أنا وأصدقائي (1)

عندما ترون هذا العنوان تظنون أنني سأخبركم عن مواقف وحكايات وحوار وسفر وابتسامات مفرحة بإنجاز تلك الأنامل وربما هناك قصة لدمعة شكر لهؤلاء الأصدقاء.

أحب أن أختصر عليكم حدسكم في حكايتي مع أصدقائي.

نعم سأخبركم عن المواقف ذاتها لكن بشعور تتسع فيه آفاق الرحلة ولتشعر بحلاوة تشبه حلاوة الإيمان التي تنعش كل أنفاسك أتدرون لماذا؟

لأن أصدقائي هم أعمامي!

في أسرتي الكبيرة كانت تلك العلاقة الحميمة طوال سنوات عديدة.. بين ابن الأخ وأعمامه.

ولا أخفي عليكم سراً ولا أبوح لكم بشيء غريب بل من الطبيعي أن القرب في نفسي يختلف من عم إلى آخر.

لكن يوم مولد “أثر الشاكرين” كان لنا منبر من نور كتبنا عنده ميثاق أخوتنا وصداقتنا بعمل يشهد لنا بأثر وإن كان قليلاً، لكن وبعد عون الله نيتنا فيه تعانق موعداً لنا يوم القيامة لمنابر النور لأكون أنا وأعمامي (أصدقائي) لنا موعد هناك لعلنا نسمع فيه غبطة من حولنا بأخوتنا وأثر شكرنا.

ذلك المولد جعلني أعلن بكل أنفاسي أنني أحبهم جميعاً في ذات من جمعنا واستخدمنا لوضع ذلك الأثر الذي نجد التوفيق يرسم لوحته بخطواتنا.. يا حبيبي يا الله!

هل تعلم ما ميثاق أثر الشاكرين بيني وبين أصدقائي الأعمام؟

أن يكون لنا في كل سنة رحلة خاصة لإحدى الدول نتعرف على أيادي العمل التطوعي ونزورهم ونضع الأثر معهم، وهذا الأثر إما أن يكون تحفيزاً أو إسعاداً لفقرائهم أو تبني لمشاريعهم أو التسويق لهم، وخاصة تلكم المشاريع التي تبني على الحاجة ولها أثرها في ذلك المكان من العالم.

من هم أعمامي؟

صالح هو عراب ذلك المشروع وقلبه الذي أشعر أنه يسبقنا في نيته لفعل ذلك الأثر.

زارع مفتاح لكل خير يسعد خاطرك إذا نظرت إليه.

يوسف قلبه وعقله يخبرك في كل لحظة بأمة الجسد الواحد وهو إمامنا في رحلتنا.

إبراهيم المبادر بأنفاسه المطمئنة لا تستغني عن خطواته في كل أثر.

حسين يقاسمني كل لحظة في إتقان هذا المشروع وترتوي في محطة تحفيزه.

أما أنا فابن أخيهم الذي أصبح صديقهم المدلل يجمعنا جروب “أثر الشاكرين”، فيه نرسم خطواتنا وترتفع أصواتنا وحواراتنا وربما ضحكاتنا وتعليقاتنا.

قرر الأصدقاء أن يكون الأثر في قرغيزيا المسلمة (85%).

“وكالعادة صديقي حسين (عمي) تولى كل الحجوزات وأنا فقط نسقت مع المؤسسات الرسمية العاملة هناك، ولن أجد مثل “الرحمة العالمية”.

وصديقي صالح سندنا بعد المعين في تحفيزنا نحو القرار الذي يصنع المعروف دون ضجيج، وصديقي زارع يبارك كل خطواتنا ونتزاحم لإسعاده لأنه يسعدنا.

وصديقي يوسف يخطو معنا بقلب المسؤول عن أمته ولكي يكون الأثر عميقاً نجد ذلك في كل تفسيراته واهتماماته وله أسلوب خاص به في تحفيز الأب المحب.

وصديقي إبراهيم يكاد قلبه يتسع لإسعاد كل أيتام قرغيزيا ويوقف الوقت لهم تماماً من أجل ساعة سعادة لا ينسونها أبداً (حنون بطريقته الخاصة).

ورفيقي وصديقي حسين لا أخفيكم أن خطوات الرحلة بأكملها نخططها معاً لكن بروح إيجابية تسهل علينا الأثر حتى لو كان للعالم بأكمله.

وصلنا إلى قرغيزيا:

عندها كنت أترقب أعين أصدقائي وكأنهم يبحثون عن ذلك الأثر الذي يخلدونه في هذه البلاد؛ هل سيكون الأثر عند زيارتنا للأيتام ومعهم الحلوى ومبلغ بسيط يسعد ذلك اليتيم وتلك اليتيمة.

في تلك الأجواء وأنا أنظر إلى فريق أصدقائي وكأننا ألوان طيف تبهج كل من حولها بصوت ضحكات أيتام قرغيزيا وبدفء ابتسامات أعمامي.. عفواً أصدقائي.

ويا ليتكم كنتم معنا وأنتم ترون كل صديق على طاولة الغداء وحوله الأيتام يتناولون معه الطعام!

لقد رأيت أعين الأيتام سعيدة وكأنها تنشد في أعمامي عطف الأبوة الحانية.. نعم أعلنها.. أصدقائي كانوا عيداً لهؤلاء (ما أروع عفوية أعمامي معهم! أحبكم يا أصدقاء).

وأما الأيتام وعلى مسرحهم الجميل وبحركاتهم وأناشيدهم ودعونا وقد ربطنا معهم ميثاق الرعاية والحب والدعاء ودعونا إلى باب السيارة.

دمعت عيني وأنا أتخيل أنهم يتمنون أن نجلس معهم وقتاً أطول.

العزاء الوحيد لنا أننا وجدنا أروع بيئة تعليمية وتربوية واجتماعية ترعى هؤلاء بكل تميز وإتقان ورحمة.

فالرحمة العالمية هي بيتهم ومستقبلهم.

 نعم يكفي أن تزورهم بحب وتودعهم بحب.. هكذا صنع الأصدقاء.

انتقلنا مع الفريق إلى جامعة محمود قشقري، هنا تشعر أنك في جامعه نقشت إنجازها من صخور الصبر ليتحقق إنجاز يفخر به كل مسلم.

جامعة تحمل القيم ثم العلم تمد يدها لكل مبادرة تخدم الجانب الأكاديمي ليواكب متطلبات عصر التنمية.

باحوا لنا بكل حب عن استشرافهم للمستقبل وأدخلونا بدون شعور في هموم رسالتهم وكأنها أثر رسالتنا.

اللغة العربية والترجمة والاقتصاد والقانون كل ذلك في تخصصات هذه الجامعة الخيرية العالمية في قصة نشأتها!

والأيتام لهم النصيب الأوفر في مقاعد هذه الجامعة التي ترسم نهضتهم ونهضة بلادهم حتى أصبح خريجو الجامعة لهم مكانة مرموقة في مؤسسات الدولة والمؤسسات الدبلوماسية الخارجية والمكاتب الخاصة وكيانات السياحة في المنطقة.

خرج الأصدقاء وهم يغازلون أثراً آخر لا بد أن يضعوه في هذه الجامعة بعد أن جلسوا جلستين.

واحدة في قاعة الاجتماعات مع هيئة التدريس يسبرون واقع ومستقبل هذا المشروع الرائد، وأخرى على مقاعد الدراسة مع الطلاب وكأنهم يسبرون عمق تعليمهم وجمال إنجازهم.

خرجنا من الجامعة بين الفرحة بوجود هذا الكيان وكيف نساهم في رسالته، ثم قدر الله أن يكون لنا أجر الدلالة في وضع حجر الأساس لمسجدين؛ مسجد “مكة”، ومسجد “أثر الشاكرين”.

وكأن الأصدقاء يعلنون أن هذه البقعة هي النور لهم والأثر لنا.

ثم انطلقنا لزيارة رجل عظيم له أثر كبير في دعوته وحب الناس له ونسيت أن أخبركم أنه طبيب أسنان اسمه الشيخ أوزبك، ما أن وصلنا إلى منزله إلا واستقبلنا بحفاوة مختلفة تماماً تجد فيها طيب المحيا وبشاشة النفس وهدوء منزله وجمال بساطته وعمق رسالته.

أوزبك ذلك الطبيب والأستاذ الجامعي الذي ترك كل شيء من أجل أن يتعلم أمور دينه ويصبح داعية له أثره اليوم على بلده، ويملك قناة تلفزيونية لها أثرها الإعلامي في نشر القيم وإذاعة تعزز من أثيرها هذه القيم وتثبتها.

نستمع لحديثه ونحن على طعامه وكأنه هو الضيف ونحن أصحاب المنزل، وهكذا القادة يصنعون هذا الشعور عند من يجالسهم حتى لو زهدوا بالكلام عن أنفسهم فمن يجالسهم يكتشف عظمتهم.

ودعنا الشيخ بأثر مبهج لصدورنا وقلوبنا بأن قابلنا رجل بأمة لا تستهويه ثروه ولا تدنيه حاجة.

لقد رأيت أصدقائي وهم يعبرون بوجوههم ومفردات حديثهم وفرحهم بانتشار الإسلام، وأن هناك رجالاً يعملون بكل فرح في خدمته.

“نجحنا على روسيا”.. “الحب يحتاج أفعالاً”.

ومن هذه الكلمات لشيخ أوزبك.

خرجنا ونحن نستذكر التاريخ.

من عشرين سنة قرغيزيا كانت تحت الجبروت الروسي.

ومسح القيم والهوية بكل جوانب الحياة ولكل الفئات.

اليوم نزورها لنقف على حقيقة واحدة أن الإسلام لا تستطيع أي قوى في الدنيا أن توقفه وأنه سيل كلما سد طريقاً عنه انحدر إلى طريقاً آخر ليعانق فطرتهم وقلوبهم وعقولهم.

قال لي يوماً الشيخ النابلسي حفظه الله: “الله لن يسمح لأي جهة مهما كبرت أن تمنع هدايته لخلقه”.

كان هناك 30 مسجداً، أصبح اليوم 3200 مسجد (وبأثر الشاكرين أصبح الرقم 3202 مسجد).

هناك إقبال على اللغة العربية من أجل تعلم القرآن.

رأينا قيم الإسلام تخطو إلى قلوبهم رويداً رويداً.

مشهدان لن تنساهما في قرغيزيا؛ مشهد الشباب في المساجد، والكرم قيمة أصيلة عند أهالي قرغيزيا.

هذه دولة كانت ممسوخه تماماً.

اليوم عدد المسلمين 85%.

وكأنك ترى أثر الطبيب أوزبك في هذه النتيجة الربانية.

ودَّعنا قرغيزيا بهذا الشعور المفعم بمستقبل إسلامنا وأثر شكرنا وقوة صداقتنا وتراحم قلوبنا.

Exit mobile version