الطريق إلى الاستفتاء على «النظام الرئاسي» في تركيا

 

البرلمانات التركية المتتابعة أجرت 18 تعديلاً دستورياً على دستور عام 1982م

هذا التعديل الدستوري الأشمل والأهم على دستور عام 1982م ويشمل 18 مادة

من التعديلات خفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18 عاماً وإلغاء المحاكم العسكرية للمدنيين

الفريق المعارض يحذّر من الصلاحيات الواسعة للرئيس التي يمكن أن تتسبب في «دكتاتورية ديمقراطية»

التوقعات تشير إلى إقرار النظام الرئاسي بنسبة تتراوح بين 53 و55%

 

يسعى حزب العدالة والتنمية التركي ذو التوجهات الإسلامية إلى ترسيخ مبادئ الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي، بالإضافة إلى القيم الاجتماعية الأصيلة التي أرستها الشريعة الإسلامية، ودعت إلى تطبيقها من خلال ما يناسب كل مجتمع من وسائل وآليات.

ففي السادس عشر من شهر أبريل الحالي يتوجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي يتضمن تغيير نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي.

يعد هذا الاستفتاء السابع في تاريخ الجمهورية التركية على دستور جديد أو تعديل دستوري، كان أهمها الاستفتاء الشعبي على دستوري 1961 و1982م، كما أجرت البرلمانات التركية المتتابعة 18 تعديلاً دستورياً على دستور عام 1982م ساري المفعول حتى اليوم، تسعة منها في عهد العدالة والتنمية، كان أهمها تعديل عام 2007م الذي أتاح انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة.

حسب ما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات، يحق لـ55 مليوناً و336 ألفاً و960 ناخباً المشاركة في الاقتراع يوم السادس عشر من الشهر الجاري، حيث يتوزعون على 164 ألف صندوق انتخابي في مختلف المحافظات التركية، بينما يقترع حتى ذلك الوقت مليونان و929 ألفاً و389 مغترباً تركياً في 119 ممثلية دبلوماسية (سفارة أو قنصلية) في 57 بلداً و32 معبراً حدودياً.

يعتبر هذا التعديل الدستوري الأشمل والأهم الذي سيجرى على دستور عام 1982م الذي وضعته مجموعة انقلاب عام 1980م، ويضم 18 مادة دستورية، يتعلق معظمها بالتحول نحو النظام الرئاسي، أهم التغييرات التي تشملها هذه المواد هي تثبيت الرئيس كرأس وحيد للسلطة التنفيذية، وإلغاء منصب رئاسة الوزراء وتوضيح صلاحياته وصلاحيات البرلمان، والمسار القانوني الذي يتيح محاسبة الرئيس، ورفع عدد المقاعد النيابية من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18 عاماً، وإلغاء المحاكم العسكرية للمدنيين.

كما تنص المواد على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن كل خمس سنوات، سيكون أولها في الثالث من نوفمبر 2019م، على أن تكون الفترة الزمنية حتى ذلك الحين مرحلة انتقالية يعمل البرلمان في أول ستة أشهر منها على استصدار قوانين «مواءمة» للتوافق مع النظام الجديد.

الحملات الانتخابية

تنقسم الأحزاب التركية الأربعة الكبيرة الممثلة في مجلس الأمة (البرلمان) إزاء الاستفتاء الشعبي إلى معسكرين؛ يضم الأول حزبي اليمين؛ وهما العدالة والتنمية (المحافظ)، والحركة القومية (القومي التركي) المؤيدَيْن، ويتكون الثاني من حزبي اليسار؛ وهما الشعب الجمهوري (العلماني)، والشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) المعارضَيْن، وقد بدأ كلا الطرفين حملته الانتخابية لحشد أصوات الناخبين خلف خياره وإقناعهم بصوابية قراره.

يبني الفريق الأول خطابه الانتخابي على حاجة تركيا للنظام الرئاسي؛ لما يشمله من قوة للبلاد واستقرار سياسي وسرعة في آلية اتخاذ القرار وتنفيذه، إضافة للفصل بين السلطات الثلاث وتمتين البلاد في وجه الضغوط الخارجية، فضلاً عن حله الإشكالات البنيوية في الدستور المطبق حالياً، ويذكّر المواطنين الأتراك بالتاريخ السيئ للائتلافات الحكومية التي أوصلت البلاد في تسعينيات القرن الماضي إلى حالة انسداد سياسي وإفلاس اقتصادي وأزمات كبيرة جداً سبقت وصول العدالة والتنمية للسلطة في نهايات عام 2002م.

من جهة أخرى، يحذر الفريق المعارض من الصلاحيات الواسعة المعطاة للرئيس وفق التعديل الدستوري التي يمكن أن تتسبب في نشوء «دكتاتورية ديمقراطية» في البلاد تكرس حكم الفرد الواحد، والمقصود بذلك طبعاً هو «أردوغان»، الرئيس التركي الحالي، والمرشح الأبرز للرئاسة لاحقاً، وفي مقدمة المواد التي يعترض عليها الحزبان المعارضان إضعاف قدرة البرلمان الرقابية على الحكومة، وصعوبة محاسبة الرئيس في ظل دوره الملحوظ في التعيينات القضائية.

ينعكس الاختلاف الرئيس بين الاستفتاء الشعبي وكل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على الحملات الانتخابية شكلاً ومضموناً، حيث يقل كثيراً الحديث عن الإنجازات الحكومية السابقة بالنسبة للحزب الحاكم، ومهاجمة السياسات الحكومية بالنسبة للمعارضة، لصالح التركيز على شرح مواد التعديل الدستوري وتبسيطها للمواطن ومحاولة إقناعه بالمشاركة الفاعلة في الاقتراع إيجاباً وسلباً.

استطلاعات الرأي

قبل أيام معدودة من الاستحقاق الانتخابي الأكثر حساسية في تاريخ تركيا الحديث ربما، تسارع شركات استطلاع الرأي وسبر الآراء في نشر نتائج الاستبيانات التي قامت بها، ويمكن إجمال أبرز الاستطلاعات التي أجريت خلال الأسابيع القليلة الأخيرة في الجدول التالي:

الشركة نعم (%) لا (%)
ORC 57 43
GENAR 55 45
A&G 54 46
KONSENSUS 59 41
MAK 60 40
POLİTİCS(*) 46 37
GEZİCİ 41 59
AKAM 42 58
AVRASYA 42 58

(*) قدمت الشركة نتائجها دون أن توزع نسبة «المترددين» على النتيجتين، عكس الشركات الأخرى.

بيد أنه من المهم في تقييم هذه النتائج، التي جنحنا فيها نحو التدوير للحصول على أرقام صحيحة تسهيلاً على القارئ، أن نذكر ما يلي:

أولاً: إن معظم شركات استطلاع الرأي التركية ضعيفة مهنياً، إما لأنها مسيّسة أو لحداثة عهدها بالعمل البحثي أو لافتقارها للأدوات المطلوبة للعمل السليم؛ وبالتالي تخرج نتائجها في الغالب بعيدة عن الواقع، وأقرب لأمنياتها أو لما ترغب في أن تبثه في المواطنين من  دعاية وقناعات.

ثانياً: إن تاريخ هذه الشركات في عدة انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة يظهر بوضوح مدى عجزها عن التوقع الدقيق للنتائج، وحتى حين تكون إحدى الشركات دقيقة في توقع نتيجة حزب ما سنجدها بعيدة عن الدقة في توقع نسبة حزب آخر، وهكذا.

ثالثاً: إن الكثير من المواطنين الأتراك لا يتعاملون بجدية وأريحية مع هذه الشركات، سيما أبناء مناطق الأغلبية الكردية خوفاً من بطش حزب العمال الكردستاني، وهو ما يضعف مصداقية الاستطلاعات.

رابعاً: إن معظم هذه النتائج صدرت قبل أكثر من شهر على موعد الاستفتاء، وهو مدى زمني طويل نسبياً وفق سياقات الاستفتاء ونسبة المترددين الذين سيحسمون قرارهم في الساعات والأيام الأخيرة، الذين تقدر نسبتهم بـ10 – 15% من الناخبين، وهي نسبة كبيرة بطبيعة الحال.

خامساً: إن الأهم من هذه الاستطلاعات استبيانات تجريها الأحزاب المختلفة عبر عدة شركات لا تعلن عن أسمائها ولا عن النتائج التي تحصلت عليها منها، بل تبقيها سرية للاستفادة منها في تعديل مسار الحملة الانتخابية وبرنامجها وخطابها ووتيرتها.

وفق هذه المحددات المهمة، يبدو من الصعوبة بمكان أخذ هذه النتائج على محمل الدقة وتكاد تكفي للاستئناس بها، مع العلم أن عدداً من الشركات (ومنها A&G وORC) أقرب إلى توقع الانتخابات بنسبة معقولة وتفوق نظيراتها.

في الإطار العام إذن، ودون إمكانية الجزم، فإن التوقعات تشير حتى كتابة هذه السطور إلى إقرار النظام الرئاسي في الاستفتاء الشعبي بنسبة تتراوح بين 53 – 55%، بيد أننا نحتاج لأن نحتاط لأنفسنا بثلاث نقاط أخرى بالغة الأهمية:

الأولى: نسبة المترددين الذين سبق ذكرهم ويمكنهم تغيير النتيجة في لحظات حسب قرارهم وقناعتهم لحظة الاقتراع.

الثانية: عدد الشباب الذين يقترعون للمرة الأولى الذين يناهز عددهم ثمانية ملايين ناخب، وهو عدد كبير جداً ومؤثر في النتائج سيما في ظل ضعف تأثرهم بالحملات الانتخابية التقليدية التي تعتمد على اللقاءات الجماهيرية الحاشدة والخطب الحماسية.

وتتعلق النقطة الثالثة – والأهم – بالعوامل التي تؤثر في قرار الناخب التركي؛ وهي انتماؤه السياسي والفكري، ومدى اقتناعه بالحملات الانتخابية، ومدى اطلاعه على المواد المعدّلة، إضافة للأوضاع الاقتصادية والأمنية قبيل الاقتراع وهي عوامل بالغة الدقة والحساسية والتأثير.

ختاماً؛ ورغم ترجيحنا لتمرير التعديل الدستوري وإقرار النظام الرئاسي في تركيا، فإن الرفض أيضاً يبقى خياراً متاحاً وبنسبة لا بأس بها، وهو خيار إن حصل سيفرض على البلاد تحديات كبيرة قد يكون من ضمنها انتخابات برلمانية مبكرة.

من جهة أخرى، فإن إقرار النظام الرئاسي أيضاً لن يكون نهاية المطاف، إذ سيكون المحك الحقيقي بعد إنزال المواد الدستورية على الواقع وبدء الممارسات العملية؛ مما سيولد بالضرورة تحديات جديدة، ويكشف عن ثغرات تحتاج للمعالجة، فضلاً عن أنه من غير المتوقع استتباب الأمر وخفوت حدة المعارضة الداخلية والضغوط الخارجية على «أردوغان» وحكومة العدالة والتنمية؛ وهو ما يعني استمرار التحديات التي تواجهها تركيا ولكن بأشكال جديدة هذه المرة.

Exit mobile version