العمال الفلسطينيون في يومهم.. تهريب بتكاليف باهظة واستشهاد على الطرقات

العمال الفلسطينيون في يوم العمال العالمي، حالهم في مشاهد تقشعر لها الأبدان من تهريب بتكاليف باهظة، ومبيت في ورش لا تصلح للحيوانات، وبيارات مهجورة ومقابر واستشهاد على الطرقات أثناء توجههم للعمال.

“المجتمع” التقت مع عدد مع العمال الذين رووا ما يعانونه من ذل ومهانة، حتى وإن كان بحوزتهم التصريح اللازم للدخول عبر المعابر الحدودية.

سماسرة يفتحون بوابة

أحد السماسرة الذين يقومون بتهريب العمال التقته “المجتمع” في منطقة قلقيلية ووظيفته فتح بوابة حديدية موجودة على أنبوب لتصريف مياه الأمطار.

ويقول السمسار أبو خالد: أتقاضى على كل عامل 250 شيكلاً مقابل فتح البوابة الحديدية المركبة على مدخل أنبوب إسمنتي قطره قرابة المتر، ويتسلل العمال داخله لمسافة 20 متراً وبعدها يدخلون إلى مناطق الـ48، ولحظة دخولهم فتحة الأنبوب تنقطع علاقتي بهم، ويتم دفع الـ250 شيكلاً مسبقاً.

الثمن باهظ

وعن السبب في ارتفاع ثمن التهريب ودفع مبلغ 250 شيكلاً يقول أبو خالد: صحيح أن المبلغ باهظ، لكن الثمن الذي يمكن أن أدفعه في حال القبض عليَّ سيكون باهظاً، فالاحتلال يعتبر ذلك عملاً معادياً، وتصل مدة السجن الفعلي إلى ثلاث سنوات مع غرامة مالية، بينما العامل الذي يتم إلقاء القبض عليه لا يتم سجنه وتتم إعادته إلى مناطق التماس بين الضفة و”إسرائيل”.

إزالة البوابة

ويضيف أبو خالد: هذه الفكرة جاءتني عندما ضاقت السبل على العمال، وهذه الفتحة قريبة من أرض صديق لي، واقترحت عليه إزالة البوابة الحديدية المركبة على فتحة الأنبوب الإسمنتي، ونراقب الوضع خوفاً من اكتشاف أمرنا كي نهرب من المكان، وفي إحدى المرات تم إلقاء القبض على عمال في الجهة الأخرى داخل “إسرائيل”، وأجبر العمال على إرشاد جنود الاحتلال من مكان التهريب، ولاحظنا الجنود قبل أن يصلوا إلينا وهربنا من المكان، وتم إحضار فرقة الهندسة لإعادة ترميم البوابة الحديدية وتثبيتها أفضل من قبل ووضع حراسة عليها، وبعد فترة انسحبت فرقة الحراسة، وقمنا بتفكيك البوابة سراً، وعادت عملية تهريب العمال مع خطورة القبض عليهم وعلينا، ولكن هذا قدرنا وسنبقى نغامر حتى آخر رمق فينا.

دخول وضياع

العامل شاهين من منطقة سلفيت قال لـ”المجتمع”: دفعت الـ250 شيكلاً للمهرب الذي يقف عند البوابة، وفي نهاية البوابة كانت هناك أرض واسعة مكشوفة، وأنا غريب لا أعرف المكان، واتجهت بطريق الخطأ باتجاه دورية للجيش، وعندما لاحظتها هربت باتجاه مشاتل قريبة من المكان، وهناك قام أصحاب المشاتل بإرشادي للعودة إلى قلقيلية، ومن هناك عدت إلى سلفيت، وأخذت على نفسي عدم التهرب حتى لو لم يكن لديَّ ما أكله.

استشهاد

في شهر ديسمبر 2016م، وقع حادث سير مروع بين سيارة خاصة بداخلها 5 من العمال المتوجهين إلى المعبر الشمالي في مدينة قلقيلية، وتوفي في الحادث عاملان وهم أشقاء من قرية عوريف قضاء نابلس، وتنوعت الإصابات بين الخطيرة والمتوسطة.

النقابي محمود ذياب من نقابة العمال في محافظة قلقيلية يقول لـ”المجتمع”: قرابة 100 ألف عامل يملكون تصاريح أمنية يتوجهون يومياً إلى المعابر الأمنية المقامة بين الضفة الغربية و”إسرائيل”، وهذا العدد الكبير من العمال يكون دفعة واحدة على الطرقات في سيارات خاصة وعمومية، ونتيجة السرعة لحجز دور على المعبر الأمني يكون العمال ضحية إجراءات المعابر الأمنية التي تجبر العمال على الخروج من منازلهم في ساعات الصباح الأولى قبل حلول الفجر، ونتيجة الإرهاق والتعب للسائقين من العمال تحدث الخطاء القاتلة في حوادث سير مروعة، فالمعابر الأمنية تفرض على العمال الحضور مبكراً لحجز دور وعدم التأخير.

وأضاف النقابي ذياب: نحن نتحدث عن ظاهرة حوادث بدأت تطفو على السطح، فكل مجموعة من العمال تستخدم سيارة خاصة للتنقل بين منازلهم والمعابر الأمنية، وهذا الأمر يحتاج إلى تنظيم عاجل، وخصوصاً في بداية الأسبوع؛ حيث تكون هناك حركة نشطة للعمال المتوجهين للمعابر الأمنية.

المعبر الشمالي

المعبر الشمالي في مدينة قلقيلية يعتبر من المعابر الرئيسة، ويتوجه إليه الآلاف من شمال الضفة الغربية يومياً، وقرب المعبر توجد ساحات مكشوف تستخدم لسيارات العمال كراجات خاصة، وهناك من يقف على تنظيم اصطفاف مئات لسيارات الخاصة من مناطق مختلفة من شمال الضفة الغربية.

المنظم لسيارات العمال قرب المعبر ماهر أبو عصب قال لـ”المجتمع”: هذا الكم الهائل من السيارات التي تتنقل يومياً إياباً وذهاباً، يدلل على الأزمة التي تكون في الصباح، فالعمال يصلون المعبر الشمالي الأمني بسرعة عالية كما يقولون لنا، وهذا ينجم عنه مآسٍ كان آخرها حادث عزبة الطبيب 5 كم شرق قلقيلية، والطرقات في الضفة الغربية غير مؤهلة للسرعة وهذا الكم من العمال بشكل يومي.

وأضاف: معظم العمال لا يأخذون قسطاً من الراحة خلال اليوم، فرحلتهم تبدأ من ساعات الصباح الأولى وتنتهي في المساء، وما أن يصل منزله يستيقظ للعمل في اليوم التالي، وحوادث السير تتكرر يومياً، إلا أن الإعلام يتحدث عن الحوادث المروعة فقط.

وعن عدد السيارات التي تصل المعبر يقول أبو عصب: تصل إلى قرابة الألف سيارة على الأقل، ويكون بداخل السيارات مخالفة بعدد العمال أيضاً مما يفاقم الإصابات عند وقوع الحادث.

منذر نزال، مدير فرع الهلال الأحمر في قلقيلية قال لـ”المجتمع”: تتكرر حوادث السير في أوقات الصباح الباكر، وتكون مركبات العمال المتوجهة للمعبر الشمالي طرفاً في هذه الحوادث المؤلمة، ويتم معالجة الحوادث من قبل سيارات الهلال الأحمر، ونقل العمال للمشافي في مدينة نابلس إذا كانت الحالات حرجة.

حادثة مؤلمة

العامل عبدالرحمن حمد (33 عاماً) من مدينة قلقيلية يتحدث لـ”المجتمع” عن حادثة تعرض لها مع مجموعة من العمال استشهد فيها 7 من العمال وبترت أيادي 4 عمال.

يقول العامل حمد: كلما أتذكر الحادثة أُصاب بالهم والغم، فهي كابوس يلاحقني باستمرار بالرغم من مرور 5 سنوات على وقوع الحادث المؤلم.

يتابع العامل حمد سرده للحادثة قائلاً: كنا وفي كل مرة نذهب إلى منطقة القدس كي يقوم مهرب بتهريبنا من خلال سيارة صغيرة يكون بداخلها 24 عاملاً يتم وضعنا كالسمك في علب السردين، وفي إحدى المرات عند الحاجز العسكري عند جبع قرب القدس، استوقفتنا مجندة وطلبت من السائق بفتح الباب الخلفي، فقال لها: إنها لا يعمل بسبب خراب فيه، فطلبت منه الوقوف جانباً، صارخة في وجهه وهي تقول: نحن نعرف كيف نفتح الباب، وعندما تظاهر السائق بالوقوف جانباً التف بشكل حاد عائداً إلى مناطق الضفة، وبعدها وقع حادث مروع ذهب ضحيته 7 عمال وبترت أيادي 4 عمال إضافة إلى الجرحى.

يقول العامل حمد: كنا نذهب 150 كم حتى أصل إلى عملي في بلدة جلجولية التي تبعد عن قلقيلية 4 كم جنوباً، فالاحتلال يحرمنا من الدخول إلا من خلال تصاريح أمنية، ولا نستطيع الحصول على هذه التصاريح بسبب الملف الأمني.

العامل محمد شاهين من سلفيت يروي لـ”المجتمع” ما يجري من ملاحقة لهم أثناء اجتيازهم السياج الفاصل قرب قرية الزاوية قرب سلفيت ويقول: قبل شهرين شاهت قوات من حرس الحدود تلاحق مجموعة من العمال، وأثناء الملاحقة وقع أحد العمال من مخيم عسكر في نابلس في حفرة عميقة لعدم درايته بطبيعة المنطقة واستشهد على الفور، وهذه الحفر العميقة بفعل كسارات تسرق الأرض تابعة لـ”إسرائيليين” يقيمون كسارات على أراضي قرية الزاوية.

Exit mobile version