رجال الأعمال في المغرب.. انتخابات الرئاسة بطابع سياسي

تجري انتخابات رجال الأعمال المغاربة نهاية شهر مايو 2018م بطابع سياسي، بعدما دخل على المنافسة على منصب رئيس “الاتحاد العام لمقاولات المغرب” وزير المالية السابق المنتمي إلى حزب إداري.

وتعتبر هذه الهيئة النقابية ممثلة القطاع الخاص لدى السلطات العمومية والمؤسساتية، لسان حال 88 ألف عضو مباشر ومنخرط، وتعمل، حسب ما تعرف به نفسها، على ضمان بيئة اقتصادية مشجعة لنمو المقاولات المغربية، لذلك فانتخابات الرئاسة التي تجري كل خمس سنوات تشد دائماً أنظار مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين.

ولأول مرة في تاريخ انتخابات “الاتحاد” الذي تأسس سنة 1947م، يتنافس على منصب الرئيس اسمان على طرفي النقيض، الأول هو اسم معروف في تاريخ المقاولات المغربية منذ 30 سنة وهو حكيم لمراكشي، والثاني هو صلاح مزوار، الوزير والرئيس السابق للتجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي كان له الدور الكبير في حالة “البلوكاج”، ومنع ابن كيران، رئيس الحكومة السابق، من ولاية ثانية على رأس الحكومة، كما يوصف بأنه ما تبقى من أمل لما يسمى “قوى التحكم” في البلد لمواجهة الإسلاميين.                                                                                                                                                                                              

لذا يرى ملاحظون أن ترشح مزوار هو محاولة للخلط بين ما هو سياسي وما هو متعلق بالعمل المقاولاتي، وذلك للسيطرة على دواليب الاقتصاد.

وفي هذا الصدد، يقول د. خالد يايموت، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة المغربية، في تصريح لـ”المجتمع”: إن الدولة المغربية مازالت تبحث عن حلول سياسية برجال الأعمال، وترشيح مزوار عن التجمع الوطني للأحرار يأتي في إطار هيمنة رجال الأعمال على السياسة، كما يأتي ليعزز محاولات السلطة السياسية بالمغرب الرامية لتجديد النخبة الاقتصادية وسط رجال الأعمال، وهذا التجديد يتطلب ترتيبات داخلية تتحكم فيه الدولة من داخل الاتحاد العام لمقاولة المغرب، هذا كله ما يفسر دفع وزير المالية السابق للواجهة.

ويقول صلاح مزوار، المرشح لانتخابات رئاسة “الباطرونا”: إن ترشيحي لم يكن تحت أي قبعة سياسية، وإنه في حالة فوزي سأستقيل من حزب التجمع الوطني للأحرار، إن الأمر فقط مرتبط بعامل الثقة في قدرة المقاولات على مواجهة الصعاب، وعلى المواكبة القوية القادرة على إدماج جميع المقاولات للمساهمة في الدينامية التي يعتبر المغرب في حاجة إليها في الاستثمار والتشغيل؛ لأن الاستثمار اليوم هو تشغيل الغد.

وإلى جانب فخاخ البعد السياسي، يواجه مزوار الذي لا تعرف مقاولاته عند العموم، مرشحاً يجر وراءه إرثاً اقتصادياً؛ لأن المراكشي يتمتع بخبرة ثلاثة عقود بصفته مستثمراً صناعياً، وتجربة طويلة داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو مدعوم من قبل عدد وفئات كبيرة من المقاولات الكبرى والصغرى والمتوسطة.

لذا يتوقع محللون آخرون أن يكون رد فعل المنتخِبين (بكسر الخاء) قوياً، حتى يحافظ الاتحاد على نفس المسافة مع جميع الفاعلين السياسيين، وحتى يبقى الحوار مع الحكومة مبنياً على الثقة، وغير مرتبط بضغط أي لوبي اقتصادي.

لكن، يرى د. عبدالعالي الحور، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ”المجتمع”، أن الكفة تميل لصالح صلاح الدين مزوار؛ لأن أمر ترشيحه له عدة خصوصيات، فهو رجل أعمال، وصاحب تجربة في تدبير الشأن العام من خلال الحقائب الوزارية التي تولاها، كما أنه زعيم سابق لحزب سياسي وله اطلاع على خصوصيات المشهد السياسي المغربي.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             

وفي الوقت الذي يرى مراقبون أن وجود متنافسين لأول مرة في تاريخ هذه الانتخابات تظهر بجلاء حدة المنافسة بين خطين متوازيين؛ واحد يدافع عن استقلال رجال الأعمال، والثاني يريد رهنه باختيارات السلطة، يقلل الحور من هذه المسألة، ويبرز أن وجود متنافسين اثنين -في تقديره- مرتبط بالسياق الدستوري الجديد الذي أصبح يلزم مختلف الهيئات بالتدبير الديمقراطي والتداولي لشؤونها.

ويضيف أن “الباطرونا” تريد أن تعطي الانطباع أيضاً أنها منظمة ديمقراطية، وأنها تعتمد المنهجية الديمقراطية في تدبير شؤونها، وأنها ليست على قلب رجل واحد، وأنها تتضمن رؤى مختلفة ومتنوعة.

ومهما يكن -يعقب د. يايموت- فإن السلطة بالمغرب عملت دائماً على تسهيل هيمنة رجال الأعمال على السياسة، لكنه في الوقت نفسه لا تثق في رجال الأعمال؛ وبالتالي تعمد لسياسة الهيمنة على تنظيماتهم ومؤسساتهم؛ بالمقابل، يستبعد المخالفون لسياسة الدولة من سياسة العطاءات والتوزيع الزبوني الذي تقوده الدولة على المستوى الاقتصاد الوطني.

Exit mobile version