الشيخ أحمد الطه: هدفنا توحيد المرجعية الشرعية لأهل السُّنة بالعراق

 

ـ نسعى لجمع سُنة العراق على مشروع يوحد صفهم ويحفظ حقوقهم لينهضوا بالبلاد

ـ المجمع يتمتع بغطاء قانوني كمرجعية شرعية لأهل السُّنة ويضم ممثلين لكل أطيافهم

ـ هناك جلسة إفتاء يومياً في مقر المجمع العام في جامع الإمام أبي حنيفة ببغداد

ـ لابد من وجود وثيقة عهد بين ممثلي المذاهب بالعراق تكون مقدمة للتقريب بينها

ـ للمجمع الفقهي دور وطني في جمع الكلمة ودعوة الكتل إلى توحيد الصف والموقف

 

 

يسعى المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء إلى توحيد كلمة أهل السُّنة في العراق على مشروع يوحد صفهم ويحفظ حقوقهم للنهوض بالبلاد، فضلاً عن بناء علاقات داخلية وخارجية لتعزيز السلم الأهلي والاستقرار في المنطقة.
هذا ما أكده كبير علماء المجمع الفقهي العراقي أحمد حسن الطه، في حواره مع «المجتمع»، لدى زيارته للكويت مؤخراً؛ حيث أوضح أن المجمع يحظى باحترام الجميع لما تميز به من خطاب شرعي متزن ومعتدل، وتقديم الحكمة في معالجة الأزمات التي تستهدف النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي.

بصفتكم كبير علماء المجمع الفقهي العراقي، هل تعطينا فكرة مبسطة عن المجمع؟
– الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن المجمع الفقهي العراقي مرجعية شرعية لأهل السُّنة في العراق، تشكل تلبية للحاجة الماسة التي تتطلبها المرحلة التي مر بها بلدنا عامة، وأهل السُّنة خاصة، بعد أن شهدت الساحة الشرعية تذبذباً واضحاً ولاسيما في القضايا المهمة التي تخص ضروريات الناس ومصيرهم، فكان تشكيله ضرورة شرعية وواقعية.
< وما الأهداف التي أنشئ من أجلها المجمع؟
– من أهم الأهداف التي كانت وراء تشكيل المجمع الفقهي العراقي توحيد المرجعية الشرعية لأهل السُّنة، وجمع أطياف هذا المكون مع مراعاة تنوع المذاهب السُّنية والمدارس الفقهية لأهل السُّنة والجماعة، ومن ثم السعي لتوحيد كلمة سُنة العراق على مشروع يوحد صفهم ويحفظ حقوقهم لينهضوا بالبلاد مع أبناء وطننا جميعاً، فضلاً عن الأهداف العلمية والدعوية المتمثلة في نشر العلم الشرعي والارتقاء بأهل العلم وطلابه، وترشيد الفتوى وضبطها، وبناء علاقات داخلية وخارجية لتعزيز السلم الأهلي والاستقرار في المنطقة.
في تقديركم، ما الخصوصيات والمزايا التي يتميز بها المجمع عن سواه من المجامع والمؤسسات الأخرى؟
– من المميزات التي يتميز بها المجمع الفقهي العراقي أنه يتمتع بغطاء قانوني كمرجعية شرعية لأهل السُّنة، ويضم بين أعضائه ممثلين لكل أطياف أهل السُّنة في العراق؛ مما يجعل مخرجاته الشرعية محط تقدير واحترام من قبل أهل السُّنة جميعاً.
كما أنه يمارس عمله داخل الساحة العراقية؛ مما يجعله على تواصل وإلمام بكل ما يجري في العراق، فتكون قراءته ومعطياته شرعية وواقعية، ويعينه ذلك على تنفيذ برامجه العلمية والإفتائية والدعوية والإغاثية.
ويضم المجمع أكثر من 25 شخصية علمية في هيئته العليا، جمعت بين الدراسة الأكاديمية والدراسة على أيدي العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح، وتحظى هذه الشخصيات بمكانة علمية وجماهيرية، وأكثر من 3 آلاف إمام وخطيب وأستاذ وداعية يعملون معه في الجمعية العامة أو من المؤازرين له.
ومن المميزات التي يتمتع بها المجمع اعتماده الاجتهاد الجماعي والتشاور في القضايا المفصلية والمستجدة، وكذلك الاستئناس برأي ذوي الاختصاصات الأخرى في القضايا التي تتعلق بمجال اختصاصهم.
< ما أهم القرارات التي أصدرها المجمع؟
– تنوع العطاء العلمي للمجمع بين قرارات علمية عالجت قضايا مفصلية تتعلق بالشأن العراقي من خلال عقد مؤتمرات علمية، ولعل من أبرزها قرارات المؤتمر الأول المتعلقة بالحكم الشرعي في نظام الأقاليم وضوابطه، وأما قرارات المؤتمر الثاني فقد بينت أحكام القروض المعاصرة وضوابطها، وتأتي أهميتها لأنها تعالج مشكلة كبيرة تتمثل في أزمة المهجرين والنازحين وما تولده من تغيير في التركيبة السكانية.
ومن عطائه العلمي الفتاوى المحررة من قبل لجنة الفتوى لكل ما يرد إليها من أسئلة ومشاريع قوانين توجهت بها جهات رسمية، أو قضايا مستجدة أو دقيقة طلبت بيان الرأي الشرعي فيها محاكم ومؤسسات وشخصيات عامة وخاصة، ومن بينها الأجوبة الشرعية عن مسائل معاصرة يبحثها طلبة الدراسات العليا من داخل العراق وخارجه.
< وما طبيعة الفتاوى التي يصدرها المجمع؟
– ترد إلى المجمع أسئلة ووقائع في شتى أبواب الفقه الإسلامي، ولاسيما في باب العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات المالية، وكذلك في مسائل تتعلق بالسياسة الشرعية.
فالمجمع له جلسة إفتاء يومياً في مقره العام في جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله ببغداد، ويستقبل يومياً عشرات المستفتين، كما أن له برامج إفتاء مباشر على بعض القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهؤلاء يستفتون في جميع أبواب الفقه والعقيدة.
< تعصب المسلمين لمذاهبهم أضعف صورة الإسلام، فكيف يمكن التقريب بين المذاهب من وجهة نظرك؟
– تمثل نشأة المذاهب الفقهية نتيجة طبيعية لبروز أهل الاجتهاد والعلم الذين جمعوا الآثار والسنن واجتهدوا في المسائل، ودونوا في أبواب الفقه المختلفة، ونتيجة لكثرة المجتهدين كانت ظاهرة الاجتهاد علامة ثراء وتنوع في الشريعة الإسلامية، وفي عصور الانغلاق والتقهقر وجمود كثير من طلاب العلم على الموروث الفقهي المجتهد فيه نتج عنه تعصب كل فريق لمذهبه، متناسين قضية مهمة أن الدين الإسلامي أوسع وأكبر من اجتهادات الفقهاء، وأن مصلحة الدين ككل أهم من قضية الكسب المذهبي التي تنطلق من منظور ضيق.
وأما مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية فهذه قضية بحاجة إلى التوضيح، فمسألة التقريب لا بد أن يتقدم عليها إيجاد وثيقة عهد بين ممثلي هذه المذاهب، وتتضمن أهم بنودها ما يأتي:
– الاحترام المتبادل للتنوع الفقهي الذي قامت عليه هذه المذاهب.
– عدم التعرض للرموز الشرعية لهذه المذاهب احتراماً لخصوصية كل فريق ومشاعره.
– إيقاف الكسب والدعوة الداخلية في أوساط هذه المذاهب الذي يؤدي بدوره إلى الفتنة وزعزعة المجتمع.
– الاتفاق على الثوابت الوطنية لكل بلد يشهد تنوعاً مذهبياً لتكون مصالح البلاد وأمنها أولوية متفق عليها.
وعند وجود النية الصادقة والرغبة الحقيقية في الالتزام بهذه البنود؛ فسوف تشهد بلادنا استقراراً وتفاهماً، بشرط أن يكون ذلك مع ممثلي هذه المذاهب ورموزها.
< تجديد الفقه الإسلامي من القضايا الملحة التي يطالب البعض بها في الفترة الأخيرة كي يتماشى مع الأحداث المعاصرة.. فما رأيك؟
– مستند التجديد هو قوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، ومن خلال متابعتنا لدعوات التجديد، يمكن أن نشخص نوعين رئيسين من التجديد؛ هما:
التجديد الإيجابي: الذي يحافظ على الثوابت والأصول ويواكب المستجدات ويربط الحاضر بالماضي، فمن معالم الشريعة وخواصها أنها صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة، وهذه الصورة من تجديد الدين تساعد على تحقيق وحدة الأمة وتحصيل الأخوة واجتماع الكلمة، لأنه عودة إلى أصوله ومنابعه، واعتصام به، وهو سبيل الاجتماع ونبذ الفرقة (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران:103)، كما أنه عامل قوة للأمة وسبيل عودتها للريادة والقيادة، وعامل ارتقاء وإثراء للنشاط العلمي والثقافي والعمراني، لما في التجديد من إعمال للعقل في النظر بالقضايا المستجدة والنازلة بالأمة على وفق النصوص الشرعية، فهو دعوة لإحكام صلتها من جديد بسنن الآفاق والأنفس والهداية، وللاجتهاد المتواصل.
التجديد السلبي: وما تتضمنه دعوات المنادين به من نقض أصول الشريعة، وإنكار المسلمات والثوابت، وتعطيل بعض شعائر الإسلام وفروضه بدعوى تجديد الدين، فهي دعوة تخريبية هدمية، ينبغي التحذير منها وتفنيدها، بل إن مثل هذه الدعوات تدفع إلى تكوين حواضن للفكر التكفيري الإرهابي.
< ما طبيعة علاقتكم بالحكومة العراقية؟
– يحظى المجمع الفقهي العراقي باحترام وتواصل وعلاقات جيدة مع كافة المؤسسات الشرعية والرسمية في العراق وحتى خارجه، لما تميز به من خطاب شرعي متزن ومعتدل، وتقديم الحكمة في معالجة الأزمات التي تستهدف النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي؛ مما أكسبه ثقلاً شعبياً ونخبوياً ورسمياً، ودعا كافة الجهات المسؤولة ومنها الرئاسات الثلاث للتواصل معه وبناء علاقات متوازية على أساس الاحترام المتبادل وتغليب المصلحة العامة، وقد كان للمجمع الفقهي دور وطني في جمع الكلمة ودعوة الكتل إلى توحيد الصف والموقف في ظروف تحتاج منا جميعاً رص الصف وتحمل المسؤولية الشرعية والوطنية.
< سمعنا أن لديكم نشاطاً إغاثياً في العراق، هل حدثتنا عنه؟
– المجمع الفقهي العراقي – في الأصل – مؤسسة شرعية تعنى بالعلم والدعوة والإفتاء، ولكن الظروف العصيبة التي يمر بها بلدنا العزيز والنكبات المتوالية، وثقة الناس بالمجمع دفعاه إلى الاهتمام بالجانب الإنساني، فبادر إلى فتح القسم الإغاثي ليتولى إغاثة الملهوف وإعانة المنكوب ومساعدة المحتاجين، فأطلق حملات إغاثية لنجدة أهلنا النازحين في المحافظات التي تعرضت للعمليات الإرهابية والمسلحة، وعمل القسم الإغاثي على إيواء ما يستطيع من العوائل النازحة وحفر الآبار وإقامة المخيمات وفتح بعض المدارس والمراكز الصحية الميدانية، وأسهم في كفالة الأيتام وإقامة المشاريع الصغيرة للأرامل، وقام بإرسال بعض البعثات الدراسية للطلبة الذين حرموا من إكمال دراستهم بسبب الأعمال الإجرامية للجماعات الإرهابية، وهو يستقبل في مقره العام وبعض فروعه آلاف العوائل شهرياً.
وفي هذا المقام نقدم شكرنا الجزيل لما قدمته دولة الكويت الشقيقة من مساعدات إنسانية كبيرة ومتواصلة لأبناء الشعب العراقي.

Exit mobile version