الرابحون والخاسرون.. قراءة أولية في نتائج الانتخابات اللبنانية

حسمت صناديق الاقتراع يوم الأحد 6 من مايو 2018م الجدل الذي كان يدور مع كل محطة بشأن شرعية المجلس النيابي اللبناني الذي مدد لنفسه 3 مرات، بعد ما كانت انتهت وكالة الشعب له عام 2013م.

وجرت الانتخابات وفق قانون جديد اعتمد النسبية على مستوى الدائرة (لبنان 15 دائرة) والصوت التفضيلي على مستوى القضاء (الوحدة الإدارية)، وسادها جو من الهدوء التام باستثناء بعض الخروقات والإشكالات الأمنية البسيطة التي ظلت في دوائر ضيقة سرعان ما عُولجت، باستثناء الخروقات الواسعة للقانون الانتخابي على مستوى الإنفاق المالي أو الدعاية الانتخابية أو التزام الصمت الانتخابي والخطاب التوتيري والتخويني والتصعيدي.

وفي قراءة أولية لنتائج الانتخابات، كان أكبر الرابحين منها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) حيث فاز هذا التحالف بـ26 مقعدًا شيعيًا من أصل 27 مقعدًا، كما فاز حلفاء له من بقية الطوائف الأخرى، حيث بلغ العدد الإجمالي للنواب الذين يمكن أن يدوروا في فلك هذا الثنائي نحو 42 نائبًا من أصل 128 مقعدًا.

كما كان الرابح الآخر حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، حيث تمكن هذا الحزب من رفع عدد مقاعده من 8 مقاعد في المجلس السابق إلى 15 مقعدًا نيابيًا في المجلس المنتخب، فيما حافظ الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط على عدد مقاعده في المجلس (8 مقاعد)، وكذلك حافظت بعض الأحزاب الأخرى الأقل حجمًا وحضورًا على حضورها، وإن كان بعضها قد خسر شيئًا من مقاعده، فيما استعادت أحزاب وقوى أخرى حضورها من خلال استعادة مقاعدها النيابية التي خسرتها في دورات سابقة.

الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات كان تيار المستقبل برئاسة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، إذ تراجعت كتلته النيابية من 34 مقعدًا في المجلس السابق إلى نحو 19 مقعدًا في المجلس المنتخب، فضلاً عن أن النواب السنة الذين فازوا بمقاعد نيابية هم من خصوم ومنافسي الحريري، بل ومن حلفاء حزب الله والنظام في سوريا، وجاء بعضهم بدعم مباشر أو غير مباشر من الحزب، ويصل هؤلاء بعددهم إلى نحو 9 أو 10 نواب سنة، وهذا بالطبع سيُفقد الحريري ما كان يعتبره احتكار تمثيل السنة في لبنان، وسيفتح الباب أمام هذه الشخصيات للمنافسة على رئاسة الحكومة مستقبلاً.

أما الخاسر الثاني بعد تيار المستقبل فهو التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبرن باسيل صهر رئيس الجمهورية، وإن كان باسيل تمكن هذه المرة من تسجيل فوزه ودخوله إلى الندوة النيابية لأول مرة، وإن كان التيار حافظ تقريبًا على حجم مقاعده في المجلس النيابي، فالتيار يعتبر نفسه حزب السلطة بل وحزب الرئيس، وكان يمني النفس بالحصول على أكبر من هذا العدد في المجلس النيابي، فقد حصل عليه في العام 2009 ومن قبله في العام 2005 على الرغم من الحصار الذي كان مفروضًا عليه وحتى على الرئيس ميشال عون عندما كان رئيسًا له.

ولكنه هذه المرة خاض الانتخابات النيابية من موقع السلطة، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يتمكن من مضاعفة أو زيادة حصته النيابية، على العكس مما جرى مع منافسه الرئيسي في الساحة المسيحية حزب القوات اللبنانية، الذي تمكن من مضاعفة مقاعده النيابية تقريبًا فحصل في المجلس المنتخب على 15 مقعدًا بينما كان يتمثل في المجلس الماضي بـ8 مقاعد نيابية.

وإلى جانب تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، سُجلت خسارة أخرى للحركة الإسلامية في لبنان، ولكنها متواضعة قياسًا بحجم خسائر الآخرين ومقارنة بالجو العام الذي كان سائدًا، والمكاسب السياسية التي حققتها في هذا الاستحقاق.

فالحركة الإسلامية التي تتمثل بشكل أساسي بالجماعة الإسلامية كانت تتمثل في المجلس المنتهية ولايته بنائب واحد عن العاصمة بيروت، ورشحت لهذه الدورة 4 مرشحين في دوائر مختلفة، ولكنها لم تستطع المحافظة على مقعدها اليتيم، ويعود ذلك إلى جملة أسباب منها ما يتصل بأدائها، ومنها ما يتصل بالجو العام، وهنا لابد من القول إن هذه الحركة تعرضت لمحاولات إقصاء وتهميش وحصار داخلي من بعض الأطراف، وخارجي من بعض الدول الإقليمية، حال في بعض المناطق التي تتمتع فيها بحضور فاعل ويؤمن لها حضورها النيابي المضمون، من ترشيح أحد رموزها بفعل القانون الانتخابي، وبالتالي فقد أثرت عمليات الإقصاء والجو العام الذي خُلِق في أوساط الرأي العام اللبناني من تأمين فوز لهذه الحركة، وبالتالي أفقدها مقعدها النيابي الوحيد.

إلا أنها تمكنت في المقابل من كسر محاولات الحصار والإقصاء من خلال صوغ تحالفات انتخابية، يمكن أن تتحول إلى سياسية، مع قوى رئيسية في البلد كالتيار الوطني الحر (جرى التحالف في دائرتي صيدا – جزين وعكار) وحقق هذا التحالف فوزًا محترمًا للتيار الوطني الحر، كما تحالفت ودعمت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في جبل لبنان (الشوف)، وهذا أكسبها تحالفًا سياسيًا مع جنبلاط سيكون له تأثيره في الأيام المقبلة.

باختصار يمكن القول إن الحركة الإسلامية خاضت في هذا الاستحقاق معركتين، واحدة للحفاظ على مقعدها النيابي وخسرتها، وأخرى لكسر الحصار الذي كان يُفرض عليها من خلال تحالفاتها مع قوى رئيسية، وتمكنت من النجاح في هذه المعركة بانتظار إدارتها لهذه العلاقة الجديدة أو التحالف الجديد في المستقبل.

وبالعودة إلى النتائج التي ستترتب على الاستحقاق الانتخابي، فإن البلد سيدخل اعتبارًا من اليوم، ولو بشكل غير رسمي، معركة تشكيل الحكومة المقبلة وتسمية رئيسها.

المعروف أن الدستور اللبناني يُلزم رئيس الجمهورية إجراء استشارات نيابية مُلزمة له عند تسمية رئيس الحكومة، كما يُلزم رئيس الحكومة المُكلف بتشكيل الحكومة إجراء استشارات نيابية ولكنها غير ملزمة له، وبالتالي فإن البلد سيكون بعد إعلان النتائج الرسمية وبعد انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي -سيكون بكل تأكيد الرئيس الحاليّ نبيه بري لأنه المرشح الوحيد- أمام استحقاق تسمية رئيس الحكومة، وهو أمر ليس محسومًا -بالنظر إلى نتائج الانتخابات- لا إلى رئيس الحكومة الحاليّ ولا إلى غيره.

فعملية “الابتزاز” ستكون حاضرة، خاصة بالنسبة لرئيس الحكومة الحاليّ سعد الحريري، من الأطراف الأخرى، وبالتالي المسألة ستكون رهن ما يقدمه الحريري للأطراف، أو ستكون أيضًا رهن علاقته مع رئيس الجمهورية، وهو أمر يقلق الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل) من عودة الثنائية المارونية السنية لحكم لبنان.

أمام هذا المشهد الانتخابي الجديد يمكن القول أيضًا إن المرحلة المقبلة والأحجام والتوازنات التي تمخضت عنها الانتخابات يمكن أن تفتح من جديد الحديث أو حتى البحث بمصير “دستور الطائف” وصولًا إلى صيغة دستورية جديدة، تكون فيها الغلبة والهيمنة لفريق من خلال النص الدستوري، بعدما كانت له الغلبة والهيمنة من خلال أدوات أخرى لم تكن خافية على أحد في لبنان.

 

 

المصدر: “نون بوست”.

Exit mobile version