تونس: الاضطرابات الأخيرة التي يقف خلفها اليسار لم تجد تجاوباً شعبياً

أكد وزير الاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري أنه يجب أن نتعامل مع المطالب الشعبية بكل جدية، وفي المقابل يجب ألا نبالغ في تهويل الأحداث، فقد شهدت تونس احتجاجات سلمية محدودة يكفلها الدستور والكثير من العمليات التخريبية يعاقب عليها القانون، جاء ذلك في حوار مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، وذلك على موقعها الإلكتروني بتاريخ 18 يناير 2018 تحت عنوان Tunisie: “Nous devons prendre au sérieux les attentes des gens, mais il ne faut pas exagérer la portée des événements”.

وذكر العذاري أن تونس تمكنت من إنجاح انتقالها الديمقراطي وسيُدعم هذا النجاح باستحقاق انتخابي في هذا العام يكرس الحكم المحلي والبلدي، ونحن لا ننكر حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعترض تونس منذ الثورة، إضافة إلى بطء المنوال التنموي وصعوبات نجمت عن الأوضاع المتفجرة إقليمياً، والعمليات الإرهابية النوعية التي ضربت تونس في عام 2015، كل هذه الأسباب وغيرها عطلت الانطلاقة الاقتصادية المرجوة.

وتابع: السواد الأعظم من الشعب التونسي يتفهّم ذلك، رغم محاولة بعض الأطراف السياسية مثل الجبهة الشعبية اليسارية توظيف الغضب الشعبي من قانون المالية الجديدة، لكنها لم تجد تجاوباً شعبياً كبيراً، ومن جهتها تواصل الحكومة سعيها نحو تركيز إصلاحات اقتصادية لدعم الفئات الفقيرة، وتصب آخر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في هذا الإطار، وحتى نكون واضحين؛ فإن أي إجراء اجتماعي سيكون محدود الفاعلية دون سياسة اقتصادية تحفّز النمو وتخلق مواطن الشغل.

وحول إمكانية إجراء تعديلات على قانون المالية لسنة 2018، أوضح العذاري أن هذا ليس مخططاً، فقد تمت المصادقة عليه حديثاً، ويسعى إلى الحد من عجز الميزانية بنسبة 5%، وفي ديونها بنسبة 70%، من النفاق أن تصوت بعض الأطراف على فصول قانون المالية ثم تدعو للاحتجاج ضده، كما أن التدابير المتخذة كانت معقولة، فزيادة نقطة واحدة في الأداء على القيمة المضافة لن يؤثر جوهريا على القدرة الشرائية، وتساهم بشكل مهم في تقوية ميزانية الدولة.

وأردف: الوضع صعب ولكنه ليس كارثياً كما يروّج لذلك البعض، فقد شهد عام 2017 انتعاشة كبيرة، فقد عاد السياح إلى تونس بأرقام مماثلة لأرقام عام 2010، كما تضاعفت نسبة النمو وحجم الصادرات، ويجب علينا البناء على هذه الأرقام حتى يتعافى الميزان التجاري، وهذا يتطلب التضحية من الجميع وتقبّل بعض الإجراءات المؤلمة.

وبخصوص إيجاد منوال تنموي جديد يختلف عما عرفته تونس في العقود الماضية، أوضح العذاري أن الهيكلة تحتاج إلى وقت، وتونس غير قادرة على حل المشكلات، فقد تعرضت إلى 3 عمليات إرهابية نوعية عام 2015؛ وبالتالي فإننا لا ننتظر معجزات اقتصادية، وأقر بوجود أخطاء، قائلاً: الوضع صعب ولا ننفي حدوث أخطاء، لكن حتى بدونها لم تكن تونس ستتحول إلى جنة.

وعما إذا كان التونسيون مستعدين للتضحية؟ وهل هناك ما يقدمونه بعد كل التضحيات؟ أفاد أنه عندما تعجز عن مجابهة كل النفقات فلا حل غير التضحية، شرط أن تكون التضحية من الجميع دون استثناء، لا حل آخر لدينا.

وعن العلاقة مع حركة نداء تونس، وإعلان الأخيرة فك الارتباط مع النهضة، واعتبارها منافساً لا حليفاً، رد العذاري: لقد اختار التونسيون منذ عام 2011 نموذج حكم غير أغلبي، فنحن لا نريد العودة إلى هيمنة الحزب الواحد، وليس هناك من الأحزاب اليوم من هو قادر على ذلك، وحتى إن توافرت لديه الوسائل، فإن ذلك لن يكون مجدياً، قدرنا في تونس هو التوافق ومشاركة أغلب الطيف السياسي في الحكم بتحالف كبير على الشاكلة الألمانية، وهو ما لا تتفهمه القواعد الشعبية لكنه ضروري، سياسة التوافق بطيئة لكن نتائجها مضمونة ودائمة، وجنّبت تونس مصيراً كارثياً كالذي تعيشه بعض الدول العربية.

وأضاف: التوافق لم يتوقف أبداً، ولكننا لم ننصهر، والتوافق لم يمحُ اختلافاتنا مع النداء، كل ما في الأمر أننا اهتدينا إلى أرضية مشتركة نعتقد أن فيها مصلحة البلاد، ومازال هناك توافق اقتصادي واجتماعي.

وحول القلق بخصوص الاضطرابات الاجتماعية قال العذاري: لم تكن هناك تحركات احتجاجية ضخمة كما تمنّاها البعض، لا يمكننا معالجة كل المشكلات بين عشية وضحاها، يجب علينا الآن إصلاح الدولة وإعادة التوازن وتحفيز الاستثمارات ودفع عجلة النمو الشامل والعادل، وبعد ذلك لكل حادث حديث حول توزيع ثمار النمو، وفي الوقت الحالي ليس هناك نمو وليس لدينا ما نوزّعه.

وكانت تونس قد شهدت في نوفمبر 2016 فعاليات مؤتمر الاستثمار الدولي، الذي تم فيه رصد 34 ملياراً لدعم البلاد، وكان سؤال “لوموند” حول النقطة التي وصلت تلك الوعود؟ وقد أفاد العذاري بأنه تم تفعيل اتفاقيات بقيمة 19 ملياراً وجهت لدعم البنية التحتية، ومازال النقاش متواصلاً حول 15 مليار دينار، تونس بحاجة للاستثمار، وهذا ما نتوقعه من شركائنا وخاصة فرنسا التي دعمت التجربة التونسية، ونحن ننتظر منها بعث استثمارات ضخمة تكون بمثابة قاطرات في المنطقة.

وفي رده على السؤال الأخير المتعلق بتصريحات الرئيس الباجي قايد السبسي التي ذكر فيها بأن التغطية الإعلامية الأجنبية للاحتجاجات أضرت بتونس قال: لم تكن هناك احتجاجات عنيفة، ولا أعتقد أن رئيس الجمهورية قد أراد بذلك التصريح التهجم على الإعلام الأجنبي، بل أراد الإشارة إلى زاوية أخرى من المشهد، في المقابل هناك بعض المقالات الصحفية الأجنبية تتحدث عن عودة للاستبداد، وهو حديث مخالف للواقع، فتونس بلد مستقر سياسياً، وكل الأحزاب تختلف في إطار مؤسساتي.

Exit mobile version