تفاصيل كثيرة يغرقنا فيها الإعلام هذه الأيام بخصوص ليبيا تحت عنوان “من سيخلف حفتر؟”، والحق أن غياب حفتر أو موته (شبه المؤكد) حسب مركز نورس للدراسات، قد أربك حسابات المتدخلين في ليبيا الذين دعموه وراهنوا عليه، ولكنه أنعش أمل الليبيين الوطنيين الذين لا يرون إلا أن تُترك ليبيا لليبيين، فهم أقدر على التفاهم، وأفهم لقضيتهم وأولى بها من المغرضين من هنا وهناك.
مراهنة خاسرة منذ البداية
كانت مراهنة أغلب الأطراف الطامعة في ليبيا، والطامحة في إبقائها تابعة، لا تملك أمرها ولا تؤثر فيما حولها، مراهنة خاسرة منذ البداية للأسباب الآتية:-
- اعتقد المراهنون أن حفتر قادر، وهو السبعيني الكهل، على حسم الأمور في وقت قصير، ولكنه أثبت فشلاً ذريعاً في قدرته على الحسم، رغم الدعم المالي والعسكري والإعلامي السخي الذي قدم له الذي وصل إلى التدخل المباشر لصالحه ولإنقاذه عسكرياً من قبل دول كبرى، في الوقت الذي يتعرض مناوئوه لكل أنواع الحصار والتجويع والقصف، وبنغازي ودرنة شاهدتان على فشله الذريع.
- إن التربة الليبية بعد ثورة 17 فبراير أصبحت، إلى حد كبير، تربة غير قابلة لنجاح الانقلابات وتقبل الاستبداد، وإن درجة الوعي التي اكتسبها الشعب الليبي أصبحت قادرة على التمييز بين الغث والسمين، وأن حملات تلميع العملاء والمأجورين، وشيطنة الوطنيين لم تعد تؤتي كل ثمارها المرجوة.
- إن قسماً كبيراً من الشعب الليبي الواعي مازال يحمل السلاح مستعداً للموت في سبيل حريته واستقلال وطنه.
- إن ورقة “تدعيش” وشيطنة التيار الإسلامي كله قد فشلت في ليبيا، أولاً: بالقضاء على فتنة “داعش”، التي أنجزها التيار الإسلامي ذاته بكفاءة عالية، وثانياً: بتصدٍّ عاقل وعلمي من قبل الوطنيين الليبيين بكافة أطيافهم للحملات المغرضة الهادفة للانقسام والفرقة.
- إن ليبيا التي أصبحت الآن بدون حفتر، ستكون بلا شك أفضل إذا لم يُستنسخ لها حفتر جديد، والواقع أن الذين صنعوا حفتر ودعموه وأيدوه هم الآن في “حيص بيص”، ولو كان الاستنساخ بالأمر الهين لأعلنوا وفاته وقدموا خليفته.
خلفاء حفتر المحتملون
هناك أسماء كثيرة طُرحت لخلافة حفتر، مثل عبدالرزاق الناظوري، رئيس أركان مليشيات حفتر المسماة “الجيش الوطني الليبي”، وقد تعرّض لمحاولة اغتيال لم يُعلم مَن خلفها، وهناك عبدالسلام الحاسي، قائد غرفة عمليات مليشيات حفتر، وأسماء أخرى مرشحة من بينها عون الفرجاني، من عائلة حفتر، وكذلك نجلا حفتر؛ خالد حفتر، وصدام حفتر.
وكثرة الأسماء المرشحة وطبيعتها تدل على المأزق الذي يواجهه من يريدون أن ينصبوا خليفة له، فكلهم من معسكر حفتر، فلماذا لا يرشحون قائداً من الغرب الليبي إن كانوا يريدون الوحدة والمصالحة؟
ولماذا يتم التشاور على من يخلف حفتر خارج ليبيا في عواصم إقليمية وعالمية؟
وما السبب في أنهم مازالوا يخفون حالته الصحية ويتخبطون في التصريح بها منذ ما يقرب من الشهر إلا لأنهم لم يجدوا حتى الآن من يحل محله ويحمل أجندته؟
وهل سيقبل الليبيون أن يفرض عليهم اسم لمن سيخلف حفتر من جهات إقليمية أو دولية؟
هل سينجح الليبيون في فرض خياراتهم في هذه المرحلة الدقيقة؟
وهل يمكن أن يمسكوا بزمام المبادرة وأن يتصدوا للتدخلات العربية والعالمية المغرضة؟
نأمل أن ينجحوا في التوافق والتوحد من جديد، ومن ثم يبدؤوا في بناء الدولة المدنية التي لا تستبعد ولا تستأصل ولا تستبد.