أزمة “المحاكمات العسكرية للمدنيين” في مصر تتصاعد بعد حكم “جنينة”

 

في توريط جديد للقضاء العسكري في المشهد السياسي بحسب مراقبين، قضت محكمة الجنح العسكرية بحبس المستشار هشام جنينة، لمدة 5 سنوات في اتهامه بنشر أخبار كاذبة تسيء إلى المؤسسة العسكرية، حيث انتقد حقوقيون وقانونيون بارزون استمرار إحالة المدنيين في مصر إلى المحاكمات العسكرية منذ الأزمة السياسية في يوليو 2013 التي اطاح فيه الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي برئيسه الدكتور محمد مرسي ، مؤكدين أن المحاكمات العسكرية تأتي في سياق سياسي غير مرتبط بالقانون وهو ما يتطلب سرعة التوقف عنها وتسوية الأزمة سريعا بعيدا عنها. 

اجراء سياسي!
الحقوقي والمحامي خلف بيومي مدير منظمة الشهاب لحقوق الانسان يؤكد في حديث لـ”المجتمع” أن القضاء العسكري قضاء استثنائي ويقتصر اختصاصه علي محاكمة العسكريين علي الافعال والجرائم التي ترتكب اثناء وبسبب وظائفهم وهذا ما أكدت عليه المادة 204 من دستور 2014، ولكن النظام الحالي حاول الالتفات علي ذلك النص بإصدار قانون رقم 136 لسنة 2014 ، والخاص بحماية المنشآت المدنية المنشآت العامة والحيوية الذي وضع جميع المنشآت العامة تقريبا تحت سلطة القضاء العسكري لمدة عامين، وتبعه اصدار في نوفمبر 2014 اصدار النائب العام السابق هشام بركات مذكرة للنيابات العامة توجه بمراجعة ملفات القضايا التي قد تدخل تحت نطاق القانون الجديد، وتحضير مذكرات بشأنها وإحالتها للنيابات العسكرية متى طلبت ذلك، لذلك نحن كمؤسسة حقوقية نرفض احالة ومحاكمة المدنيين امام القضاء العسكري، نظرا لعدم استقلاله وعدم تأهيل أغلب اعضاءه للفصل في أغلب القضايا العادية.
ويشير بيومي أن إحالة المستشار هشام جنينة، للقضاء العسكري كانت منذ البداية، بدافع الانتقام السياسي بسبب ملازمته للفريق سامي عنان عند الاعلان عن ترشحه علي مقعد الرئاسة وليست لها اي علاقة باي مخالفات قانونية ، مؤكدا أن استمرار احالة المدنيين واصدار احكام بحقهم ومنهم المستشار جنينة للقضاء العسكري هو حرمان صريح لهم من التقاضي امام قاضيهم الطبيعي دون مسوغ قانوني او واقعي.
أمر متوقع !
الحقوقي علاء عبد المنصف مدير المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان “SPH ” يري أن ما يحدث مع المستشار هشام جنينة، بعد احالته للمحكمة العسكرية، أمر متوقع من قبل النظام، الذي عمد إلى إحالة آلاف المصريين المدنيين للمحاكمات العسكرية، وفق منظومة تشريعية قضائية معيبة؛ فمنذ صدور القرار بقانون 136 لسنة 2014 في عهد عبد الفتاح السيسي، والذي أباح بإحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، بحجة اعتبار المنشآت العامة والحيوية تابعة للقوات المسلحة، أصبحنا أمام الانتهاك الأبرز للمحاكمات القضائية في مصر، فتشكيل المحكمة العسكرية والنيابة العسكرية، تشكيل (معين) من قبل وزارة الدفاع التابعة للسلطة التنفيذية، ومن ثم افتقرت إلى الحياد والنزاهة، حتى لو القضاة فيها على درجة عالية من تلك النزاهة والحياد، فضلًا عن انتهاكات معايير المحاكمات العادلة التي تتم بشكل مستمر أثناء المحاكمات.
ويوضح عبد المنصف أن جوهر المشكلة في مصر، يكمن في أن النظام الحالي يسعي لتقويض أي أعمال تتعلق بحقوق الإنسان، بشكلٍ قانوني كفكرة “تقنين الجريمة”، ومن ثمَّ عندما استشعر في لحظة من اللحظات أن غير محكم السيطرة بشكلٍ تام على محكمة النقض التي كانت تلغي له أغلب الأحكام الصادرة من دوائر الإرهاب، التجأ إلى فكرة إصدار القرار بقانون 136 لسنة 2014، بغية السيطرة والتحكم في كافة الأحكام التي تصدر، وهو ما يعني أن الأمر برمته يحتاج إلغاء لهذا القرار بقانون، واحترام النظام للدستور والالتزام بالمواثيق الدولية التي صدق عليها.
مدير المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان يري كذلك ان اي اجراء ايجابي لوقف المحاكمات ليست متوفرة الان لان النظام بحسب رأيه “يقتات على انتهاكات حقوق الإنسان، ليستمر في جرائمه دون محاسبة أو محاكمة، في ظل فشل ذريع لملفات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يحتاجه لتصدير أن مصر تحارب الإرهاب، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وصرف أنظار المجتمع عن تلك الإخفاقات”.
أحد المحامين البارزين الذي وقف أمام المحاكم العسكرية منذ 2013 وطلب عدم ذكره اسمه خوفا من الملاحقة ، يري طبقا للتجربة والقانون أن القضاء العسكري ضحية للأزمة السياسية في مصر ، وتم ادخاله بالقوة فيها واحالة الالاف له دون اتساق مع القانون ولا الدستور الذي يحظر محاكمة مدني أمام القضاء العسكري وهو ما يظهر جليا لكل المحامين الذين يبذلون كل جهودهم لفضح العوار الذي يظهر امامهم في الدعاوي المختلفة دون جدوى.
وأضاف أن القضاء العسكري غير مختص قانونا بنظر دعوي جنينة اطلاقا كون أن تصريح هشام جنينه عبارة عن رأي ، ولو كان يمثل سب او قذف او اهانه ،فالمختص به القضاء العادي ، ولكن بسبب الازمة السياسية رأينا مستشار بقدر جنينة وغيره خلف الاسوار العسكرية .
ضحايا بالآلاف
وفق احدث تقارير منظمة هيومان رايتس ووتش عن المحاكم العسكرية للمدنيين المستندة إلى احصائيات عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات فإن 7420 مدنيا مصريا على الأقل قد حوكموا في محاكم عسكرية منذ أكتوبر 2014، حين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قانونا مؤثرا وسّع اختصاص المحاكم العسكرية، واستعان فيه بنظام القضاء العسكري لتسريع قمع الخصوم السياسيين بحسب المنظمة التي قالت في تقريرها الصادر في عام 2016 حُكم على معظم المدعى عليهم بعد محاكمات جماعية خرقت حقوقا أساسية في إجراءات التقاضي السليمة، كما اعتمدت بعض المحاكم على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، حسب قول أقاربهم.
وبحسب “لجنة العدالة- كوميتي فور جستس” في دراسة تحليلية صدرت في عام 2017 لخمسين قضية عسكرية صدرت فيها أحكام باتة، فلا “أفق لنهاية الظلم الممنهج” في مصر فيما يخص المحاكمات العسكرية ، مؤكدة أن السلطات المتعاقبة على تقنين المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 م، وتحويلها لجزء أصيل من منظومة العدالة، وذلك بدلًا من كونها استثناءً عليها قبل الثورة ورغم المطالبات آنذاك بإلغائها، وهو الضغط الذي استمر بأشكال مختلفة من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين والنشطاء بأساليب متنوعة لوقف محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
واشارت الدراسة التي حصل عليها “المجتمع” إلى أنه من خلال دراسة خمسين قضية استنفذت كافة إجراءات التقاضي و أصبحت أحكامها باتة وواجبة النفاذ تمت إحالة 485 مدني في الفترة الممتدة بين 30 يونيو 2013 حتى نهاية ديسمبر 2016 إلى المحاكم العسكرية ليتم التعدي عليهم وحرمانهم تعسفيا من حريتهم نتيجة ممارسة عدد من الانتهاكات القانونية والتشريعية وإهدار للحق في المحاكمة العادلة بعدما تم تحصين التشريعات المقننة بمحاكمة المدنيين عسكريا من أي محاولة للعمل على الطعن عليها امام المحكمة الدستورية العليا من قبل هيئات الدفاع عن المتهمين أمام القضاء العسكري، حيث تم رفض المئات من الطلبات للقيام بإحالة القوانين المنظمة للمحاكمات العسكرية للمدنيين إلى المحكمة الدستورية العليا لتبيان حقيقة انتهاكها المعايير القانونية والدستورية، وكذلك عدم اتساقها مع المعايير الدولية القانونية الخاصة بالمحاكمات العادلة.

Exit mobile version