بلهفة الظمآن وعميق الإيمان ينتظر المسلم كل عام ضيفاً مباركاً عزيزاً يهل عليه لتتوارى صور العزلة والعصيان ويبدأ شهر الرحمة والغفران شهر العبادة والإحسان بخير العابد والمعبود سبحانه وتعالى رمضان الكرم والجود.
فرمضان شهر القرآن وصلة الرحم وموائد الرحمن الذي يتسابق الناس فيه إلى فعل الخير، تحول اليوم إلى شهر يتهافت البعض خلاله على شراء المواد الغذائية والكمالية بصورة كبيرة، حتى أصبح رمضان عبئاً على البعض ليتحول من شهر طاعة واتباع إلى شهر بذخ وابتياع.
وفي هذا السياق، تطرح تساؤلات عدة؛ ومنها: لماذا أصبح الإنفاق الزائد عن الحد والإسراف في الاستهلاك سمة من سمات هذا الشهر الفضيل فيستبدل الكثير من الناس الاستعداد السلعي والمادي بالاستعداد الروحي والذهني؟
هذه التساؤلات طرحتها مجلة “الدريشة” الفصلية الصادرة عن “وكالة الأنباء الكويتية” (كونا) في عددها الرمضاني على خبير اقتصاديات الأسرة صلاح الجيماز؛ إذ أوضح أن شهر رمضان يشهد كل عام حالة من زيادة استهلاك الناس لبعض المنتجات المحددة، لاسيما في قطاع الأغذية والملابس والأواني المنزلية؛ مما يخلق حالة من الزخم بتهافت أفراد المجتمع نحو الاستحواذ على “ما لا يريدون والإنفاق على ما لا يحتاجون”.
وقال الجيماز: إن المواطن في رمضان وفي مواسم أخرى أيضاً يظن أنه ينفق كما يشاء وبإرادته المطلقة، ولكن الصحيح أنها موجة ترويجية من قبل قوى الإعلام والإعلان الحديثة التي تجذب الفرد لشراء ما تعرضه من بضائع.
ووجه الجيماز مجموعة من النصائح للمقبلين على شهر رمضان تتمحور في 5 ركائز أساسية، ما إن اتبعوها فسوف يتمكنون من السيطرة على سلوكهم الإنفاقي في الشهر الكريم؛ أولها ألا تتم عملية التسوق خلال حالة الشعور بالجوع؛ لأن قرارك بالشراء سوف يكون مرهوناً بشهوتك للطعام.
أما النصيحة الثانية فقال: ألا تتوجه للشراء من الأسواق دون أن تدوّن احتياجاتك في قائمة محددة، فيما تكمن نصيحته الثالثة في عدم الذهاب للشراء وقت الزحمة وساعات الذروة خلال نهار شهر رمضان حيث الاستعجال في الشراء يؤدي إلى تشتت التركيز فنشتري ما لا تحتاج.
وأوضح الجيماز أن النصيحة الرابعة هي تجنب اصطحاب الأطفال عند التسوق؛ لأنهم سوف يقللون من تركيزك فتشتري أشياء تزيد عن حاجتك، مشدداً في نصيحته الأخيرة على ضرورة تقسيم المشتريات على بنود يومية وأسبوعية وشهرية؛ فمثلاً لا تذهب كل يوم إلى الجمعية لشراء حاجة كالأرز وأنت تستطيع شراء كمية تكفيك للشهر كله مرة واحدة.
وأكد في حديثه أن الحل يكمن في الالتزام بما دعانا إليه الدين الإسلامي العظيم حيث قال الله عز وجل في محكم كتابه: “ولا تسرفوا”، مشيراً إلى أن الإسراف هنا ليس في الشراء فقط بل في كل نواحي الحياة.
وبسؤاله عن استخدام الكثير من الناس لبطاقات الائتمان (كريدت كارد) في عمليات الشراء، أشار الجيماز إلى أن هذه البطاقات هي نوع من أنواع الاقتراض؛ وهي تعبر عن مرحلة الانتقال من النقود الورقية إلى البلاستيك؛ لذلك فإنها تحتاج إلى تعامل ذكي معها، وفي هذا الصدد حدد الأستاذ الجيماز نقاط تعامل رئيسة؛ منها ألا يحمل الفرد أكثر من بطاقتين ائتمانيتين، وألا يكون سقف رصيد البطاقات مرتفعاً، وأخيراً أن يرتكز استخدام البطاقة في أوقات الخصومات الموسمية (التنزيلات).
وأضاف أن عملية الاستهلاك والإسراف لا تقتصر على أحد أفراد الأسرة دون الآخر؛ إذ لا يجب إلقاء اللوم على المرأة مثلاً؛ لأن المرأة والرجل يكملان بعضهما بعضاً داخل الأسرة، فالمرأة بطبيعتها كريمة والرجل مدبر؛ لذلك يجب أن يتفاهم الاثنان على تدبير أمور الحياة، ووضع خطط مستقبلية تضمن لهما ولأبنائهما حياة كريمة.