، ولا طفلا صغيرا.

الآيات القرآنية المقابلة لهذه النصوص التوراتية

بينما نقرأ في القرآن الأوامر القرآنية في شأن المواجهة العسكرية بين المسلمين والكفار، نقرأ قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]

فاكتفى القرآن في قتال الأعداء بإثخانهم أي إضعافهم، وفي هذه الحالة عليهم أن يشدوا الوثاق. أي: يأسروا بدل أن يقتلوا.

ويقول تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]

فنجد أن القرآن جعل للأعداء المحاربين فرصة تنجيهم من القتل، ومن الدخول في الإسلام جبرا، وهي إعطاء الجزية عن يد أي عن قدرة، وهي مبلغ زهيد في مقابل التكفل بالدفاع عنهم.

التوراة تأمر بتطهير أرض المعاد من جميع البشر

أما شعوب المنطقة التي يطلق عليها (أرض الميعاد) فتقول التوراة في شأنها: (أما مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثا، فلا تستبقوا فيها نسمة حيَّة، بل دمروها عن بكرة أبيها، كمدن الحثِّيِّين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، كما أمركم الرب إلهكم، لكي لا يعلموكم رجاستهم التي مارسوها في عبادة إلهتهم، فتغووا وراءهم وتخطئوا إلى الرب إلهكم.[ انظر: الكتاب المقدس ـ التوراة سفر التثنية: الأصحاح العشرين: 10-18 ص 392،393.]

هذه الشعوب الستة، يجب أن تباد إبادة تامة، دون أن يبدؤوا بالدعوة، أو تقبل منهم جزية، أو يعقد معهم صلح أو هدنة. ليس هناك إلا السيف. والموت والدمار الكامل هما نصيب هذه الشعوب المسكينة، ولا ذنب لها إلا أنها سكنت أرض الميعاد قبلهم.

إن البلاد القريبة التي يطلق الشراح عليها (أرض الموعد) ـ (لا تُستبقى فيها نسمة حية!) يعني: إبادة كاملة، استئصال لأهل هذه البلاد!

هكذا صنع الأوروبيون

فلا تستبعد ما صنعه الأوروبيون المسيحيون حين نزلوا بأرض أمريكا الشمالية، من استئصال الهنود الحمر، أهل البلاد الأصليين!! ولا تستغرب ما صنعه البريطانيون وغيرهم حينما ذهبوا إلى (أستراليا) واكتشفوها وقضوا على سكانها الأصليين. وقد رأينا بأعيننا ماذا فعلت العصابات اليهودية الصهيونية بأهل فلسطين، وشعب فلسطين؟ لقد قاموا بجملة مذابح بشرية رهيبة، من قتل النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين العزل، بلا هوادة ولا رحمة، ولا مراعاة لأي اعتبار إنساني، حتى بقروا بطون الحوامل، وأخرجوا الأجنة من أحشائها، وعبثوا بها، وقتلوا الابن أمام عين أبيه، والأب أمام أعين أبنائه وبناته، وبهذه الوحشية أدخلوا الرعب في قلوب الفلسطينيين، ففروا من ديارهم مذعورين، وتركوها لهؤلاء السفاحين الإرهابيين.

لقد كان هؤلاء المجرمون السفاحون يطبقون شريعة التوراة التي لقّنوها: ألا تدعوا فيها نسمة حية!!

هذه هي شريعة التوراة بالنسبة لهذه الشعوب: دمروها عن بكرة أبيها! لا تبقوا فيها نسمة حية! هكذا أمر الرب الإله موسى وقومه وأتباعه: أن يفعلوا بهذه المدن وأهلها حين تقع في أيديهم، وقد أرادوا أن يبدؤوا بقتالهم وقتلهم. فليس لهم خيار إلا السيف.[ انظر: فقه الجهاد، القرضاوي (1/487 ومنا بعدها)]

الآيات القرآنية المقابلة لهذه النصوص التوراتية

فأين هذا مما جاء به القرآن من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 190-191]

وأين هذا مما جاء به القرآن حتى بعد ما سموه (آية السيف) من قوله تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } [التوبة: 6].

وأين هذا من قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 61: 62]

توم آندرسون والبرنامج التحليلي

المهندس الأمريكي توم آندرسون المتخصص في تطوير البرمجيات، منذ عامين، طور برمجية أودين تكست OdinText لمساعدة الباحثين على دراسة الوثائق المختلفة، حيث يقوم البرنامج بعملية مسح لمضمون نص ما، ليخرج التوجهات العامة في الألفاظ المستخدمة انطلاقا من كلمات مفتاحية محددة مسبقا، ويرصد تواتر ظهور كلمة ما ومرادفاتها … الخ

وقرر آندرسون أن يدرس، بواسطة برمجيته، العهد القديم، العهد الجديد والقرآن، مستخدما كلمات مفتاحية تتعلق بالمشاعر مثل الفرح، الانتظار، الغضب، التقزز، الحزن، المفاجأة، الخوف والقلق، الثقة والإيمان، وقام البرنامج بتحليل 886 ألف كلمة في الكتب الثلاثة.

وأظهرت النتائج الآتي:

1- أن كلمتي “القتل” و”التدمير” تشكلان 2.1٪ من النص القرآني بينما تبلغ 2.8٪ في العهد الجديد و5.3٪ في العهد القديم. وهناك أيضا مفهوم “الأعداء” الذي يستخدمه العهد القديم أكثر من غيره مع نسبة 1.8٪ ويليه القرآن مع 0.7٪ ثم العهد الجديد مع 0.5٪.

2-يتفوق القرآن كثيرا بكلمات “العفو” و”المغفرة” حيث يستخدمها بنسبة 6.3٪ بينما لا تتجاوز في العهد الجديد 2.9٪ وفي القديم 0.7٪.

هل القرآن السبب في العنف المعاصر لبعض المسلمين؟

لا ننكر وجود أحداث عنف، قام بها بعض المحسوبين على الإسلام، تجاه غير المسلمين، أسفرت عن حالات قتل معدودة، فإذا كان التفسير المقبول لهذا العنف هو تأثرهم بالقرآن، فبأيّ شيء يمكن أن نعلل إرهاب غير المسلمين، والذي منه مثلا:

الذي اقتحم مدرسة للأطفال فقتل التلاميذ بلا تمييز.

والذي فتح النار من بندقيته الرشاشة في مطعم متواضع فقتل الآكلين الآمنين.

والذي هاجم كنيسة للسود فقتل فيها عشرات المصلين.

والذي فجّر مركزاً لإيواء المهاجرين.

والذي قضى بالسم الزعاف على نحو ألف من أتباعه المهووسين؟

فإذا كان العنف موزعا بالتساوي بين الأمم والثقافات المختلفة، فلماذا لم نفسر إجرام غيرنا بالتربية الإنجيلية والتوراتية وفسرنا بالقرآن إجرامَ مجانين المسلمين؟

لا عنف ولا خنوع

قدم الباحث مجاهد ديرانية مقاربة لتوضيح آيات القتال في القرآن، فقال: الذين يتهمون الإسلام بترويج العنف والإرهاب يعتمدون على آيات القتال في القرآن، وإني أسألهم: ماذا يكون شعور الواحد منهم لو فتح كتاباً من المراجع الأساسية التي تدرّسها أكاديمية “ساندهيرْست” العسكرية البريطانية العريقة فوجد فيه هذه التعليمات:

“إذا هدّد العدو بلادكم فلا تستعدوا للحرب، وتجنّبوا مظاهر القوة التي تُدخل الرهبة على قلوب الأعداء”، “إذا لقيتم أعداءكم في ساحات الحرب فتجنبوا إطلاق النار على الرؤوس واستهدفوا الأقدام”، “لا تقتلوا أعداءكم حيث وجدتموهم ولا تحاصروهم ولا تضايقوهم، بل اتركوهم ليذهبوا حيث يشاؤون”، “أيها القادة: لا تشجّعوا جنودكم على الالتحام والقتال”، “قاتلوا الذين يقاتلونكم من الأعداء، ولكن احرصوا على أن تُظهروا لهم اللطف واللين وإياكم وإظهار القسوة والغلظة”، “إذا اجتمع الأعداء لقتالكم في جيش واحد فقاتلوهم وأنتم متفرقون، لا تقاتلوهم كافة مجتمعين كما يقاتلونكم كافة مجتمعين”.

بالله عليكم: ماذا تقولون لو وجدتم هذه التعليمات في كتاب أكاديمي عسكري يَدْرسه الضباط والمحاربون في كليات أنشِئت لتعليم فنون الحرب والقتال؟ ألن تجدوه هراء سخيفاً مضحكاً وتحكموا على أمةٍ هذا مبلغُ ثقافتها العسكرية بأنها أمة ضائعة حتماً، لا بقاءَ لها ولا نَجاءَ في عالم يسوده المعتدون والأقوياء؟

ويستمر ديرانية في مقاربته قائلا: لو أن أحداً قال لكم: صحِّحوا هذا الخطأ المعيب. فماذا ستصنعون؟ ستعيدون صياغة تلك التعليمات المضحكة لتصبح -في نظركم الصائب- صالحة لتربية عسكرية قويمة؛ ستصبح النصوص السابقة على الصورة الآتية:

“إذا هدّد العدو بلادكم فلا تستعدوا للحرب وتجنّبوا مظاهر القوة التي تدخل الرهبة على قلوب الأعداء” = “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”. “إذا لقيتم أعداءكم في ساحات الحرب فتجنبوا إطلاق النار على الرؤوس واستهدفوا الأقدام” = “إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب”. “لا تقتلوا أعداءكم حيث وجدتموهم ولا تحاصروهم ولا تضايقوهم، بل اتركوهم ليذهبوا حيث يشاؤون” = “فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد”. “أيها القادة: لا تشجّعوا جنودكم على الالتحام والقتال” = “يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال”. “قاتلوا الذين يقاتلونكم من الأعداء، ولكن احرصوا على أن تظهروا لهم اللطف واللين وإياكم وإظهار القسوة والغلظة” = “يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة”. “إذا اجتمع الأعداء لقتالكم في جيش واحد فقاتلوهم وأنتم متفرقون، لا تقاتلوهم كافة مجتمعين كما يقاتلونكم كافة مجتمعين” = “وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة”.

نعم، لو طُلب من أي مستشار عسكري أن يكتب نصاً عسكرياً تدريبياً يصلح لإنشاء جيش قادر على الدفاع عن “وطننا العربي والإسلامي” وحمايته من الأعداء فلن يصنع شيئاً سوى إعادة نسخ آيات القتال في القرآن.

معنى الكفار الذي أمر القرآن بقتالهم

ويوضح ديرانية أن كلمات المشركين والكافرين في الآيات السابقة كلها ليست لوصف حالة دينية اعتقادية، وإنما هي وصف عسكري في سياق حربي، فالمقصود الذي يوضحه السياق هو “الأعداء المحاربون” وليس “المخالفين في الدين والاعتقاد”، وهذا -مرة أخرى- استنتاجٌ حتمي يفرضه السياق، فقد وردت الأوصاف الثلاثة في مقام المترادفات: الأعداء والمشركون والكافرون = قريشاً وحلفاءها من الأعراب، الذين كان المسلمون معهم في حالة حرب وجودية صِفريّة، فإمّا انتصار وبقاء أو انكسار وفناء.

Exit mobile version