“الفساد للرأس”.. مصر عندما تطفو على برك الإفساد!

 

– أزمة كبيرة تضرب جميع مؤسسات الدولة ولا تحظى بمعاملة الإرهاب

– منظمات رقابية: القاهرة تخسر المعركة والتكلفة تتجاوز 600 مليار جنيه

– تدفقات الأموال السوداء بين 57 و70 مليار جنيه سنوياً

– خبير اقتصادي: نحن نعيش تحت رحمة عالم جهنمي من الحرام

 

فتح نبأ إلقاء هيئة الرقابة الإدارية في مصر القبض على مسؤول حكومي بارز واثنين من رجال الأعمال الحديث عن الفساد في مصر ومؤشراته في ظل وعود رأس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي بمكافحته منذ بدء وصوله للحكم بانقلاب عسكري، التي لم تشهد نفس الزخم الإعلامي والميداني والأمني الذي تحظي به قضية مكافحة العنف والإرهاب، التي يتحدث كثيرون عنها أنها تتخذ كستار لقمع خصومه الذين ينعتونه بالانقلابي بالإضافة إلى مواجهة المتطرفين.

الوقعة التي سقط فيها د. هشام عبدالباسط، محافظ المنوفية –المحافظة الأشهر في مصر من حيث القبض على مقاليد السلطة كونها مسقط رأس معظم الرؤساء والمسؤولين– وذلك قبل زيارة السيسي له بساعات، تتحدث عن رشوة قدرها مليونا جنيه، واستحقت تعليق واحتفاء الإعلامي المحسوب علي النظام عمرو أديب، حيث قال: “هناك قبضة حديدية ويد ثقيلة على ضرب الفساد”.

شهادة قضائية

سقوط مسؤول بارز بهذا الشكل سبقه في السنوات الأخيرة بعد ثورة 25 يناير، سقوط كثيرين أبرزهم زكريا عزمي، رئيس ديوان المخلوع حسني مبارك، صاحب المقولة الأشهر في مصر: “الفساد وصل للركب”، الذي قالت النيابة أثناء محاكمته بتهمة الكسب غير المشروع عام 2012م: “إن المتهم انطلق راغباً في المال الحرام، وخالف القسم الذي قطعه على نفسه بمراعاة مصالح الوطن، واستحوذ عليه الشيطان فجعله يرتكب المعاصي لأنه جرى إلى جمع المال الحرام بغير شبع، مستغلاً مركزه المرموق، وأقام في المنتجعات والقصور، وترك الشعب يعيش في القبور، وهو صاحب مقولة “الفساد في المحليات وصل للركب”، رغم أن فساده وصل إلى الرأس”.

“الفساد وصل إلى الرأس”، هذا بيان من هيئة قضائية في مصر، يدعمها مؤشرات حديثة من الجهاز المركزي للمحاسبات أثناء رئاسة المستشار هشام جنينة له، حيث أكد في آخر البيانات الرسمية للجهاز بأن تكلفة الفساد في مصر تتجاوز 600 مليار جنيه، وهو ما عرضه لملاحقة قضائية وإعلامية لم تتوقف حتى تاريخه.

مؤشرات دولية

مصر بحسب مؤشر الفساد العالمي، الصادر في عام 2015م عن منظمة “الشفافية الدولية” تحتل المرتبة الـ88، من بين 168 دولة على مستوى العالم، بمؤشر الـ”سي بي أي”، الذي يقيس الدول ودرجتها من الأقل إلى الأعلى فساداً بدءاً من صفر إلى 100 درجة (أي أن ترتيب الدول كلما كان متقدماً كانت أقل فساداً وأعلى شفافية)، كما رصد التقرير السنوي لمؤسسة “شركاء من أجل الشفافية” إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية بالفساد والصادر في يناير 2017م، عدد 968 واقعة فساد خلال عام 2016م، تصدرتها وزارة التموين تليها المحليات التي خرج منها المحافظ المتهم بالرشوة والفساد.

تاريخ قديم

ومن أبرز الوقائع التي ضربت مؤسسات الدولة المصرية، منذ وصول الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي لسدة الحكم، تورط أمين عام مجلس الدولة المستشار وائل شلبي –الذي انتحر فيما بعد- في رشى وفساد مالي واسع، وإدانة وزير الزراعة السابق صلاح هلال بالسجن المشدد في قضايا تلقي رشى، والقضية المعروفة إعلامياً بفساد القمح التي تتعلق بتلاعب مسؤولين كبار في كميات القمح التي تم توريدها، رغم أن الحكومة المصرية في ديسمبر 2014م أطلقت ما أسمتها الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، ودعمت بقوة إعلامية وأمنية مركز جهاز الرقابة الإدارية الذي كان قد طواه النسيان، بحسب مراقبين.

الفساد له تاريخ عميق في دولة بحجم مصر، ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تحدثت عدة تقارير محلية ودولية وحكومية على انتشار الفساد في عدة هيئات ومصالح حكومية بمصر في عهد المخلوع، حيث ظهر ترتيب مصر متأخراً على مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، التي أعلنت في 20 مارس 2010م أن مصر خسرت المعركة ضد الفساد، كما تورط عدة وزراء في عمليات فساد كبيرة مثل وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، وعدة مسؤولين حكوميين في الدولة، كما حذرت وقتها منظمات دولية ودول من انتشار الفساد في مؤسسات الدولة مثل تقرير وزارة التجارة الأمريكية الذي يحذر الشركات ورجال الأعمال الراغبين في الاستثمار في مصر من انتشار الفساد في الحكومة المصرية.

الفساد الحكومي إذن له جذور لم تقاوم بعد، وهو ما وثقه تقرير لـ”مركز الأرض لحقوق الإنسان” منذ مارس 2010، حيث كشف عن أن أكثر من 39 مليار جنيه أهدرت على خزانة الدولة بسبب الفساد المالي والإداري في الحكومة المصرية، بالإضافة إلى أن هناك خسائر قدرت بحوالي 231 مليون دولار بسبب تصدير الغاز الطبيعي إلى “إسرائيل”.

وتشير تقارير حديثة أخرى عن الاقتصاد غير الرسمي إلى إن الأحجام الكلية لأموال وتدفقات الاقتصاد الخفي والأموال السوداء بين 57 – 70 مليار جنيه سنويًا خلال العقد الماضي وحده، بما يعادل 17 – 20% من قيمة الناتج المحلى الإجمالي الرسمي خلال الفترة ذاتها، وتبلغ الأموال المتدفقة خارج الإطار الرسمي في مصر خلال العقد الأول من الألفية الثالثة ما يقارب الـ500 مليار جنيه، وهي أموال لا تُسدد عنها الضرائب وتضر بنمط توزيع الدخول.

الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق من جانبه أكد في دراسة موثقة نشرها في كتابه الصادر عام 2011م بعد الثورة عن “اقتصاديات الفساد في مصر” أن مصر أمام “عالم سفلي” جديد وضخم، تشكل بصورة أكثر عمقاً وشمولاً منذ بداية تطبيق سياسة “الانفتاح الاقتصادي” في مصر عام 1974م، وإن أخذ طابعه المؤسسي Institutional منذ أن تولى الرئيس حسني مبارك مقاليد الحكم في البلاد نهاية عام 1981م، حينما تحلقت جماعات رجال المال والأعمال حول مائدته الأسرية؛ لتخلق بذلك أسوأ شبكة سرية للفساد والإفساد؛ حيث اختلط المال الحرام بالسلطة وقراراتها، ولم يكتف بذلك، بل وإنه وعبر سياسات معينة وقرارات جمهورية، استهدف إفساد أفراد وجماعات ومؤسسات ليتحول الأمر رويداً رويداً وعاماً بعد آخر وخلال ربع قرن كامل إلى إفساد المجتمع بأكمله.

Exit mobile version