تونس: مشروع قانون المالية.. التداعيات السياسية والاجتماعية

لا يزال الجدل متواصلاً حول مشروع قانون المالية التونسي 2018م لا سيما في ظل انخفاض قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية الرئيسة، وما يقال عن زيادات في الأسعار والترفيع في الأداءات والضرائب، وكذلك الأداء على القيمة المضافة بجميع أنواعها، علاوة على مشكلات الصناديق الاجتماعية، بسبب الأداء الاقتصادي، ووجود أكثر من 50% من النشاط الاقتصادي (الاقتصاد الموازي) خارج نظام الضريبة والرقابة وثالثة الأثافي اقتراح تجميد الأجور في بعض القطاعات والتفويت في المؤسسات العمومية غير القادرة على المنافسة، وذلك من أجل تعبئة موارد مالية في حدود 1355 مليون دينار تونسي للمساهمة في تمويل ميزانية الدولة لسنة 2018م، وهو ما ستكون له آثار سياسية واقتصادية في مقدمتها فقدان المواطن الثقة في من انتخبهم من أجل تحسين ظروفه الاجتماعية وليس تدهورها أكثر وبشكل سريالي.

مآخذ على المشروع

مآخذ متعددة على قانون المالية 2018م صدرت من عديد الجهات في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي رفض أن يتحمل الشغالون، وفق الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، كل أعباء التقشف الحكومي من أجل تعبئة الموارد للميزانية، وزاد الطين بلة إعلان اتحاد الصناعة والتجارة أنه غير قادر على تفعيل بقية الاتفاقات الرامية للزيادة في الأجور خاصة في المؤسسات التي تعاني من ضائقة مالية، وأنه من الصعب مواصلة المفاوضات مع اتحاد الشغل الذي ما انفك يطالب يتفعيل كل اتفاقيات الزيادة في الأجور دون مراعاة للوضع الاقتصادي لهذه المؤسسات.

وكانت الاتفاقات المشار إليها قد تم توقيع معظمها في عام 2013م إبان الحملة على حكومة الترويكة لإخراجها من الحكم، وكان الأمين العام السابق للاتحاد حسين العباسي قد أشار في حوار صحفي سابق إلى انخراط المنظمة العمالية في عملية الضغط على حكومة الترويكة لإخراجها من الحكم عن طريق الحراك الاجتماعي، وهو ما لم ينفه الأمين العام الحالي نور الدين الطبوبي، في معرض رده على تصريحات المكلف بالشؤون السياسية في حزب “نداء تونس” برهان بسيس، الذي أشار للدور الذي مارسه الاتحاد في حياكة الواقع الحالي وإن كان مختلفاً عن السيناريو المتوقع في ذهن قيادته آنذاك، حيث تم تشكيل حكومة وفاقية بين النداء وحزب حركة النهضة.

وكان بسيس قد وصف الاتحاد العام التونسي للشغل، بالجيش الذي قام بدوره وعليه العودة لثكناته، وهو ما آثار حفيظة اتحاد الشغل، وعلق أمينه العام غاضباً: “أنتم في سلة المهملات”.

وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد ذكر بأن الإجراءات المزمع اتخاذها لها 3 أهداف وهي تقليص عجز الدولة إلى 3% من الناتج الداخلي الخام في حدود عام 2020م، والتخفيض في المديونية والتحكم في كتلة الأجور لتصبح 12.5% من ميزانية الدولة بدلاً من 40%.

تداعيات متوقعة

التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة وفق خبراء الاقتصاد ارتدادية أو لها مضاعفات إذا استخدمنا تعابير طبية، ومن ذلك أن الترفيع في الأداء المتعلق بالقيمة المضافة على المنتوجات البترولية وغيرها سيزيد من نسبة التضخم ومن تعميق تدهور المقدرة الشرائية للمواطن وهو حاصل لا محالة وبشكل مباشر ومؤكد.

ويرى آخرون أن الترفيع في الأداء على القيمة المضافة على السيارات السياحية الشعبية سوف يفقدها، معنى الشعبية، ويجعل أسعارها أكبر من متناول الطبقات المستهدفة خاصة في ظل صعوبة الحصول على القروض البنكية لتمويل اقتناء السيارات المصنفة “شعبية”.

وإن كان الحديث عن السيارات الشعبية يشغل نسبة لا تزيد على 10% من الشعب التونسي، فإن الغالبية ستتأثر بتكاليف الخدمات الصحية والنقل والخدمات السياحية والمطاعم والمقاهي أيضاً، وهي المكان المفضل للعاطلين عن العمل، ولم يسلم من ذلك المسافرون حيث وضع معلوم إضافي على السفر من 60 – 80 ديناراً.

ويتوقع زيادة أسعار خدمات الصحة والنقل والخدمات الفندقية والمطاعم والمقاهي وفق مشروع قانون الميزانية المثير للجدل، فضلاً عن القيمة المضافة التي سترتفع بنسبة 19%، علاوة على ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت في شهر أوت الماضي 7.5%، فبينما المعدل المسموح به دولياً أقل من 3%.

أهداف معلقة وضرر مؤكد

ورغم أن الأهداف الثلاثة المعلنة من قبل رئيس الحكومة لا يمكن التأكد من تحقيقها وهي تقليص عجز ميزانية الدولة إلى 3% من الناتج الخام في حدود عام 2020، والتخفيض في المديونية، والتحكم في كتلة الأجور لتصبح 12.5% من ميزانية الدولة بدلاً من 40%، فإن الضرر المتوقع من الزيادة في الأسعار شاملة المواد الغذائية والرخام، ومواد البناء، ومواد استهلاكية أخرى، فضلاً عن معلوم جولان السيارات، وخدمات الهاتف والإنترنت بنسبة 20%، والتأمين من 5 – 6%، والتأمين على أخطار الملاحة الجوية والبحرية من 10 – 12%، والترفيع في نسبة الخصم من المورد على المرابيح الموزعة، وذلك على أساس تشجيع المؤسسات على إعادة استثمار هذه المرابيح في المؤسسات.

وفي ظل هذا السيناريو (مشروع الميزانية) لن يكون أمام الكثير من المواطنين سوى اللجوء إلى السوق الموازية لسد حاجياتهم بحثاً عن أسعار أقل، كما يتوقع أن تنشط هاته السوق بشكل أكبر ويمكن أن تتوسع شبكتها أو حتى شبكاتها.

وكان بإمكان الحكومة بذل جهد حقيقي في استرجاع الأموال المهربة، واسترجاع الأموال التي حصل عليها رجال الأعمال قبل الثورة بدون ضمانات، ولم تعد للخزينة الوطنية حتى الآن، ومكافحة التهرب الجبائي، ووضع معايير للعدالة الجبائية، والقضاء على المحسوبية والرشوة، والتوريد العشوائي، وحماية الإنتاج الوطني، ووضع حد للتوريد الكمالي، ومحاربة التهريب، كما يمكن خصخصة المؤسسات المفلسة التي تكلف الدولة مليارات المليمات كل سنة دون توقع تحسن في أدائها.

Exit mobile version