مشروع «كيري لافروف» لتقسيم المنطقة بديلاً عن «سايكس بيكو»

ـ المنطقة دخلت في مرحلة التقسيم والتفتيت بأيدٍ أمريكية وروسية وإيرانية

ـ السياسة الخارجية الكويتية عاقلة ومتزنة ونتاج تجربة سياسية ناضجة

ـ ما يجري في سورية تآمر على الشعب تعدى التغيير إلى التقسيم

ـ القضية الفلسطينية تاهت بسبب ما يجري بالدول العربية

ـ العرب يتحملون مسؤولية ما يجري بـ”الأقصى” والفلسطيني يملك الدفاع عن قضيته

ـ العالم لا يعرف إلا لغة القوة والمصالح أما مقولة حقوق الإنسان فخرافة!

 

قال السفير إبراهيم يسري، وكيل وزارة الخارجية المصرية الأسبق: إن المنطقة العربية دخلت في طريق صعب ومنحى خطير يعكس نوايا جادة لتقسيمها وتفتيتها، إن لم يكن بدأ بالفعل من جانب القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما أطلق عليه السفير يسري مخطط «كيري – لافروف» على غرار مخطط «سايكس – بيكو» في بداية القرن الماضي؛ حيث رأى أن التقسيم أمريكي روسي أوروبي من خلال استخدام الورقة الإيرانية، وإحداث صراعات طائفية بين الشيعة والسُّنة، وبداية تقسيم طائفي ثم التقسيم.

أشاد وكيل وزارة الخارجية المصرية الأسبق السفير إبراهيم يسري، في حواره مع «المجتمع»، بالسياسة الخارجية الكويتية، مؤكداً أنها تتمتع بالتعقل والهدوء، وهو ما ظهر جلياً في موقف الكويت ودورها تجاه أزمة الخليج الأخيرة بين قطر وعدد من الدول الخليجية؛ حيث حافظت على توازنها ولم تنحز لطرف على حساب طرف، بل تمسكت بالوساطة بين الطرفين، والعمل على رأب الصدع والحفاظ على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي رغم صعوبة المهمة.

وقد تطرق السفير يسري إلى عدد من القضايا الدولية والإقليمية المهمة من خلال الحوار الذي نتابع تفاصيله فيما يلي:

* من خلال خبرتك الطويلة في مجال السياسة الخارجية، كيف ترى السياسة الخارجية الكويتية بصورة عامة؟

– هي سياسة عاقلة وتتمتع بالذكاء والاتزان، وتأتي في سياق سياسة دول الخليج العاقلة بشكل عام، وإن كانت الكويت تتميز عن باقي دول الخليج بوجود تجربة سياسية وبرلمانية ناضجة؛ مما يعطي سياستها ثقلاً وتوثيقاً من خلال البرلمان، ومناقشة القرارات قبل اتخاذها، ومنها بالتأكيد القرارات التي تخص السياسة الخارجية، وهذا شيء جيد، ويعطي صورة طيبة عن الكويت وسياستها الخارجية.

* وما رأيك في موقف الكويت ودورها في الأزمة الأخيرة بين قطر وبعض دول الخليج بصورة خاصة؟

– الحقيقة؛ الموقف الكويتي في هذه الأزمة جيد ويُقدر ويُحترم من الناحية الأخلاقية والسياسية؛ حيث تحاول الحفاظ على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي؛ لأنها تدرك أن ما يجري يمكن أن يؤدي إلى تفكيك المجلس وإنهاء دوره، وهو ما تحاول الكويت تلافيه.

وأمير الكويت شخصية محترمة، وله خبرته السياسية والدبلوماسية، واستطاع أن يمتص الصراعات والتصعيد في بداية الأزمة، وهذا يحسب للشيخ صباح الأحمد كشخص، وللكويت كدولة، ويعكس خبرة وقوة ومتانة الدبلوماسية عبر علاقة الكويت المتميزة والطيبة مع كل دول مجلس التعاون الخليجي.

* كيف ترى العلاقات الخليجية – الإيرانية؟

– في أسوأ حالاتها؛ حيث تتجاوز إيران كل الخطوط، وتحاول فرض هيمنتها في المنطقة، بل وتعلن مخططها بوضوح في السيطرة على المنطقة، والسعي لإقامة إمبراطورية إيرانية من خلال السيطرة على عدة عواصم عربية، وتهديد أمن السعودية ودول الخليج بشكل مباشر في اليمن، بل والإعلان عن السيطرة على مضيق هرمز، فضلاً عن موقفها من الجزر الإماراتية والتمسك بالسيطرة عليها.

* هل بإمكان دول الخليج وقف تمدد النفوذ الإيراني؟

– لا بد من توحّد خليجي وعربي لمواجهة النفوذ الإيراني؛ لأنه ليس بوسع دولة واحدة مواجهتها.

وبالنسبة للسعودية؛ فهي منشغلة بحربها ضد الحوثيين في اليمن، ولديها الطائفيون في الشرق، ومحاطة بعدة مشكلات حولها، فضلاً عن تخاذل بعض الدول العربية عن نصرتها، وعلى رأسها مصر التي كان الرهان عليها لعمل توازن مع إيران، ولكنها حاولت التقرب من إيران على الأقل في فترات سابقة.

* كيف ترى ما يحدث في المنطقة العربية الآن وما يجري بها من صراعات؟

– للأسف المنطقة العربية دخلت في طريق صعب ومنحى خطير يعكس نوايا جادة لتقسيمها وتفتيتها، إن لم يكن بدأ بالفعل من جانب القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة وروسيا أو ما يمكن تسميته مخطط «كيري – لافروف» على غرار مخطط «سايكس – بيكو» في بداية القرن الماضي، والتقسيم أمريكي روسي أوروبي من خلال استخدام الورقة الإيرانية، وإحداث صراعات طائفية بين الشيعة والسُّنة، وبداية تقسيم طائفي، ثم التقسيم الجغرافي، ولعل ما يحدث في سورية والعراق يؤكد ذلك بوضوح.

* ننتقل إلى الوضع في سورية.. كيف ترى ما يجري هناك؟

– ما يجري في سورية – باختصار – تآمر على الشعب السوري وعلى ثورته ورغبته في التغيير، بل الأمر تعدى هذا إلى تقسيم سورية وتنفيذ المخطط الأمريكي الروسي الأوروبي المتعلق بتقسيم المنطقة وتفتيت دولها، وليس مساعدتها على تحقيق الديمقراطية ونيل الحرية كما كانوا يزعمون.

* ماذا عما يجري باليمن؟

– الأمر معقد باليمن بالتأكيد، ويصعب هناك الحسم العسكري، والتحالف يعلم هذا جيداً، لكنه يحاول الحد من قوة ونفوذ الحوثيين وصالح، ولا بديل عن الحل السياسي، خاصة أن وضع اليمن معقد ومتشابك كمجتمع قبلي، فضلاً عن جغرافيا المكان التي تظل عائقاً في حسم عسكري.

* ننتقل إلى الملف الليبي.. ماذا ينتظر الليبيين؟

– أيضاً ليبيا تمر بموقف معقد وصعب، خاصة في ظل تعدد الحكومات، ورغم المؤتمرات العديدة والحكومات فإن الأمور ما زالت مرتبكة، ولا بد من توحّد الليبيين واعتماد حكومة موحّدة تعبر عن كل الليبيين، وهناك محاولة دولية لإعادة الاستقرار الي ليبيا للحفاظ على وحدتها، وكذلك بسبب وجود الثروة البترولية التي تظل مطمعاً لكل الدول، فضلاً عن وجود «تنظيم الدولة» هناك والخوف من تمدده رغم خسارته مؤخراً في عدد من المناطق.

* يبدو أن الوضع في العراق لا يقل تعقيداً عن الدول السابقة، أليس كذلك؟

– بالتأكيد الوضع في العراق ليس بالمُرضي، خاصة في ظل الانقسام الذي يهدد وحدته؛ حيث تظل الطائفية هي المسيطرة على المشهد هناك، ومازال العراق يدفع ثمن الاحتلال الأمريكي رغم ما يجري في الموصل مؤخراً وتراجع «تنظيم الدولة»، ولكن هذا سيكرس الطائفية أكثر؛ بسبب التواجد الإيراني الكبير في العراق ودعمها للشيعة على حساب السُّنة.

* هل تاهت القضية الفلسطينية في هذه الملفات العربية الشائكة؟

– للأسف هذا ما حدث بالفعل، لقد تاهت القضية الفلسطينية وهجرها العرب والمسلمون، لكن الفلسطينيين قادرون على أن يحافظوا على قضيتهم وإحيائها طوال الوقت عبر تضحياتهم المستمرة والانتفاضات تارة بالحجارة وتارة بالسكاكين وأخرى بالسلاح والمواجهات المباشرة دفاعاً عن الأرض والمقدسات.

* كيف ترى ما يحدث بالمسجد الأقصى من جانب الكيان الصهيوني؟

– ما يحدث بالمسجد الأقصى المسمار الأخير في نعش «أوسلو»، وهذه الجرأة أو الوقاحة من جانب «إسرائيل» تحدث نتيجة ضعف المنطقة، والتخاذل المصري، وانفصال المغرب العربي عن كل ما يحدث في المشرق العربي، وللأسف فاتفاقية أوسلو هي السبب الرئيس فيما يجري؛ حيث تم احتواء الانتفاضة الفلسطينية، وأحدثت انقساماً فلسطينياً غير مسبوق، وتقوم السلطة بالقبض على أي شخص يحاول الاعتراض على الاحتلال وممارساته خاصة من ينتمون إلى «حماس».

* أين جامعة الدول العربية مما يجري في الدول أعضائها؟

– للأسف صارت الجامعة كياناً هيكلياً ليس له دور أو فاعلية، لقد ماتت إكلينيكياً، وكانت هناك فرص كثيرة كي تستعيد دورها مرة أخرى، ومن هذه القضايا الأزمة السورية مؤخراً كان يمكن ممارسة دور هناك، خاصة أن ميثاقها يسمح لها بذلك، ولكن الانقسام بين أعضائها تجاه القضايا سبب العجز عن أداء الدور.

* وماذا عن «الربيع العربي»؟ وأين وصل الآن؟

– بالتأكيد «الربيع العربي» تعرض لضغوط عليه ومحاولات لإفشاله، ومارست الثورة المضادة دوراً كبيراً في ذلك، لكن في النهاية يمكن اعتباره موجة من الثورة، وهبّة في وجه الاستبداد الذي بدأ منذ قرون؛ وبالتالي إنهاؤه بهذه السرعة بالتأكيد يكون صعباً، ولا بد من جولات وهبات متتالية، وأعتقد أن «الربيع العربي» موجة وسوف تتبعه موجات أخرى.

* هل هذا معناه أنك ما زلت تؤمن بـ«الربيع العربي»؟

– بالتأكيد أنا مؤمن به جداً، ولكنه سيأخذ وقتاً، وسيظل موجوداً، وهو بمثابة نار تحت الرماد، إذا خمد بعض الشيء فهو لم ينطفئ، لكنه ربما يطول بعض الشيء، كما حدث مع الثورة الفرنسية، ولكن سيأتي اليوم الذي ينتصر فيه؛ لأن الشعوب عرفت طريقها، وكسرت حاجز الخوف.

* ماذا عن القوى الدولية والميزان الذي يحكم علاقاتها؟

– بالنسبة للقوى الدولية حدث توازن بعض الشيء؛ لأن أمريكا لم تعد تدير العالم أو تتحكم فيه كما كانت؛ ومن هنا تراجع التحكم الأمريكي في العالم نسبياً، وإن كانت تملك مؤهلات ذلك، وهناك قوى أخرى تلعب على الساحة الدولية سواء سياسياً مثل روسيا وأوروبا بالطبع، أو اقتصادياً مثل اليابان والصين، ولكن العلاقات الدولية في النهاية يحكمها ميزان المصلحة، وليس القيم والمبادئ، والقانون الدولي أصلاً هو قانون القوة، وحتى ما يروج عن باقي المصطلحات فهو من قبيل المسكنات والمتاجرة، فحركة حقوق الإنسان خرافة كبيرة، وكذلك الرأي العام العالمي، وتبقى القوة والمصلحة هما الأصل.

* هل المؤسسات الدولية مازالت تؤدي دورها كما ينبغي خاصة تجاه القضايا العربية؟

– هذه المؤسسات تتحكم فيها الدول الكبرى في نهاية المطاف، ودليل ذلك رفض قبول أعضاء دائمين بمجلس الأمن سوى الخمسة الكبار الذين يتحكمون في قرارته، ويرفضون فتح الباب أمام ممارسة حق «الفيتو» لأي دولة أخرى، ويحاولون توظيف «الفصل السابع» بميثاق الأمم المتحدة لتأديب الدول التي تخرج عن طوعهم وليس لاستعادة حقوق الشعوب المقهورة، بينما الأصل في هذا الفصل نصرة الشعوب المظلومة والمعتدى عليها، ولعل ما يحدث في سورية وفلسطين دليل واضح على ذلك، ولا يتبقى من هذه المؤسسات سوى بعض فروعها الإنسانية التي تقوم بجزء من دورها، أما على المستوى السياسي فهي مؤسسات للكبار فقط، وليس للدول الصغيرة أي نصيب فيها.

Exit mobile version