مساجد “بربرة” بالصومال.. إرث عثماني مهدد بالاندثار

مدينة “بربرة” الساحلية شمالي الصومال، منحها الرحالة والتجار القدامى على مر الحضارات العديد من الأسماء ذات المعاني المختلفة بسبب موقعها الجغرافي الإستراتيجي، منها “بلاد البربر” و”بلاد البنت” و”أرض الآلهة والعطور والبخور”.

الطابع المعماري لـ”بربرة” ومنازلها القديمة، يعكسان بصمات حضارات سكنتها أبرزها العثمانية، وتبهج الزائرين بمآذنها الشاهقة التي امتازت بها المساجد المنتشرة في جنبات المدينة، والبالغ عددها نحو 75 مسجدًا.

ففي حي “دراولي” القديم تتجلّى العمارة العثمانية في معالمه وملامحه العتيقة، إذ تحدّث أزقة الحي ونوافذه وأبوابه عن نفسها، فيما تسرد القباب والمآذن بأقواسها الهندسية الجميلة، حكاية عثمانيين مرّوا تاركين إرثاً يغوص بأعماق التاريخ.

ورغم الدمار الذي لحق به على مر العصور، يتوسط الحي العشوائي مساجد عثمانية يعود تاريخ إنشائها لأكثر من قرنين، فيما تتزين تلك المساجد بقباب ومآذن شاهقة تحمل خطوطاً تضفي على هيبتها جمالاً.

موقع إستراتيجي

شيخ سعيد صومالي، وهو صومالي من أم تركية، يقول: إن المدينة قديمة تحتفظ بجنباتها تاريخاً وحضارات تناوبت على حكمها، ومنها العثمانية والإيطالية والإنجليزية، نظراً لموقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي يربط القرن الأفريقي بالعالم الخارجي.

وبحسب “الأناضول”، يبيّن شيخ سعيد، أن المباني التي تركتها الحضارة العثمانية ما زالت شاهدة على حقبة تاريخية مضت، مشيراً إلى أن القليل من المساجد مفتوح حالياً أمام المصلين بينما البقية مهددة بالانهيار.

ويبدو من التصاميم المعمارية التقليدية للمساجد، أنها طراز عربي إسلامي بامتياز، صمد أمام قسوة الطبيعة والتغييرات الهندسية التي أدخلت عليها بفعل عمليات الترميم التي نفذتها الحكومة المحلية تفادياً لزوالها عن الوجود.

وفي أقصى المدينة، وضمن أحد دروس الكتّاب، تصدح آيات من القرآن يتلوها أطفال داخل أحد المساجد، جدرانه آيلة للسقوط منقوش عليها آيات قرآنية بالخط الكوفي.

وبحسب شيخ محمد، إمام المسجد الذي يعد من أقدم مساجد المدينة، رغم الدمار الذي حلّ بهذه المساجد (بفعل عوامل التعرية الطبيعية)، فإنها تخرّج آلاف الطلاب من حفظة كتاب الله والتعاليم الدينية.

ومضى قائلاً: أدخلنا عليه بعض الترميمات للحيلولة دون انهيار أقبيته القديمة، ورغم ذلك حافظنا على طابعه المعماري الأصلي الذي يشد ناظريه ويأخذهم لعمق الحضارة العثمانية التي عاشت في كنفها هذه المنطقة.

ورغم أن الملامح الأصلية لبعض المساجد تغيّرت نتيجة الظروف الطبيعية، فإن أطلالها بقيت شاهدة على الحضارة العثمانية، فيما صمدت مساجد أخرى رغم مرور الأزمنة، وما زالت تحتفظ برونقها وجمالها الفريد.

دور الحضارة العثمانية

وبحسب وزارة السياحة في إدارة صومالي لاند (شمال الصومال) فإن الحضارة العثمانية تعد من أقدم الحضارات التي مرت بهذه المدينة، وبات طابعها المعماري يهيمن على القسم الأكبر من مبانيها القديمة.

محمد أحمد شيخ، المسؤول في وزارة السياحة، يشير إلى أن المعالم الأثرية العثمانية في “بربرة” تعاني من الإهمال، حيث بات معظمها مهدد بالزوال نتيجة غياب اهتمام الجهات المعنية عن ترميمها.

وعليه، طلبت الوزارة الصومالية من الجهات التركية المساعدة في الاهتمام بتلك المناطق العثمانية التي تعكس الروابط الأخوية والتاريخية لشعبي الصومال وتركيا منذ نحو قرنين من الزمن.

ولم يقتصر دور الحضارة العثمانية في “بربرة” على بناء المساجد، بل ويتجلّى ذلك في المصادر المائية، حيث حفرت أول بئر ما يزال تشكل مصدر الماء الوحيد الذي يعتمد عليه سكان المدينة التاريخية.

يقول أحمد محمد أحد أعيان المدينة: إن الحضارة العثمانية لم تكن مجرد حضارة مرت هنا وانتهت، بل أثرت مجريات الحياة وأدت دوراً في جميع مجالات الحياة، من موانئ وأماكن عبادة ومصادر مائية.

وأوضح أن السكان أطلقوا اسم “دبار” على بئر المياه، التي شيّدها الأتراك إبان ثمانينيات القرن التاسع عشر، معتبراً أنها شاهد حي على دور الحضارة العثمانية في المدينة العريقة.

وأضاف: الحضارة العثمانية حية، وستبقى في ذاكرتنا لطالما نعتمد على هذه المياه النقية.

Exit mobile version