مسجد “الأمير منذر” ببيروت.. صلاة برائحة التاريخ

تعكس المساجد المنتشرة في لبنان تاريخها الإسلامي، وتلخص حقبًا مرت بها البلاد، وتشكل مساجد وسط العاصمة اللبنانية معالم تراثية جاذبة للسياحة الدينية، ومراكز تثقيف دينية تؤدي دورًا تربويًا ودعويًا يبرز الوجه الحضاري للإسلام.

تنتمي تلك المساجد لمختلف العصور، ويعود أبرزها إلى العهد العثماني، الذي شهد تشييد أهم مساجد بيروت، مسجد “الأمير منذر”.

يعتبر مسجد “الأمير منذر” من أقدم المساجد، التي بناها المسلمون في بيروت بعد الفتح الإسلامي، حيث أنشأه الأمير منذر بن سليمان التنوخي عام 1620 في عهد الأمير فخر الدين الثاني.

عرف المسجد ولا يزال باسم “مسجد النوفرة”، وترجع هذه التسمية لوجود نافورة مياه في صحنه.

يقف المسجد شامخًا وسط بيروت، غربي الجامع العمري الكبير، باتجاه “باب إدريس”، وسوق “الطويلة” سابقًا.

وللجامع بابان، باب من الجهة الشرقية، ويطل على سوق “البازركان” سابقًا، وباب ثانٍ من الجهة الغربية، ويطل على سوق المنجدين، وهو ما يعرف اليوم بشارع “المصارف”.

قال إمام المسجد، ومدير عام الأوقاف الإسلامية في لبنان، محمد أنيس الأروادي: إن الأمير منذر بن سليمان التنوخي، كان رجلًا صالحًا ومؤمنًا، فبنى المسجد بهدف التقرب إلى الله وتحفيظ القرآن، فسمي المسجد حينها محفظة القرآن الكريم.

وأضاف، أن “من يدخل المسجد يشعر براحة نفسية وخشوع، هناك العديد من الناس يجلسون فيه ويقرأون القرآن لساعات طويلة”.

وبين أن للجامع ثلاث تسميات هي: “جامع الأمير منذر، جامع القهوة وذلك بسبب وجود قهوة قرب المسجد من الجهة اليمنى كان الضباط والجنود العثمانيون يجلسون فيها، كما عرف باسم جامع النوفرة؛ نظرًا لوجود نافورة ماء في صحنه كانت تستخدم للوضوء والشرب”.

وأشار إمام المسجد إلى أن “لهذا الجامع المئات من الأوقاف المتضمنة المحلات والأراضي والمباني التي يعود ريعها إلى العلماء والمشايخ الذين يتناوبون على تدريس وتحفيظ القرآن”.

أضرحة مندثرة

ولفت إلى أن “المسجد استخدم كمدفن، حيث دفن فيه بعض الأمراء والقادة، منهم الأمير منذر التنوخي إثر مقتله خلال مذبحة في عام 1633”.

وتابع: “كما دفن فيه الأمير ملحم حيدر الشهابي عام 1762، وشقيقه الأمير منصور حيدر الشهابي عام 1776 ومع مرور الوقت اندثرت هذه الأضرحة ولم يعد لها من أثر”.

ومضى قائلًا: “هندسة المسجد وتصميمه تتميز بطراز بناء عثماني جميل وراقٍ، وكان مفتوحًا في وسطه، يتصل مباشرة بالسماء، إنه أثر باقٍ من أيام أجدادنا، ويدل على الأهمية الكبرى التي كانت توليها السلطنة العثمانية للمساجد وأئمتها في بيروت”.

وأوضح أن “المسجد يتميز بقببه الثلاثة عشر، إلى جانب قبة كبيرة ومئذنة، وبأنصاف الدوائر الهلالية فيه، وبها يرتفع سقف المسجد دون وجود أعمدة مباشرة بل على صف الحجر المتناسق، وهو أسلوب يميز فن العمارة العثمانية”.

وأردف: “لعل أبرز ما يميز المسجد، باحته الداخلية التي تحتوي على حوض ماء تعلوه نافورة تستخدم للوضوء، وهو سبب تسميته بمسجد النوفرة”.

ونوه إلى أن المسجد “تعرض لبعض الأضرار خلال الحرب الأهلية اللبنانية (13 أبريل 1975- 13 أكتوبر 1990) وأعيد تشييده عام 2002”.

وتطرق إلى أبرز الشخصيات السياسية التي كانت تصلي في المسجد، قائلًا: “كان المسجد مقصدًا للولاة العثمانيين مثل إسماعيل حقي باشا، وجمال باشا وغيرهم”.

ووفقًا للإمام، من أشهر الأئمة الذين تناوبوا على المسجد، “الشيخ عبد العزيز الغرّ، وعينه السلطان العثماني آنذاك، والشيخ عبد الباسط الفاخوري، والشيخ عبد الرحمن الحوت والشيخ مصطفى نجا، والحاج حسين خالد وغيرهم”.

Exit mobile version