الاحتجاجات التونسية.. لماذا خرج الناس إلى الشوارع؟

مرة أخرى، خرج المتظاهرون إلى الشوارع في عدد من المدن التونسية مطالبين الحكومة بإلغاء إجراءات التقشف الجديدة التي تشمل رفع أسعار الوقود والضرائب على البضائع.

وقد أفادت “وكالة الأنباء التونسية” الرسمية أن 20 شخصاً قتلوا في اشتباكات اندلعت مساء يوم الإثنين الماضي من بين حشود المتظاهرين وقوات الأمن في بلدة طبربة بالقرب من العاصمة التونسية.

ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم وزارة الداخلية الكولونيل خليفة شيباني قوله: إن الشرطة ألقت القبض على 328 شخصاً على خلفية الاضطرابات حتى يوم الخميس (الماضي)، وأضاف أن 21 شرطياً أصيبوا بجراح.

وقد وقع المزيد من الاحتجاجات يوم الجمعة الماضي، حيث تحاول حركة شباب جديدة ومشرعون معارضون الضغط على الحكومة لإلغاء إجراءات التقشف.

وقد أثارت الاحتجاجات المخاوف من حدوث اضطرابات واسعة النطاق في تونس، الدولة الشمال أفريقية التي ولدت حركة “الربيع العربي” في عام 2011، ولكنها اعتبرت منذ ذلك الحين منطقة استقرار نسبي في المنطقة المضطربة.

أسباب الاحتجاجات؟ 

وقد فاقمت الحكومة التونسية الضرائب بموجب قانون المالية لعام 2018، وذكرت وكالة “رويترز” للأنباء أن الميزانية الجديدة رفعت ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة المبيعات على السيارات والكحول والمكالمات الهاتفية والإنترنت والفنادق وغيرها.

وتدابير التقشف هذه تأتي في وقت يعاني فيه اقتصاد تونس، ولم يتعاف قطاع السياحة المهم بعد هجمات سوسة التي وقعت في عام 2015، والتضخم في تونس حالياً يبلغ حوالي 6% سنوياً، وهو ما يأكل دخول وأرباح الناس، والضربات الضريبية سوف تضرب الفئات الأكثر معاناة.

فتش عن صندوق النقد الدولي

وقد وافق صندوق النقد الدولي في عام 2016 على برنامج قروض مدته أربع سنوات تبلغ قيمته حوالي 2.8 مليار دولار، والقرض يشترط على الحكومة التونسية أن تنفذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية. 

وقالت د. ليز ستورم، كبير محاضري السياسة في الشرق الأوسط بجامعة إكستر، لشبكة “سي إن إن”: إن العديد من الناس يعانون من مشقة حقيقية، ولكن على الحكومة أن تتصرف.

وقالت: إن ما يحتجون عليه هو شيء مؤلم، ولكنه يجب أن يحدث، فتونس بحاجة حقاً إلى إصلاح اقتصادي مؤلم.

التونسيون يثورون في الذكرى السابعة للثورة

وانتشرت الاحتجاجات في تونس منذ بداية يناير، الذي يصادف الذكرى السنوية لإسقاط الدكتاتور زين العابدين بن علي عام 2011.

وقالت ستورم: إن المدن التي اندلعت فيها الاضطرابات تضم مدينة تونس العاصمة وسيدي بوزيد والقصرين، المدن التي كانت في كثير من الأحيان موقعاً للاحتجاجات في الماضي.

وتعتبر ستورم أن الاحتجاجات “علامة صحية” تدل على أن الإرث الاستبدادي في البلاد قد تراجع بسبب تجرؤ الناس عن التحدث عن إحباطهم، تماماً كما يفعلون في الغرب، بعنف أحياناً.

وأضافت: حتى تتعزز الديمقراطية، أعتقد أنه من الجيد أن يشعر الناس بأن لديهم الفرصة للتظاهر.

من وراء الاحتجاجات؟

“فيش نيستانو”  (ماذا ننتظر؟)

ويبدو أن الاحتجاجات اندلعت تلقائياً على المستوى المحلي بين الناس الذين لديهم القليل جداً من الأمل ويشعرون باليأس.

وهناك حركة شباب غير رسمية جديدة تطلق على نفسها اسم “فيش نيستانو” (ماذا ننتظر؟)، نشأت في بداية العام وهي تستخدم الآن وسائل الإعلام الاجتماعية لحشد المعارضة ضد ارتفاع الأسعار.

وهذه المجموعة، التي تستخدم المنبه شعاراً لها لترمز إلى حاجة السكان إلى الاستيقاظ والعمل، تضم في عضويتها الخاصة حوالي 6000 في جميع أنحاء البلاد، مع مئات من الأعضاء في تونس العاصمة.

ويقول الممثلون: إنها حركة شعبية تنظيمية فضفاضة مع عدم وجود زعيم، وينتمي بعض أعضائها إلى أحزاب المعارضة، في حين أن البعض الآخر مستقل.

وقالت هيندا شيناوي، العضو المؤسس، لشبكة “سي إن إن”: سنعمل على إلغاء قانون المالية لعام 2018، وأضافت أن أعضاءها يعارضون إجراءات التقشف بشكل صريح وسيحتشدون إلى أن يتم إلغاؤها، مضيفة أننا لن نوقف المسيرة حتى يتم الوفاء بمطالبنا.

وقالت شيناوي: إن الناس يشعرون بالغضب الشديد تجاه الحكومة بشأن الوضع الاقتصادي، وإن قانون المالية هو القشة الأخيرة، وقالت: إن أكثر من 20 من أعضاء المجموعة اعتقلوا لفترة وجيزة بعد احتجاجات يوم الأحد والإثنين، إلا أنه لم يبق أي شخص محتجزاً، وقد دعت الحركة إلى مزيد من الاحتجاجات.

ماذا تقول السلطات؟ تصريحات فضفاضة!

دعا رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد، يوم الأربعاء الماضي، إلى التحقيق في حوادث التدمير والعنف، مؤكداً أن الشبكات الإجرامية تستغل الشباب للنهب والتخريب. 

وأضاف أنه يتعين على الحكومة أن تعمل على استعادة الأمل والثقة التي فقدها شباب البلاد عقب ثورة 2011.

وقال وزير المالية رضا شلغوم: إن رفع الأسعار ضروري لمساعدة اقتصاد البلاد على النمو.

وقال: إن الضرائب لا تؤثر على سلة التسوق الخاصة بالمستهلكين فيما يتعلق بالمواد الغذائية وغيرها من الأمور؛ لأن هذه الضرائب لا تخضع لضريبة القيمة المضافة.

وأضاف: من بين إنجازات الديمقراطية القدرة على التنظيم والاحتجاج، ولكن يجب على المرء أن يعمل أيضاً على جعل الاقتصاد التونسي صحياً، وهو اقتصاد يمكن فيه تعزيز النمو الذي بدأ في عام 2017!

“النهضة” يندد! 

وندد حزب النهضة، الحزب الإسلامي في الائتلاف الحاكم في تونس، بالجانب العنيف للاحتجاجات وما وصفه بـ”استغلال مطالب المواطنين المشروعة من قبل بعض الجماعات الفوضوية”، في بيان نشر على صفحته على “فيسبوك” يوم الثلاثاء.

وأضاف البيان أن “حزب النهضة يؤكد شرعية مطالب التنمية والعمالة وحق المواطنين الكامل في الاحتجاج السلمي دون انتهاك أمن الغير أو مهاجمة الممتلكات الخاصة والعامة”.

ماذا تقول المعارضة؟

دعا رئيس الجبهة الشعبية المعارضة في تونس حمزة الحمامي إلى مواصلة الاحتجاجات في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء الماضي.

وقال الهمامي: إن الجبهة تدعو جميع التونسيين إلى الخروج إلى الشوارع لاحتجاجات سلمية على مستوى البلاد لهدف واحد واضح وهو القضاء على هذه الأعمال التي دمرت الدولة التونسية وشعبها.

ما الخلفية السياسية للاحتجاجات؟

بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في تونس في ديسمبر 2010 وسط غضب على الأوضاع الاقتصادية وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد أعطت الانتخابات اللاحقة السلطة لحزب النهضة الإسلامي المعتدل وحزب نداء تونس العلماني بقيادة الرئيس الباجي قائد السبسي واعتبرت ممثلاً للواء القديم، وقد اندلعت سلسلة من المظاهرات العنيفة في بعض الأحيان على مر السنين الماضية، بدافع من الشواغل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وعلى الرغم من موجة الاحتجاجات الأخيرة، لا تعتقد ستورم أن مستقبل تونس هو الآن أكثر غموضاً مما كان عليه قبل عامين أو ثلاثة أعوام.

وقالت: في حين أن تونس غير مستقرة سياسياً، فإنها لا تبدو وكأنها العودة إلى الحكم الاستبدادي المطلق، وقد ترى تعديلاً وزارياً أو انتخابات، ولكن هذه هي جزء من النسيج الديمقراطي، تونس ليست بعد ديمقراطية قوية، وهذا هو السبب في أنها غير مستقرة.

وأضافت ستورم أن التونسيين احتجوا في ظل أنظمة مختلفة منذ “الربيع العربي”، بمن فيهم حكومة النهضة ونداء تونس، ويمكن اعتبار هذا علامة صحية أخرى على وجود ديمقراطية فعالة.

Exit mobile version