مائة عام على رحيل حامي فلسطين

في ظل الفوضى العارمة التي تعصف بالأمة الإسلامية من نواكشوط إلى جاكرتا، وهي فوضى تاريخية منظمة جعلت الأمة تعيشها أكثر من مائة عام، نستذكرها في الذكرى المئوية لوفاة المجاهد الذي تصدى لكل تلك المؤامرات والخيانات وهو السلطان عبدالحميد الثاني، رحمه الله، الذي توفى في 10/ 2/ 1918م، وهي إستراتيجية يستخدمها الغرب مع المسلمين منذ أن اصطدموا معه في مقام الخلافة الإسلامية، عندما أرادو تمرير مشروعهم بناء دولة صهيونية في فلسطين وقدموا جميع أنواع المغريات له، ولكنه وقف حاجزاً أمام مشروعهم كالجبال الرواسي.

وكانت كلماته التي يتردد صداها في كل بقاع العالم، التي يرددها أبناء الأمة -وهم يحتقرون الخونة على مر التاريخ- يقف لها التاريخ احتراماً وإجلالاً، وهي: “يزول حكمي ولن أتنازل عن شبر من أرض فلسطين، يزول حكمي ولن أبيع فلسطين لأنها ليست ملكي، ملك الأمة التي سقوها بالدماء.

هذه الكلمات التي سجلها التاريخ في صفحاته بأنه حامٍ لأرض فلسطين، خرج منه مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل وهو يردد: “لا يمكن تحقيق حلمنا في ظل وجود السلطان عبدالحميد”، أن مشروعنا يتعذر تحقيقه في ظل وجوده، فلجؤوا إلى إستراتيجيتهم وهي إزالة الحاكم القوي الذي يتصدى لكل ألاعيبهم ومؤامراتهم ويقف لها بالمرصاد، ووضع حاكم ضعيف يحقق أهدافهم ومشارعيهم!

وانشغلوا في مؤامراتهم حيث جمعوا كل المعارضين له من يهود الدونمة الذين يظهرون إسلامهم ويخفون يهوديتهم، وماسونيين وجمعيات غربية؛ من أجل الإطاحة بهذا الشهم الذي كان لهم بالمرصاد، وقد توجه إلى أن يحيي فكرة في جسد الأمة يجمعهم حولها وهي “الجامعة الإسلامية”، ويتبادلها الأجيال ويغرسونها في نفوس أبنائهم، فهب العالم الإسلامي يتنادى إلى فكرة توحيد الأمة، حتى فزع أهل بورما والروهنجيا والهند دعماً لتلك الفكرة التي تجمع العالم الإسلامي من جديد، وقدموا أموالهم وذهب نسائهم من أجل دعم مشروع الأمة.

اجتمعت الأمة من كل أقطار العالم الإسلامي لبناء سكة الحديد من حر أموالهم التي شارك فيها الفقراء والأغنياء، من أجل تشييد هذه السكة (القطار) في الحجاز الذي فجره وحطمه الجاسوس لورانس مع الشريف حسين وأبنائه!

ضحى بحكمه من أجل فكرته ومبادئه، ولم يضحِّ بأرض فلسطين، وجعلها قضية حيّة في نفوس أبناء الأمة إلى يوم الدين، يقول لأبناء الأمة: إن فلسطين قضية محورية للأمة لا يمكن التنازل عنها مهما كانت الأسباب، عزلوه عن الحكم وهو يقول لحراسه الذين طلبوا مجابهة الخارجين يأمرهم “بأن لن أسفك دم جندي مسلم من أجل جندي مسلم، قاصداً نفسه”، وخرجت مؤامراتهم من أجل تمزيق الأمة من “سايس بيكو” و”وعد بلفور” وأحياء النزاع والفرقة بين المسلمين (عرباً وأتراكاً)، ولكنه قام بإحياء أفكار في نفوس المسلمين لن يتخلى عنها أبناء الأمة مهما كانت خيانتهم، وهي رابطة الأمة الإسلامية بأنها أقوى من مكائدهم نستذكرها بعد مائة عام من وفاته عليه شآبيب الرحمات.

 

(*) باحث في دراسات الشرق الأوسط.

المصدر: “تركيا بوست”.

Exit mobile version