الإنتاج الرمضاني.. إلى أين؟

 

 

من الواضح أن الإنتاج الرمضاني في كل عام ينتقل لمرحلة جديدة من التعاطي مع المواضيع المطروحة والقيم التي يتم نقاشها وتداولها، وهذا يلقي بظلاله على الموسم الرمضاني الذي أصبح موسماً للإنتاج الدرامي والتلفزيوني حيث تتخللها دعايات تجارية تثبت العلامة التجارية للموسم في حياد واضح عن هدف رمضان الأسمى.

يشهد الإنتاج الرمضاني في كل موسم طفرة جديدة في شكل الإنتاج وجودته، وهذا يأتي كنتيجة حتمية للتطور التكنولوجي ومواكبة التقنيات الحديثة في التصوير والمونتاج، وينعكس بالضرورة على جودة الصورة والمنتج النهائي، لكن ليس هذا هو مدار البحث والنقد، فقد أصبحت التكنولوجيا الحديثة «تحصيلَ حاصلٍ»، وفِي متناول الجميع، إلا أن الحشوة الدرامية والقصة المروية هي السم المدسوس في الصورة الدسمة إنتاجاً وتجويداً.

يستعان بالوجوه المعروفة التي كانت ذا باع سابق لمّا كانت الوجوه وجوهاً جديدة في كل شيء، ولمّا كانت الدراما حديثة عهد بنا، وكنا حديثي عهد بها، هؤلاء النجوم كما هو معروف اصطلاحياً استطاعوا أن يبنوا لهم قاعدة جماهيرية عظيمة، ومساحات واسعة على الشاشات، من خلال أعمال كانت تلامس الوجدان الشعبي ومشكلات المجتمع، ولكن تحول هذا الصدق في الطرح إلى التجارة في الطرح، وأصبح الفنان مدجناً وتقلص هامش الحرية ثم تجاوز ذلك إلى السير في ركب ما تريده القنوات وشركات الإنتاج التي تتبع أجندة المال والسلطة ولا شيء غيرها.

لا يوجد حل حقيقي قريب في الأفق، والشاشة لم تصبح حصراً في البيوت بل تبعتها إلى جيوبنا في الهواتف النقالة، وأصبح لا مفر من التلقي، إلا أن الوعي بهذه الظاهرة الإعلامية الموسمية هو الذي سيكون حصناً أمام الكم الهادر من الأفكار، وسيكون على الجمهور المتلقي عبء فلترة ما يشاهد ولا يكتفي فقط بالمتابعة، ويتعدى ذلك إلى نشر هذا الوعي في الجيل الناشئ بحيث لا نحجر عليهم المواد المشاهدة، بقدر ما نساعدهم في نقد الأفكار ونقاش الظواهر الإعلامية.

أما الشيء الحقيقي الذي يجب أن يحدث، فهو تبني إستراتيجية إعلامية واعية وصادقة ومعبرة، تستند إلى تاريخ موثوق وواقع يحتاج لمعالجة ومستقبل نريد أن نراه، دون الميل إلى أجندة تقحم قيماً غريبة وتفرض علينا مشكلات لا تنتمي لنا، بل وحلولاً تسويغية أو تسويقية، وهذه الإستراتيجية ستعود على من يتبناها بالريع المادي والقيمي، وستشهد إقبالاً منقطع النظير، لأنها ستكون صادقة وتشبهنا، وما أحوجنا إلى ما يشبهنا.

إن الماكينة الإعلامية بكل جوانبها، هي أداة الدول والشعوب في التعبير عن ذواتها وقيمها ونشرها حول العالم، فهي وسيلة من وسائل الهيمنة والسيطرة، وهي أقوى جيش سلمي، لا يقف في وجهه حاجز طبيعي ولا حدود مصطنعة، وإن تكنولوجيا التواصل الاجتماعي المتفاقمة لا يجدي معها المنع ولا التعامل التقليدي مع الأفكار، فقد ولى زمن الحَجْر.

وإن أي تعامل مع الإعلام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذه الجوانب، سواء كان ذلك في جانب التلقي أو في جانب الإنتاج.. لعلنا نكون فاعلين لا مفعولاً به في عالم الإعلام الذي لا يرحم ولا ينتظر.

 

*مخرج سينمائي فلسطيني

Exit mobile version