السباق إلى الإليزيه.. ما الوجه الذي ستظهر به فرنسا يوم 8 مايو المقبل؟

بعد أقل من أسبوع، وتحديدا يوم الأحد 7 مايو سيختار الفرنسيون رئيسهم الجديد، وتحديد بوصلتهم السياسية داخليا وخارجيا. ويكتسي الاختيار بين ايمانويل ماكرون، الذي فاز بـ 23.75 في المائة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى وحل أولا، ومارين لوبان، التي حصدت 21.53 في المائة من الأصوات وحلت ثانيا، أهمية بالغة في اتجاهات مختلفة. ويتوقع أن تكون النتائج متقاربة تشبه إلى حد ما النتائج في الدورة الأولى، التي خاضها 11 مرشحا، نظرا لحدة الانقسام داخل المجتمع الفرنسي حول العديد من القضايا، وهناك اصطفاف مع الطرفين حتى من بين المرشحين في الدورة الأولى من الانتخابات.

إيمانويل ماكرون

يبلغ إيمانويل ماكرون من العمر 39 سنة، وهو بذلك المرشح الأقل سنا في سباق الرئاسة الفرنسية، عمل مع الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، وقد شغل منصب وزير الصناعة والاقتصاد القومي، لكنه استقال من منصبه ومن الحزب الاشتراكي، ثم ترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتمكن من إقناع طيف واسع من الفرنسيين، أهله للمرتبة الأولى. معروف بمناصرته لحق المهاجرين، ووقوفه إلى جانب القضايا الدولية العادلة، كالقضية الفلسطينية، ووصفه للاحتلال الفرنسي للجزائر بالوحشي. ومن المنتظر أن يؤيد المرشح اليساري لوك ميلينشون، والذي حصل على 19،64 في المائة من الأصوات ماكرون. في حين دعا المرشح المحافظ فرانسوا فيون والذي حصل على 19.91 في المائة من الأصوات إلى التصويت ضد اليمين المتطرف، ودعا صراحة لانتخاب ماكرون، “ما من خيار سوى التصويت ضد اليمين المتطرف”، وتابع “لا أدعي الرضا، ولكن المقاطعة غير موجودة في جيناتي خصوصا عندما يقترب حزب متطرف من السلطة”. ودعا أنصاره للتصويت لماكرون بطريقة غير مباشرة “لا تتفرقوا أبقوا متحدين، أبقوا ملتزمين، وصدقوني بأن قوتكم سيعتد بها، وفرنسا بحاجة إليها”. وكان ماكرون قد طلب من المواطنين دعمه في الجولة الثانية من الانتخابات لتلافي الكارثة على حد تعبيره، ومن وصفهم بالقوميين.

ماري لوبان

تبلغ ماري لوبان 48 عاما، وهي ابنة جان ماري لوبان، المعروف بعنصريته الشوفينية، وقد ورثت ذلك عنه. كان شعارها في الحملة الانتخابية، الطريق الثالث، بين يمين رأس المال، واليسار المنقسم على نفسه. تعهدت في حملتها الانتخابية، بالخروج  من العملة الاوروبية اليورو على غرار بريطانيا، من معاهدة شينغن، التي تقضي بأن من يحصل على تأشيرة دولة أوروبية يمكنه زيارة جميع الدول الأوروبية، فضلا عن تنقل مواطني الدول الأوروبية ببطاقات الهوية عوضا عن جوازات السفر. كما أعلنت تعليقها للهجرة الشرعية، وطرد المدرجة أسماؤهم على قائمة التطرف، وسحب الجنسية الفرنسية من المولودين منهم فوق الأراضي الفرنسية، في حال فازت في الانتخابات. وكانت قد تحدت القضاء عندما وجه لها اتهامات بتعيينات وهمية في البرلمان الأوروبي واعتبرت ذلك مكيدة سياسية مما حدا بالجهات القضائية لطلب رفع الحصانة عنها، وهو ما لم يتم. وكانت قد قاطعت والدها بعد وراثة الحزب عنه سنة 2011 وأبعدت الشخصيات الموالية له والتي لا تقله تطرفا. وهي مطلقة عدة مرات وتعيش مع أحد أفراد حزبها بدون توثيق زواج.

المسلمون والانتخابات

يبلغ عدد المسلمين في فرنسا نحو 7 ملايين مسلم،  وهناك من يذكر رقم 5 ملايين نسمة، منهم مليونان يحق لهم التصويت أي ما معدله 5 في المائة من مجموع الناخبين في فرنسا. وقد دعا اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا، إلى التصويت بكثافة لمواجهة التطرف، وأنهاء سياسة مقاطعة الانتخابات ومشاركة المسلمين في اختيار من يحكمهم. وقد علق اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، لافتة، في الملتقى السنوي 34 لمسلمي فرنسا تحمل تساؤلا حول لمن سيصوتون. ولم يحدد قادة اتحاد المنظمات الإسلامية معينا، لكنهم أوضحوا بأنهم لن يصوتوا لمن يهدد وجودهم في البلاد” ضد الأفكار العنصرية المعادية للسامية، وكراهية الأجانب”. ولم يكن خطابهم موجها، ضد الجبهة القومية، لماري لوبان، وإنما للمرشح في الدورة الأولى فيون، الذي اعتبر بلاده ” تعاني من مشكلة مرتبطة بالإسلام” ، وهو الذي دعا بعد خسارته للسباق بالتصويت ضد العنصرية.

لقد انتقل المسلمون من السؤال هل نشارك، إلى السؤال لمن سنصوت، رغم أن المشاركة من عدمها فكرة لا تزال موجودة لدى البعض وحتى داخل النخبة، إذ أن المفكر طارق رمضان دعا لما وصفه بـ”العزوف الايجابي”. وهو ما يرفضه طيف واسع داخل المسلمين في فرنسا، ومن المنتظر أن يصوت أغلبية من سيشارك في الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسية لصالح ماكرون.

وجه فرنسا الجديد

نتائج الانتخابات يوم 7 مايو ستحدد وجه فرنسا الجديد، وإذا ما انحاز فيون، وميلينشيون، وأنصارهما لماكرون، وإذا حصل ذلك كما هو منتظر، فإن الأخير سيجد الأبواب أمامه مشرعة لدخول الإليزيه رئيسا جديدا لفرنسا. لا سيما وأن الأوساط الأوروبية تفضل ماكرون نظرا للتصريحات المعادية للعملة الأوروبية، ومعاهدة تشينغن، والسامية.

كما أن الطبقة السياسية الفرنسية، ورغم وجود تشابه مع لوبان لدى البعض مثل فيون، إلا أنها لا ترغب في فوز لوبان وتحشد أنصارها في الفسطاط المقابل. ولا شك أن أغلبية المسلمين، وكذلك اليهود لا يرغبون في فوز لوبان، التي حققت رقما غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الفرنسية، وهو ما يؤكد تنامي ظاهرة العنصرية في أوربا وفرنسا تحديدا، ومع ذلك فإن فوزها إذا ما تم وهو مستبعد، فإنه سيمثل مفاجأة أشد من مفاجأة ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، فما الوجه الذي ستظهر به فرنسا يوم 8 مايو القادم؟.

Exit mobile version