عملية التجديد في «العدالة والتنمية» التركي

الحزب يريد الذهاب للانتخابات الثلاثة المحورية عام 2019م بتشكيلة من الأسماء الجديدة

تراجع نسبة التصويت للحزب في انتخابات يونيو 2015م البرلمانية أول التنبيهات له على ضرورة التغيير

عودة «أردوغان» لرئاسة الحزب بعد التعديل الدستوري كان شارة البدء بعملية التغيير الواسعة

من مظاهر التغيير أن التعديل الوزاري في يوليو شهد انضمام 5 وزراء جدد وتغيير 6 آخرين

الحزب يخطط لأن يكون 2017 عامَ التغيير و2018 عامَ الإنجازات و2019 عامَ حصد النتائج في الانتخابات

 

بعد 16 عاماً من الحكم المتواصل في تركيا، ومع اقتراب الانتخابات البلدية في مارس 2019م، ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نوفمبر من نفس العام حيث سيبدأ تطبيق النظام الرئاسي في البلاد، يخوض حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو التوجه الإسلامي في تركيا عملية تجديد وتغيير وجوه شاملة استعداداً لتلك المرحلة المهمة والفارقة في تاريخ تركيا الحديث.

منذ انتخابات عام 2002م التي أعقبت تأسيسه بأشهر معدودة، يتسيد حزب العدالة والتنمية المشهد السياسي في تركيا، منتصراً في كل المحطات الانتخابية التي خاضها منذ ذلك الوقت ما بين انتخابات بلدية ورئاسية وبرلمانية واستفتاءات شعبية، ومشكلاً حكومات متعاقبة بمفرده (باستثناء انتخابات يونيو 2015م التي أعيدت بعد أشهر).

ولقصة النجاح المتواصلة هذه أسباب عدة في مقدمتها تراكم الإنجازات التي قدمها الحزب لتركيا على مدى سنوات حكمه في مختلف المجالات، وضعف أحزاب المعارضة المنافسة له.

لكن رغم ذلك، تبدو المرحلة الجديدة مع تطبيق النظام الرئاسي نهايات عام 2019م مرحلة مختلفة تماماً ولها شروطها المستقلة والجديدة على الحياة السياسية التركية، ولذلك يبدو الحزب عازماً على الاستعداد لها على أكمل وجه، فالانتقال للنظام الرئاسي يعني الحاجة لنسبة 50% زائد واحد من أصوات الناخبين، وهي نسبة أكبر قليلاً من رصيد الحزب حالياً، وهو ما يمكن اعتباره تحدياً جديداً، ولعل هذا أحد أهم أسباب التغيير التي يشير إليها الرئيس «أردوغان»، فالحزب يريد الذهاب للانتخابات الثلاثة المحورية عام 2019م بتشكيلة من الأسماء الجديدة والنشيطة القادرة على العمل والإنجاز بسرعة وعلى إدارة الحملات الانتخابية وإقناع الشارع.

ومن الأسباب الرئيسة للتغيير أيضاً فترة الحكم الطويلة التي عادة ما يترافق معها نوع من الترهل والتباطؤ وتراجع الأداء، وهو ما يسميه «أردوغان» «الصدأ» أو «التعب»، كما أنه من المعروف في عالم السياسة أن الأحزاب التي تحكم طويلاً تتراجع شعبيتها بشكل عام سيما إذا ترافق ذلك مع تراجع الأداء، ولعل ذلك من أسباب تراجع نسبة التصويت للحزب في انتخابات يونيو 2015م البرلمانية التي فقد فيها العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية؛ وبالتالي القدرة على تشكيل الحكومة منفرداً، وكانت أول التنبيهات للحزب على ضرورة التغيير، وهو ما حصل في انتخابات الإعادة.

ويبدو أن التغيير بات مطلباً شعبياً وحزبياً، حيث تشير مصادر العدالة والتنمية إلى أن طيفاً مهماً من الشعب ومن كوادر الحزب تريد التغيير – على مستوى الأسماء وبعض السياسات – كما يظهر في بعض استطلاعات الرأي والاجتماعات والنقاشات الحزبية الداخلية، وبالتالي يصبح التغيير والتجدد تجاوباً مع مطلب شعبي، ما يعطيه أهمية أكبر.

ولعل من أسباب التغيير أيضاً نتائج الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري في أبريل الماضي التي كانت أقل من توقعات الحزب بطبيعة الحال خصوصاً في بعض المدن الكبرى، وبالتالي كان قرار التغيير في هذه المدن أكثر إلحاحاً بالنسبة للحزب ورئيسه، بناء على تقييم بأن نسبة التصويت تراجعت بسبب الغضب من هؤلاء الأشخاص (قيادات الحزب والبرلمانيين ورؤساء البلديات)، أو سوء أدائهم أو تكاسلهم خلال الحملة الانتخابية، إضافة لبعض الأسباب الخاصة ببعض الأسماء دون غيرها.

مجالات التغيير

يبدو أن حزب العدالة والتنمية مقبل على عملية تغيير واسعة جداً، بل بدأها فعلاً وقطع فيها شوطاً غيرَ بسيط، ويبدو أن عودة الرئيس «أردوغان» لرئاسة الحزب بعد التعديل الدستوري الذي سمح بذلك كان شارة البدء بعملية التغيير الواسعة، التي تحتاج بطبيعة الحال لقيادة قوية ومُجمَع عليها مثل «أردوغان».

أول خطوات التغيير أتت في مؤتمر الحزب العام الذي أعاد «أردوغان» رئيساً له في مايو الماضي، وكانت في التشكيلة القيادية الجديدة للحزب على مستوى هيئة اتخاذ القرار واللجنة المركزية فيه (MKYK) ولجنته التنفيذية (MYK)، حيث وصل التغيير نسبة 40% مع اهتمام واضح بنسبة النساء والشباب في المواقع القيادية.

موجة التغيير الثانية طالت الحكومة، حيث شمل التعديل الوزاري في يوليو الماضي انضمام خمسة وزراء جدد للحكومة وتغيير حقيبة ستة آخرين، ووجود وزيرتين في الحكومة لأول مرة منذ فترة طويلة مع تولي السيدة «جوليدا أر أوغلو» لوزارة العمل والضمان الاجتماعي لأول مرة منذ 26 عاماً، إضافة لوزيرة العائلة والسياسات الاجتماعية «فاطمة بتول صايان كايا».

المجال الثالث للتغيير كان بين رؤساء البلديات من أعضاء العدالة والتنمية، حيث استقال حتى كتابة هذه السطور ثلاثة، أبرزهم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى «قدير طوبباش»، إضافة لثلاثة آخرين من المحتمل تقديمهم استقالاتهم بناء على طلب «أردوغان والحزب، أهمهم رئيس بلدية أنقرة الكبرى «مليح جوتشاك»، بينما تتحدث التسريبات الإعلامية عن عدد أكبر من ذلك بكثير في بلديات أقل أهمية سيأتي دورهم تباعاً.

ولعل أحد أهم مجالات التغيير وتجديد الدماء قياداتُ فروع الحزب في مختلف المحافظات والمدن والبلدات وحتى القرى، حيث بدأت عملية تجديد واسعة عبر مؤتمرات الحزب على تلك المستويات التي ينتظر أن تستكمل قراراتها وتبديل قيادات جزء مهم منها مع نهايات عام 2017 وبدايات 2018م، ولربما أمكننا اعتبار استقالات بعض السياسيين لأسباب مختلفة جزءاً من عملية التغيير، مثل استقالة مستشار رئيس الحزب «شعبان ديشلي» في 19 أكتوبر الماضي.

نتائج التغيير

وفق الكثير من التقييمات المطلعة على كواليس حزب العدالة والتنمية، يخطط الأخير لأن يكون 2017 عامَ التغيير واستكمال كل ما سبق ذكره من عملية التجديد، و2018م عامَ الإنجازات وإنهاء بعض المشاريع المهمة، ليكون 2019م عامَ حصد النتائج في الانتخابات البلدية أولاً (مارس)، ثم الرئاسية والبرلمانية المتزامنة (نوفمبر).

ولذا، فمن الصعب الحكم على نتائج عملية التغيير الواسعة هذه قبل الانتخابات في عام 2019م، بيد أن الحزب يراهن بالتأكيد على تقييمات إيجابية لها من خلال وضعها في سياق التجاوب مع الرأي العام إن كان على صعيد الشعب أو قواعد الحزب، رغم ما في الأمر من مخاطر ومحاذير مثل عدم رضا بعض الأشخاص والدوائر عن عملية التغيير التي أطاحت وربما تطيح بأسماء مهمة داخل دوائر الحزب.

بيد أن ثمة مؤشرات ستكون تحت نظر «أردوغان» والحزب بطبيعة الحال لتقييم المسار قبل الوصول لمحطة الانتخابات، وهي استطلاعات الرأي التي يهتم بها الحزب كثيراً منذ تأسيسه، التي على الرغم من عدم دقة أغلبها فإنها مفيدة إذا ما استؤنِسَ بنتائجها في تقييم عام لمجمل المسار، وهي استطلاعات ستكون ممكنة في الفترة المقبلة بعد قطع عملية التغيير والتجديد مسافة مقبولة ومؤثرة، بينما تبقى المحطات الانتخابية الثلاث عام 2019م هي الفيصل والحكم على هذه العملية.

Exit mobile version