تطور المشهد الليبي في ظل صراعات أقطاب «عملية الكرامة»

 

 

التنافس السياسي بين حفتر والسراج أوجد حالة من الحرب الباردة تُستعمل فيها الخلافات

الورفلي يهدد حفتر بفضح علاقته باغتيالات في حال تم تسليمه إلى محكمة الجنايات

الدعم الإقليمي يجعل عمليات القضاء على وجود حفتر من الصعوبة بمكان

 

 

تتواصل التصدعات التي تضرب «عملية الكرامة» التي تسيطر على الشرق الليبي بقيادة العسكري المتقاعد خليفة حفتر، وسط تكهنات تُنذر باحتدام الصراع بين مليشيات حفتر ذات الانتماءات المتباينة بين البُعد القبلي والديني المتطرف، وخليط لصحوات المدن المتشكلة غالبيتها من السجناء الفارين من سجن الكويفية في بنغازي، وبعض العسكريين من بقايا الجيش المتهالك الذي تركه نظام القذافي.

بعد الانشقاقات السابقة من قبل ضباط كانوا قادةً في «عملية الكرامة» ولعل أبرزهم العقيد فرج البرعصي، آمر غرفة عمليات بنغازي، حيث حدث صدام بينه وبين حفتر وصل إلى حد الاعتداء عليه وعلى ممتلكاته في مدينة البيضاء، إلا أن تدخل أطراف قبلية من قبيلة البراعصة والعبيدات أوقف الصراع المحتدم بينه وبين حفتر، ثم تلى ذلك انشقاق الرائد محمد الحجازي، من قبيلة العرفة بمدينة المرج، وكان يشغل منصب الناطق الرسمي لـ»عملية الكرامة»، حيث اتهم الحجازي الجنرال حفتر بوقوفه خلف الاغتيالات والتفجيرات التي راح ضحيتها الكثير من العسكريين والإعلاميين والناشطين خلال عامي 2013 و2014م في مدينة بنغازي، وكانت أحد الأسباب المعلنة لقيام «عملية الكرامة»، وهي الاغتيالات التي كان حفتر يتهم ثوار بنغازي بارتكابها.

وهو ما أكده بعد ذلك العقيد فرج قعيم، أحد القيادات العسكرية لـ»عملية الكرامة»، وأحد شباب قبيلة العواقير الذين كان لهم الدور الأبرز في الحرب التي شنتها مليشيات «الكرامة» في بنغازي، ويُعرف عن قعيم شراسته ووحشيته في التعامل مع خصومه وارتكابه العديد من الجرائم خلال حرب «الكرامة» في بنغازي، حيث كان يمارس أعمال تهجير المدنيين وحرق بيوتهم وخطف واغتيال أقارب الثوار وذويهم.

قعيم، الذي استطاع فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي المعين من البعثة الأممية، من استمالته وبث بذور الشقاق بينه وبين حفتر عبر منحه منصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، أصبح هو الآخر أشد قيادات «الكرامة» عداوةً لحفتر، حيث تطورت الخصومة بين الرجلين إلى أن تمت محاولة اغتياله مرتين عبر سيارة مفخخة تستهدف موكبه، ثم هجوم قامت به المليشيات التابعة لصدام حفتر، ابن خليفة حفتر وقائد المليشيا 106 التابعة لحفتر، حيث قامت هذه المليشيا باستهداف مقر فرج قعيم داخل بنغازي بقذائف صاروخية أسفرت عن مقتل مجموعة من عناصر القوة التابعة لقعيم؛ مما جعل قعيم يخرج على الإعلام ويهاجم خليفة حفتر بسيل من الاتهامات، من بينها التخطيط وارتكاب العديد من التفجيرات والاغتيالات قبل «عملية الكرامة»، ووجه قعيم أصابع الاتهام أيضاً إلى خليفة حفتر في مجزرة الأبيار الشنيعة التي عُثر فيها على 36 جثة مقيدة وعليها آثار تعذيب في صحراء منطقة الأبيار جنوب بنغازي.

صراع المناصب 

هذه الصراعات جاءت على خلفيات عديدة، ولكن أشهرها التنافس السياسي الحاد بين قائد «عملية الكرامة» خليفة حفتر الذي يحظى بدعم رئيس البرلمان في طبرق وكذلك مجموعة كبيرة من أعضاء البرلمان، وفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاق الصخيرات، الذي يمارس مهامه من العاصمة طرابلس، ويحظى بدعم دولي ومحلي من شركائه في المجلس الرئاسي الذي يتكون من عدة أطراف سياسية في البلاد.

التنافس السياسي بين الرجلين أوجد حالة من الحرب الباردة تُستعمل فيها الخلافات التي تبرز بين الحين والآخر بسبب صراع المناصب وإغراءات المال والنفوذ، فبعد أن قام فائز السراج باستقطاب العقيد المهدي البرغثي، وهو أشهر قادة “عملية الكرامة” وكان يتولى قيادة الكتيبة “204 دبابات”، بتنصيبه وزيراً للدفاع في حكومته، وهو الأمر الذي أغضب خليفة حفتر، وتسبب في تعرض البرغثي لمحاولة اغتيال في بنغازي ألجأته إلى الفرار إلى العاصمة طرابلس، ومحاولاته المتعددة للانتقام من حفتر عبر دعم محاولات سرايا من ثوار بنغازي حاولت مهاجمة “عملية الكرامة” والدخول إلى بنغازي.

كذلك ما حدث مع إبراهيم جضران الذي استماله السراج بعد أن كان متحالفاً هو وقبيلته (المغاربة) في مدينة أجدابيا مع حفتر في السيطرة على الموانئ النفطية، لكن تحالفه مع السراج جعل حفتر يشن حرباً لطرده من الموانئ النفطية والتنكيل به وبقبيلته.

آخر هذه التصدعات الخلافات الحادة التي خرجت على العلن مؤخراً بين قائد مليشيا الصاعقة الرائد محمود الورفلي المطلوب من محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وخليفة حفتر، حيث ظهر مؤخراً تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية بين الورفلي وسكرتير خليفة حفتر يهدد فيها الورفلي قائد “عملية الكرامة” بالويل والثبور إذا ما تجرأ على تسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية، وتحدث الورفلي بشكل واضح بأنه قادر على قلب الوضع في بنغازي ضد خليفة حفتر إذا شعر بأنه سيتم التضحية به لمحكمة الجنايات.

والورفلي مطلوب جنائياً بتهمة ارتكاب جرائم حرب من قبل محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحقه، وطالبت الحكومة الليبية بتسليمه، حيث تتهمه المحكمة بقتل معتقلين رمياً بالرصاص خارج إطار القانون، وتمتلك المحكمة أدلة ووثائق وتسجيلات فيديو لعمليات تصفية وإعدامات ميدانية قام بها الورفلي في بنغازي خلال عام 2016م، ويخشى خليفة حفتر أن يتم توريطه في هذه الجرائم إذا ما قام بتسليم الورفلي، حيث إن هذه الإعدامات جرت وفق أوامر مباشرة من خليفة حفتر.

في التسجيل المذكور يعترف الورفلي بأنه كان يقوم بعمليات القتل والاغتيال قبل وبعد “عملية الكرامة”، ويهدد ويتوعد حفتر بفضح علاقته بهذه الاغتيالات في حال تم تسليمه إلى محكمة الجنايات، كما يطالب حفتر بدفع مبالغ مالية كبيرة، مدعياً أنها ديون ترتبت عليه نتيجة شرائه بعض المعدات والآليات لمليشياته ودفعه تكاليف علاج الجرحى من عناصره.

 

أما في مدينة طبرق حيث مقر البرلمان الداعم لحفتر وموطن قبيلة العبيدات إحدى القبائل الداعمة لحفتر، فقد أصدر رئيس أركانه الناظوري أمراً بالقبض على عميد بلدية المدينة لذهابه إلى طرابلس واجتماعه مع السراج، حيث اعتبر حفتر ذلك جريمة بالتعامل مع حكومة غير شرعية لم تحظَ باعتماد وثقة البرلمان، حسب زعمه، لكن أعيان قبيلة العبيدات استقبلوا عميد بلدية طبرق في المطار بعد قدومه من طرابلس وسط أجواء مشحونة ومترقبة خوفاً من هجوم خاطف تقوم به مليشيا صدام حفتر قد تستهدف عميد بلدية طبرق. 

محمود سليمان العبيدي هو الآخر ضابط معادٍ لـ”عملية الكرامة”، وأحد أبناء قبيلة العبيدات، وأحد سكان مدينة طبرق، قام السراج بتنصيبه آمراً على المنطقة العسكرية الشرقية؛ مما جعله مستهدفاً من خليفة حفتر، وأحد أسباب تصدع حلفه مع قبيلة العبيدات حيث نشر سليمان محمود على صفحته في “فيسبوك” دعوات لأبناء قبيلته للدفاع عن مدينة طبرق والاستعداد لمواجهة مليشيات “الكرامة” التي تريد أن تفعل في أبناء القبيلة ما فعلته في قبيلة البراعصة والمغاربة والعواقير، ويُحذر بأنه إذا حاولت مليشيات حفتر التقدم نحو طبرق فإن حرباً لن تتوقف إلا بإزالة حفتر من الوجود.

طرق مسدودة

ورغم كل هذه التصدعات والانشقاقات في «عملية الكرامة» فإن ما يحظى به حفتر من دعم من بعض الدول الإقليمية يجعل عمليات القضاء على وجوده من الصعوبة بمكان حتى مع الحجم الكبير من الصراعات والخلافات، فالأموال التي تنهمر عليه توفر له قاعدة قوية لشراء ذمم أعيان القبائل والإنفاق على المرتزقة والتسلح، كما أن الصرامة والشدة التي تميز بهما تجعله لا يتوانى عن ضرب أي محاولة للانشقاق عليه، كما أن سيطرته التامة على رئاسة البرلمان وتوريطه لقيادات قبلية وسياسية معه في جرائم حرب وعمليات فساد جعلت مصيرهم مرتبطاً بمصيره، وهو ما سيطيل أمد هذه الصراعات، ويصعب معه التكهن بنتائجها، وخلال ذلك كله تبقى الطرق مسدودة أمام أي تقدم للعملية السياسية في ليبيا في ضوء الرغبة الجامحة لخليفة حفتر للوصول إلى حكم ليبيا بأي وسيلة ولو كان ذلك بقتل نصف الليبيين.

Exit mobile version