خبراء: حل أزمة كركوك يكمن في إيجاد وضع خاص لها

يرى محللون أتراك أنّ بدء أزمة رفع علم حكومة الاقليم الكردي في مدينة كركوك العراقية، واستمرارها بتصويت مجلس المحافظة لصالح قرار يقضي بإجراء استفتاء، على ضم المحافظة إلى الإقليم الكردي، يمكن أن تنتهي بإيجاد وضع خاص للمدينة أو جعلها اقليماً خاصاً.

وفي ظل استمرار مكافحة تنظيم داعش الإرهابي في الداخل العراقي، رُفع علم الاقليم الكردي فوق الدوائر الرسمية في كركوك بتوصيات من والي المدينة نجم الدين كريم الشهر الفائت.

ورداً على هذه الخطوة اتخذ البرلمان العراقي قراراً بخصوص رفع العلم العراقي فقط على الدوائر الرسمية في محافظة كركوك، إلّا أنّ مجلس محافظة كركوك أعلنت أنها لن تلتزم بقرار البرلمان.

ولم يكتفِ مجلس محافظة كركوك برفض قرار البرلمان، بل أعلن إجراء استفتاء على ضم المحافظة للإقليم الكردي، وهذه الخطوة تعتبر مخالفة دستورية وبمثابة جريمة يعاقب عليها القانون.

ويقول الخبراء إنّ ما يحدث من أزمات في كركوك خلال هذه الفترة، ليست وليدة أزمات صغيرة تزول مع مرور الزمن، إنما هي ناتجة عن أزمة طويلة الأمد.

ولدى إجابته على أسئلة مراسل الأناضول، قال بيلغاي دومان الخبير في مركز الشرق الأوسط للابحاث الاستراتيجية (ORSAM)، إنه من غير الممكن تقييم الأزمة الحاصلة في كركوك بناءً على رفع علم الاقليم الكردي فيها فقط.

وأوضح دومان أنّ أكراد العراق يقومون منذ فترة طويلة بحملات تهدف إلى ضم المدينة للاقليم، وأنّ أزمة رفع علم الاقليم فوق الدوائر الرسمية بالمدينة، جزء من تلك الحملات.

وأشار أنّ محافظة كركوك كانت محط نقاش وجدل في العراق منذ الاحتلال الأمريكي لهذا البلد عام 2003، مع الأخذ بعين الاعتبار الخلاف القائم بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

ولفت دومان أنّ ضم محافظة كركوك يعدّ بمثابة المفتاح الذي سيفتح باب استقلال الاقليم عن العراق، مشيراً إلى احتمال تصاعد حدة الوتيرة خلال الأيام القادمة بين التركمان والاكراد نتيجة رفع علم الاقليم في المدينة، لا سيما أنّ والي كركوك أعلن بأنهم لن يتراجعوا عن قرار رفع العلم، بينما قالت الجبهة الوطنية التركمانية بأنها لن تظل مكتوفة الأيدي حيال هذا التصرف.

وتابع قائلاً: “الحملات الاحادية الجانب في كركوك ستزيد من ديناميكيات الصراع في هذه المدينة، فالحملة العسكرية على الموصل مستمرة، وهناك خطر تعرض كركوك لهجوم من قِبل داعش، فالتنظيم الإرهابي ما زال يسيطر على منطقة الحويجة الواقعة جنوبي كركوك، وأي صراع جديد في كركوك سيكون سبباً في تسرب عناصر داعش إلى هذه المدينة مجدداً”.

وأضاف أنّ أفضل وسيلة لحل أزمة كركوك، يتمثل في إيجاد وضع خاص لها وجعلها اقليماً خاصاً، يشارك في إدارتها كافة الأطياف والمكونات الاجتماعية الموجودة فيها.

وحذر دومان من احتمال نشوب صراع طويل الأمد، في حال تمّ الحاق محافظة كركوك بالاقليم الكردي في شمال العراق.

من جانبه قال سرحات أركمن عضو الكادر التدريسي في كلية العلاقات الدولية بجامعة “آهي أوران”، أنّ أزمة رفع العلم ، ناتج عن تراكم أزمات كثيرة على مدى السنوات السابقة.

ولفت أركمن إلى توقيت نشوب الأزمة، مبيناً أنّ هذا التوقيت يلائم أكراد العراق، لأنّ الحكومة المركزية في بغداد تعاني من الضعف وعدم القدرة على ضبط أمور البلاد في الوقت الراهن.

واستطرد قائلاً: “توقيت الأزمة تمّ اختياره بشكل دقيق، فالأكراد في الشمال يتمتعون حالياً بدعم دولي، والحكومة العراقية ورئيسها حيدر العبادي غير قادرين على التدخل ومنع ما يحدث في كركوك أو إبداء موقف حازم تجاه تلك الأزمة، ومن المحتمل أن تؤدي هذه الأزمة على المدى البعيد، الى نوع من التباعد بين شرائح محافظة كركوك وتقضي على التعايش السلمي فيها”.

وأشار أركمن إلى وجود دور لإيران في أزمة رفع العلم الكردي في محافظة كركوك، قائلاً: “رغم تصريحات إيران المعارضة لهذه الخطوة، إلّا أنّ لها دور في نشوب هذه الأزمة، لأنّها لو كانت تعارض هذه الخطوة بشكل جدي، لكانت استخدمت نفوذها ومارست الضغط على حكومة الاقليم الكردي في شمال العراق”.

بدوره قال علي سمين الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمركز الحكماء للدراسات الاستراتيجية (BİLGESAM)، إنّ مدينة كركوك كانت وما زالت محط جدل وخلاف بين الأطراف العراقية منذ عام 2003.

وأوضح سمين أنّ أزمة رفع العلم ناجم عن التنافس القائم بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

وفي هذا الخصوص قال سمين: “المشكلة الأساسية تكمن في السيطرة على مخازن النفط في كركوك، ففي هذه المدينة توجد 5 آبار كبيرة للنفط، إثنتين منها تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكرستاني الذي يقوده مسعود بارزاني، بينما يحظى حزب الاتحاد الوطني الكردي بتأثير كبير في إدارة المدينة، ورغم أن رئيس مجلس المحافظة ووالي المدينة من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلّا أنّ عملية بيع النفط إلى الخارج يتم عن طريق الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا الأمر ولّد منافسة بين الحزبين”.

وأردف قائلاً: “منذ عام 2008 هناك تعايش سلمي بين أكراد وتركمان وعرب كركوك، ومع أزمة رفع العلم، فقد خرج الأكراد من نطاق هذا التعايش، وكذلك تعرضوا لانتقادات من تركيا وإيران، وهم الأن يدركون ذلك لكنهم لا يستطيعون التراجع عن هذه الخطوة”.

وأشار سمين أنّ والي كركوك نجم الدين كريم وضع مسعود بارزاني تحت الأمر الواقع بإعلانه رفع علم الاقليم في الدوائر الرسمية بالمدينة، واستفز حكومة بغداد والقيادة الشيعية في البلاد، كما استفز التركمان وقسما كبيرا من العرب والأوروبيين.

وتطرق إلى العلاقات القائمة بين تركيا والاقليم، مبيناً أنّ تلك العلاقات كانت جيدة، غير أنّ أنقرة أبدت استيائها بوضوح من رفع علم الاقليم في كركوك.

وأعرب سمين عن اعتقاده بأنّ الأزمة الحالية يمكن حلها عن طريق الحوار بين الاطراف الفاعلة في المدينة، مضيفاً في هذا الصدد: “هناك طريقتين لحل الازمة الراهنة، وهما إما أن يتم إنزال علم الاقليم، أو يتم رفع العلم التركماني إلى جانبه”.

 

Exit mobile version