الهجوم الكيماوي في سورية يطرح أسئلة عميقة على قيادة ترمب

بعد أيام من ترحيب دونالد ترمب الحار بعبدالفتاح السيسي، أعلنت الإدارة الأمريكية، أنها ليست لها مصلحة في الإطاحة ببشار الأسد دكتاتور سورية، المتهم مرة أخرى بقصف شعبه بالغاز.

والأسد، الذي وصفه ترمب في العام الماضي بأنه “حليف طبيعي”، استطاع أن يفترض على نحو معقول، كما فعل الكثيرون في أنحاء العالم، أن ترمب باستقباله للسيسي وما أظهره من محبة في البيت الأبيض يوم الإثنين يشير إلى أن كل حقوق الإنسان لم تعد أولوية من أولويات واشنطن.

وعلى نفس المنوال، أعلنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي أن “أولوياتنا لم تعد التركيز على خروج الأسد” وبيان وزير الخارجية ريكس تيلرسون في وقت سابق بأن الأمر يرجع إلى الشعب السوري الذي مزّقته الحرب لاتخاذ قرار مصير الأسد!

وقد قُرئت هذه التصريحات من دمشق، على أنها رخصة لقيام الأسد بما يريد، ولذا أزالت ما تبقى من عقبات وُضعت من قبل أمام الأسد.

وكان هجوما بالغاز السام في عام 2013م قد أسفر عن مقتل ما يقدر بـ 1400 شخص وجرح آلاف آخرين في ضواحي دمشق قد اعتُبر تجاوزاً لـ”الخط الأحمر”، وقد حذّر الرئيس السابق باراك أوباما من أنه سيؤدي إلى رد عسكري،

لكن أوباما لم يقصف الأسد.

وبدلاً من ذلك، وقّعت موسكو وواشنطن ودمشق اتفاقاً يقوم الأسد بموجبه بتسليم ترسانته للأسلحة الكيميائيّة للمجتمع الدولي.

ولكن بعد الهجوم المروّع الذي وقع يوم الثلاثاء، وهو واحد من سلسلة من الهجمات منذ التوقيع على تلك الصفقة، من الواضح أن الأسد كان قد أخفى بعض مخزوناته من الغازات السامة.

وكان ترمب على وجه الخصوص والجمهوريون عموماً قد سخروا من أوباما في عام 2013م.

ولكن ترمب الآن هو الرئيس، وحزبه هو الذي يحكم واشنطن، والفوضى التي تعم سورية كلها أصبحت الآن بلا حدود وأكثر تعقيداً.

إنهم الآن يملكون.. فماذا سيفعلون حيال ذلك؟

ما الذي يمكن أن يفعله ترمب في مواجهة مثل هذا التحدي المتعمّد من قِبل الأسد للعالم العاجز عن التعامل معه؟

وهذا الهجوم تزامن مع مؤتمر الحكومات الأوروبية في بروكسل الذي تعهّد بمليارات الدولارات لإعادة إعمار سورية بعد الحرب حتى تعود جماعات اللاجئين من أوروبا إلى بلادهم.

وبينما كان البيت الأبيض يلقي باللوم على تقاعس ترمب عن الرد علي هجوم الثلاثاء، كانت وزارة الخارجية الأمريكية تلوم الأسد ورعاته في موسكو وطهران، حيث حثّ متحدث باسم البيت الأبيض الروس والإيرانيين على كبح جماح الأسد.

ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض سين سبايسر الهجوم بالغاز بأنه عمل “يستحق الشجب” ضد أبرياء “ولا يمكن تجاهله من قبل العالم المتحضر”.

إلا أنه تمشياً مع تركيز الإدارة الفريد على مكافحة “تنظيم الدولة”، أصرّت الولايات المتحدة على أنه من غير المرجّح أن تغيّر تفكيرها حول الأسد بسبب “الحقائق السياسية” السورية.

وقال سبايسر في مؤتمره الصحفي اليومي: ليس هناك خيار أساسي لتغيير النظام كما حدث في الماضي.

ومن السخف ألا نعترف بالواقع السياسي الموجود في سورية.

وأضاف: ما نحتاج إلى القيام به هو أن نفعل ما بوسعنا لتمكين شعب سورية من إيجاد طريقة مختلفة.

ورفض سبايسر مناقشة الإجراءات التي قد تتخذها واشنطن.

ثم نذهب إلى ترمب: هذه الأعمال الشنيعة التي يقوم بها نظام بشار الأسد هي نتيجة ضعف الإدارة الأخيرة.

وبقدر ما يشمئز ترمب من الأسد، لا زال يشعر بالقلق من أنه سيكون هناك فراغ إذا ما غاب… فراغ سيتم امتلاؤه من قِبل الدولة الإسلامية والقاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى.

وعلى الرغم من تعبير البيت الأبيض عن انزعاجه إزاء هذا الهجوم الأخير بالغاز، فإن ترمب لم يفرّط في انزعاجه من مجزرة حرب أهلية دامت ست سنوات حتى الآن وقُتل فيها أكثر من 400 ألف شخص.

وكان دبلوماسيون سوريون قد تكهّنوا في العام الماضي بأنهم سيخضعون لضغوط أقل من قِبل ترمب إذا ما قورن بمنافسته هيلاري كلينتون، في حال فوزها في الانتخابات الماضية.

ومن المؤكد – كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” هذا الأسبوع – عندما كان مؤسس بلاكووتر إريك برنس يخوض معركة سرية مع شريك قريب من بوتين في سيشيل في يناير، كان هناك بند على جدول أعمال مطروح في مفاوضات سرية بين واشنطن وموسكو عبارة عن صفقة لحل الأزمة السورية.

كما أشار ترمب إلى نوع من الجهود المشتركة مع موسكو بخصوص سورية.

ولكن هذا الاقتراح أصبح الآن أكثر تعقيداً.

ولأن موسكو بدأت تعتمد على سورية من أجل موطئ قدم في الشرق الأوسط، فإن ترمب أيضاً يمكن يرتاح مع الثلاثي، عديم الطعم، في نظر واشنطن وهم: الأسد، وطهران، ومليشيات حزب الله الشيعية في لبنان.

وقد حصل كل من هالي، وتيلرسون على تصريح من عضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين جون ماكين، وليندسي جراهام لا تدل على عدم مبالاتهم فيما يبدو بمحنة السوريين العاديين.

فمحذراً من أي “صفقة فاوستية” مع موسكو، قال ماكين بلغة حادة: “السوريون لا يستطيعون تقرير مصيرهم وهم يذبحون.

ومحاولة محاربة “تنظيم الدولة” في الوقت الذي نتظاهر بأننا يمكن أن نتجاهل الحرب الأهلية السورية التي تسببت في نشأتها، ومازالت تغذيها حتى يومنا هذا، ما هي إلا وصفة للمزيد من الحرب، والمزيد من الإرهاب، والمزيد من اللاجئين، والمزيد من عدم الاستقرار.

ثم أضاف: “آمل أن يوضح الرئيس ترمب أن أمريكا لن تتبع هذا المسار التدميري الذاتي الذي يهزم نفسه.”

وفي بيان بعد هجوم الغاز الذي وقع يوم الثلاثاء، بدا ماكين يحض ترمب على اتخاذ إجراء ضد الأسد: “يعتقد الأسد أنه يمكن أن يرتكب جرائم حرب مع الإفلات من العقاب، والسؤال هو ما إذا كنا سنتخذ أي إجراء لنزع فتيل هذه الفكرة القاتلة.

واتهم ترمب بـ “أكبر خطأ” منذ فشل أوباما في اختبار خطه الأحمر، قائلاً: آمل أن تكون هذه التقارير غير دقيقة، ولكن الحرب في سورية لن تنتهي حقاً، لأن الشعب السوري يريد إزالة الأسد من السلطة.

ولكن بمعنى ما، كان هالي، وتيلرسون يؤكدان ما كانت عليه سياسة أوباما الواقعية، التقاعس العام خوفاً من شن حرب أهلية مروّعة أكثر إثارة للرعب.

المصدر: Sunday Morning Herald Australia

Exit mobile version