إنه يطرق بالخير (قصة قصيرة)

يوم لايزال عالقا بكل تفاصيله في ذاكرتي، إنهم يتعلقون بالمساجد؛ سيما ونحن مقبلون على أيام مباركة، الصغار مشغولون بصنع الزينة الورقية، آخرون أكبر سنا يحركون موجة الإذاعة على أصوات المبتهلين، ثمة رائحة عطرة تخرج من النوافذ، أعواد البخور يتراقص دخانها، غير أن بيتا – ينزوي وحيدا- يخيم حزن عليه، لقد تغيب عم أحمد، صغاره نفتقدهم ؛ ليستقبلوا شهر رمضان معنا، ذهبت مسرعا إلى أمي؛ رشيد لم يخرج ليلعب معنا،
– هل هو مريض؟
أمي تداري دمعة في عينيها، مرت دقيقة ومن ثم أخبرتني.
– سيخرج معكم اليوم إن شاء الله!
غادرت أمي شرفة البيت إلى الداخل، رأيتها تحدث أبي مطرقة رأسها إلى أسفل؛ كثيرا ما تفعل هذا، لم أتبين من حوارهما شيئا، غير أن كلمة أحدثت وجعا في قلبي يقال: عم أحمد طواه البحر، لقد جاءت الأنباء أن سفينة الصيد ضربتها عاصفة شديدة، رحمة الله عليه!
سكتت أمي والذهول يحيط بالحجرة، أبي أخبرها، وهذا ما فهمته حين نادت علي بأن أتبعها حتى بيت صديقى رشيد، أخرجت من خزانة الطعام نصف ما اشتراه لنا ليلة أمس حين طرق الباب بعد صلاة العشاء، لم ينس زينة رمضان، غمرتني السعادة كثيرا، فأنا سألعب مجددا مع رشيد؛ إنه يمتاز بالطيبة، يحفظ من القرآن الكريم “جزء عم يتساءلون”، نحن صغار نخرج للعب وآباؤنا يصلون القيام، مأذنة المسجد الكبير تعلوها أنوار خضراء، الجيران يتبادلون التهنئة بقدوم رمضان، عل كل أسرعت أمي وأنا أتبعها، خرجت إلينا خالتي أم رشيد، عيناها مصابتان بحمرة غير معقولة، إنها بالكاد تستطيع الوقوف، أجهشت بالبكاء، تقول لأمي لقد هل هلال رمضان ولم يعد أبو أحمد، لم تكن هذه عادته، إنه يترك الصيد رغم احتياجنا للمال ليكون معنا الليلة الأولى من رمضان، لم ينم رشيد و أخته منى منذ أمس إنهما يقفان عند الباب.
في كل لحظة يخبرني أن أباه قادم، لقد هاجمتني الوساوس، أخاف أن يكون حدث له سوء.
تخفي أمي ملامح وجهها، تخرج منها دعوات بأن ييسر الله عودته اليوم، حين رآنى صديقي رشيد تهلل وجهه، أوصاني أبي أن أقول له: إن رشيد قد كرمه المسجد الكبير وأرسل له مع أبي هدية ، شعر رشيد بفرحة غامرة، انبسط وجه الخالة أم رشيد، الفال الحسن يأتي دائما مع موسم العبادات.
حين سمعت إمام المسجد يتلو في صلاة المغرب قول الله تعالى :” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”.
فرحة غامرة، صوت صديقى رشيد : أبي جاء !
أبي جاء!

Exit mobile version