النجيبان!

ينظر البعض إلى النجيبين: محفوظ والكيلاني على أنهما طرفا نقيض، وما ذلك إلا وهم القراءة المتعجلة؛ كانا صديقين، يربط بينهما الود والحب، عرف نجيب الكيلاني المنتديات الأدبية من خلال محفوظ، إنهما يصوران عالما عايشاه، أو أبدعا في تصويره، لكن من زاوية رؤية مختلفة!
إنها أزمة التنميط والقولبة التي حصر البعض فيها كلا الرجلين، نظروا إلى نجيب محفوظ على أنه داعية الأدب المتعلمن وهذا وهم فالرجل يفوق حتى نجيب الكيلاني في معجمه القرآني، بل تكاد تكون مفرداته المعجمية قرآنية نبوية، ومن رأوا نجيب الكيلاني داعية للأدب الإسلامي حجبوا الرؤية عن جموع القراء، لقد كانا صديقين يجل أحدهما الآخر ويثني عليه، ولكم أن تعجبوا إن كان ثمة عجب، أن جائزة باسم طه حسين تحصل عليها نجيب الكيلاني!
لقد أضرت المعالجة السينيمائية؛ الربح والمادة بمفاهيم السوق أدب نجيب محفوظ، كما أضر التوجه الأيدولوجي نجيب الكيلاني من حيث رآه منظرا لما عرف بالأدب الإسلامي، إنها دعوة باحث لفض الاشتباك بين النجيبين!
فكلاهما بحث عن الوعي وبعث الحياة الأدبية في البلاد، تعددت أعمالهما، لكنهما تعرضا لأزمة التنميط التي وقعنا فيها جميعا، حدية التصنيف، إنه الأدب العربي صورة لمجتمع أصابه داء التشظي.
لقد درست لغة نجيب الكيلاني وخلصت إلى أنه أديب طبيب يبحث لمجتمعه عن الدواء، وقرأت أعمال نجيب محفوظ فوجدته أديبا لا يشق له غبار، يسرد بريشة فنان متقن، وفي الحالين إنه التفرد والإبداع!
نحتاج إلى مدخل جديد يلغي الفواصل بين اللغة والأدب؛ دراسات بينية معمقة.
لقد كان – وما يزال – النجيبان ظاهرة فريدة في أدبنا العربي المعاصر، تحتاج إلى الدرس والتحليل. ولقد كان حظ نجيب محفوظ وافرا حيث وجد المجال مفتوحا للتعريف به بل والإلحاح على أدبه مما أتاح له الانتشار، وإن كان حظ الكيلاني من ذلك ليس بالقليل، فمجمل روايات الكيلاني يبلغ أربعين رواية غير الكتب والدراسات التي نشرها.
نقطة الالتقاء بينهما هي الإبداع بلغة عربية رصينة، اتسع معجمهما اللغوي حتى شمل معظم مواد اللغة، والمستوى التعبيري هو العربية الفصحى وإن كانت مطعمة بالعربية القرآنية على درجة من التفاوت بينهما، ثمة دراسات دارت حول لغة نجيب محفوظ ؛فمنها على سبيل الحصر كتابان مهمان للدكتور محمد حماد نشرا في القاهرة عن دار الثقافة العربية: التطور اللغوي عند نجيب محفوظ، والجملة القرآنية عند نجيب محفوظ.
أما نجيب الكيلاني فكان حظه من الدرس اللغوي قليلا لا يتعدى رسالتين جامعيتين، لكن الرجلين يظلان علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي وإن ظن البعض أنهما على طرفي نقيض.

Exit mobile version