سياسات السراج ودورها في تمكين مشروع حفتر بليبيا

 

– الأزمة الخليجية ربما يكون لنتائجها التأثير الأكبر على الملف الليبي مستقبلاً

– صمت حكومة السراج على ما يفعله حفتر دون أي استنكار منها يضعها موضع الشك والريبة

– قوة ثوار مصراتة عقبة كبرى في وجه حفتر وهي أكبر قوة عسكرية بالبلاد

خلافاً لروح الشريعة الإسلامية التي تحض على الصلح والسعي إلى التوافق وتغليب روح المحبة والسلام من خلال الحوار بين أبناء الوطن الواحد، يواصل اللواء المتقاعد خليفة حفتر إجراءاته الرامية إلى بناء نظام عسكري يحكم ليبيا على غرار نظام «القذافي» الدكتاتوري.

ساهمت سياسة السراج الضعيفة والمترددة في منح خليفة حفتر مساحة واسعة للمناورة والسيطرة على أراضٍ جديدة في جنوب ووسط البلاد، وسط تراجع للقوات التابعة للسراج من هذه المناطق؛ بسبب انعدام الدعم المادي والعسكري لهذه القوات، وهناك مخاوف لدى الكثير من المراقبين من أن ما يقوم به السراج من تغافل لخطورة التحركات الأخيرة لقوات حفتر يزيد من الشعور لدى غالبية المؤيدين له بأنه يمارس سياسة تهدف إلى تمكين حفتر من السيطرة على نقاط قوى أكثر مع مرور الزمن حتى يصبح القبول به أمراً لا مناص منه.

حفتر من جهته نجح في إقصاء السلطة السياسية المدنية في الشرق والمتمثلة في رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس حكومته عبدالله الثني اللذين لم يعُد لهما أي دور سياسي أو إداري، بل إن اختفاءهما عن المشهد في الشرق أصبح مألوفاً لدى المتابعين، واختفت كل الأخبار عن تحركات ونشاطات عقيلة صالح بعد أن كان الواجهة السياسية لخليفة حفتر.

كل هذه المؤشرات تؤكد المزاعم التي راجت مؤخراً عن سعي حفتر لاستلام السلطة في ليبيا بشكل كامل، خاصة التهديد الذي أطلقه مؤخراً وأعطى خلاله مهلة للسياسيين لحل كل الأزمات التي تعيشها البلاد خلال فترة ستة أشهر، أو أنه سيُعلن استلام القيادة العسكرية للجيش لمقاليد السلطة في البلاد لفترة انتقالية من سنتين حتى يتم إجراء انتخابات.

ومعلوم أن هذه هي الطريقة المفضلة لكل الدكتاتوريين العسكريين في الوصول إلى السلطة؛ حيث إن هذه الفترة الانتقالية ما هي إلا فترة تمهيدية يجري فيها إعداد البلاد والناخبين لانتخاب شخصية الحاكم العسكري كحاكم مدني يمر عبر صندوق الانتخاب.

علاقة السراج بحفتر

تأتي هذه التطورات في ظل تغيير واضح في ميزان القوى في طرابلس لصالح حكومة السراج؛ حيث سيطرت مليشيات تابعة لهذه الحكومة على جميع المقرات الحكومية في العاصمة بعد انسحاب قوات أخرى مناوئة لحكومة السراج من العاصمة؛ وهو ما يجعل حكومة السراج أكثر فاعلية، ويعطيها مساحة أكبر لتنفيذ ترتيباتها الأمنية التي نص عليها الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات نهاية عام 2015م، لكن علاقة هذه الحكومة غير الواضحة بما يفعله الجنرال حفتر في الشرق وتمدده في الجنوب الليبي والوسط دون أي استنكار من جانب هذه الحكومة، خاصةً أن المناطق التي سيطر عليها حفتر كانت تحت سيطرة قوات موالية لحكومة السراج؛ وهو ما يجعل موقف غالبية القوى السياسية في الغرب الليبي من هذه الحكومة يتسم بالشك والحذر.

عدم الوضوح في سياسة السراج خاصة مواقفه من تمدد سيطرة حفتر والتهديدات التي يطلقها للسيطرة على العاصمة، وكذلك قوائم الإرهاب التي أصدرها برلمان طبرق الواقع تحت سيطرة حفتر التي ضمت الكثير من السياسيين المؤيدين للاتفاق السياسي وعلى رأسهم عبدالرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة المنبثق عن الاتفاق السياسي، ومحمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء، الشريك الأساسي للسراج في حكومة الوفاق الوطني، والكثير من الشخصيات الأخرى التي تؤيد حكومة السراج، كل ذلك ساهم في إلقاء ظلال من الشك حول علاقة السراج بحفتر، ومدى الجدية في تطبيق الاتفاق السياسي الذي يُقصي حفتر، ويتساءل كثيرون من خصوم حفتر حول مزاعم عن تواطؤ السراج في مشروع إعادة حُكم العسكر إلى ليبيا بعد أن أظهرت مواقفه الضعيفة والمترددة وغير الحاسمة تجاه ما يفعله حفتر من انتهاك صارخ وواضح للاتفاق السياسي، وسعيه إلى بسط سيطرته العسكرية على كامل الأراضي الليبية بما فيها العاصمة.

إلا أنه وسط هذا المشهد المعقد، توجد قوة عسكرية في ليبيا لا تظهر على الساحة السياسية؛ وهي قوة ثوار مدينة مصراتة التي يعتبرها المراقبون أكبر قوة عسكرية في البلاد، نجح قادتها في تجنيبها الصراعات العسكرية الليبية خلال السنتين الماضيتين، باستثناء عملية «البنيان المرصوص» التي خاضتها ضد «تنظيم الدولة» في سرت، وأثبتت بواسطتها تفوقها العسكري والقتالي.

لكن ما يُضعف تأثير هذه القوة في الوقت الحاضر عدم وجود قيادة سياسية تتوحد تحتها، فهذه القوة مشتتة بين الكثير من كتائب الثوار التي يعترف بعضها بحكومة السراج، بينما يرفضها البعض الآخر وتقف غالبيتها موقف الحياد من حكومة السراج، بالرغم من توحد موقفها تجاه حفتر حيث يرفض كل عناصر هذه القوة سيطرة حفتر على ليبيا، وينظرون إليه كمجرم حرب ودكتاتور متسلط يسعى للسلطة، ولا يمكن أن يرضوا بوجوده في المشهد السياسي الليبي.

هذه القوة العسكرية الكبيرة لم تحسم أمرها بعد، وما زالت تراقب ما يجري على الأرض، وهي بالتأكيد ستكون أكبر عقبة في طريق خليفة حفتر وأطماعه في الوصول إلى سُدة الحكم.

هناك الكثير من العناصر التي تؤثر في تغيير المشهد السياسي الليبي؛ أهمها المتغيرات الدولية خاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية ومصير الرئاسة الأمريكية التي تهددها فضائح العلاقة مع التآمر الروسي للتأثير على الانتخابات الأمريكية، وصولاً إلى الأزمة الخليجية التي سيكون لنتائجها التأثير الأكبر على الملف الليبي مستقبلاً.

وربما يكون لتغيير المبعوث الأممي أيضاً تأثير على الملف الليبي، فقد عُرف عن المبعوث السابق «مارتن كوبلر» انحيازه الكبير إلى جانب حفتر، وعجزه التام عن ممارسة أي ضغوطات على برلمان طبرق لصالح تطبيق اتفاق الصخيرات، وينظر البعض إلى تعيين اللبناني غسان سلامة بأنه سيكون نقطة تحول في كيفية تعامل الأمم المتحدة مع التعنت الذي يمارسه برلمان طبرق تجاه تطبيق الاتفاق السياسي.

Exit mobile version